ومن الناشطات اليمنيات البارزات الشابة سبأ جلاس، التي تعد واحدة من أبرز مبدعات الفن التشكيلي في الوطن العربي، فهي تواصل فن الرسم منذ سنوات عديدة، لتحكي عبر لوحاتها عددا من القصص التي تلخص الواقع العام الذي يعيشه اليمن.
وتقول سبأ "أحب الرسم منذ طفولتي، حيث أستطيع أن أرسم عن أي شيء، وبعد دخولي المدرسة كنت أرسم على دفاتري وكتبي، وكانت هواية الرسم ترافقني في كل مراحل عمري".
حظيت سبأ باهتمام وتشجيع من المحيطين بها، خاصة أسرتها، وبعد نشر أعمالها على مواقع التواصل الاجتماعي وجدت تفاعلا دفعها للاستمرار في فنها.
وأضافت سبأ -التي تخرجت في جامعة صنعاء قسم الأدب الفرنسي- "عند بداية الحرب عام 2015 كنت أرسم صور أعمدة الدخان الناجمة عن القصف والانفجارات. أرسم على الدخان أشكالا وصورا تبعث التفاؤل، مع بث رسائل مناهضة للحرب عن طريق الرسوم التي قمت بها".
وواصلت سبأ مشوارها الفني، حتى بدأت عام 2017 الرسم بالألوان الزيتية، ونجحت في إقامة معرضها الفني الأول في دار الأوبرا المصرية بالقاهرة عام 2021.
مزادات خيرية
قبل سنوات، بدأت سبأ الترويج للوحاتها وبيعها في مزادات علنية خيرية يتم تحويل حصادها المالي لصالح الفقراء والمحتاجين في بلادها التي تصنف بأنها تعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث معظم السكان (البالغ عددهم 30 مليونا) يعتمدون على المساعدات.
وتقول سبأ "نجحت في إقامة 12 مزادا خيريا على 12 لوحة من أعمالي، كان آخرها في أغسطس/آب الجاري". وأضافت أن المزاد الأخير تم تخصيص المبلغ المتوفر منه لتأمين وجبات الفطور لطلاب مدرسة حكومية.
وتفيد بأنها بدأت المزادات الخيرية عام 2018، وكان أغلبها لصالح المدارس حيث يتم شراء مستلزمات مدرسية، وترميم مدارس تضررت من الحرب، وكذلك إنشاء مخبز خيري ودعمه.
وتابعت "أنا سعيدة بمستوى تفاعل الناس مع المزادات الخيرية مهما كانت متواضعة، حيث بلغ سعر أغلى لوحة في المزاد 1300 دولار، وتفاوتت أسعار البقية، وكان أقلها 200 دولار". وتعرب عن أملها أن تستمر المزادات، وأن يكون لها أثر أكبر في المستقبل.
الفن والسلام
ورغم استمرار الحرب في اليمن، هناك دعوات محلية ودولية متكررة لأطراف الصراع من أجل تحقيق السلام عبر المفاوضات. وكان للفن أيضا دور في نشر السلام ونبذ الحرب التي زادت اليمن وجعا وفقرا.
وتشير سبأ إلى أن أغلب أعمالها الفنية تحمل رسالة السلام وأي معنى ضد الحرب، كما رسمت سبأ لوحات متعددة عن قضايا أخرى، مثل: العنف ضد المرأة، وأثر الحرب على الطفولة، وعمال النظافة وضرورة تقديرهم، إضافة إلى معاناة مرضى السرطان، وجائحة كورونا وجهود الفرق الطبية في مكافحته، وغيرها من القضايا المهمة.
وتقول جلاس "أحب رسم أي شيء جميل حتى ولو من قلب القبح… قبح الحرب وتجار الحروب؛ ورسمت أيضا عن التراث".
ويبدو على سبأ السعادة والرضا في ما قدمته في سبيل الفن والعمل الخيري، وتفيد بأن "إقبال الناس على أعمالها دائما جميل وكبير"، وتضيف "أنا أرسم للأمل والتفاؤل والسلام، لذا أجد أغلب الناس يحبون أعمالي".
صعوبات العمل الفني
وفي بلد يعاني من ضعف كبير في الخدمات والأمن جراء الحرب، تواجه حتى الأعمال الفنية صعوبات كبيرة. وتقول الفنانة سبأ إن "الفنان التشكيلي اليمني يواجه واقعا صعبا، ويبذل الجهد كي يستمر في ظل عدم الاهتمام المُرضي للفن، مع اشتعال الحرب والأزمات المتكررة". وأفادت بأن "هناك فنانين غادروا اليمن ليجدوا متنفسا لهم ولأعمالهم".
وفي نظرتها لمستقبل عملية السلام في بلادها، تشير سبأ إلى أن "السلام يحتاج إلى قرار سياسي، غير أن الفن لا ينبغي أن يغيب في الحروب وأن يستمر في تقديم رسائل السلام".
وشددت على أنه "لا ينبغي أن يألف الناس صور الدمار والحرب، فتستنكر صور الجمال وتتشوه أرواحنا".
صنع الوعي ونبذ العنف
ولفتت إلى أنه "قد لا يصنع الفن السلام، لكن من الممكن أن نسهم في صنع الوعي بضرورة التعايش والسلام ونبذ العنف". وتوجه رسالتها لجميع اليمنيين قائلة "لو أننا استطعنا فعلا العيش معا من دون رفض الآخر لما وصلت بنا الحال إلى ما وصلنا إليه".
وأضافت "نتمنى أن نعود كما كنا، نحيا معًا كشعب واحد في وطن واحد لا يفرقنا مذهب ولا حزب ولا طائفة، وأن ندرك أهمية السلام لنحيا حياه كريمة كسائر دول العالم، ونبقى دائما نتفاءل بأن القادم أجمل بإذن الله تعالى".
ففي اليمن -الذي يعاني أغلب سكانه من الفقر والبطالة- لا يزال ثمة أمل ينسجه شبان وشابات يصنعون الفن ويزرعون الكفاح في أرض تكسوها صراعات مستمرة حتى اليوم.