التنمّر الرقمي ضد الصحفيات اليمنيات.. ملاحقة مستمرة وتبعات خطيرة

تشرين1/أكتوير 14, 2022
 
 
في مطلع مارس من عام 2022، ظهرت الإعلامية والمذيعة في قناة السعيدة المحليّة مايا عبد الغفور العبسي في بثٍّ مرئي مباشر على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
 
كانت تبكي بحرقة من التنمّر الرقمي الذي تعرّضت له من صحفي وزميل لها تحفّظت عن ذكر اسمه، لكنها لم تُخفِ ما قام به عبر صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك باسم "نجود علي" وحاول مراراً التشهير بها وتشويه سمعتها والترويج لكثير من الأكاذيب عنها، كما ذكرت في الفيديو.
 
استغل الأخير معرفته بحياة مايا ومعاناتها، وسخر من الحياة التي عاشتها في طفولتها، واتهمها بتزوير تقارير وتراخيص وممارسة النصب والاحتيال، وسخرَ من إصابتها بمرض السرطان الذي كانت تعاني منه بصمت وتُخفي أمره، ولم تفشِ به سوى لصديقة مقربة لها، وأخفته عن والدتها خشية أن تُحزنها.
 
أصيبت مايا بخيبة أمل كبيرة، وجعلها ذلك تتوجع لحزن أمها وغدر الأصدقاء، كما تشكو من انتحال شخصيتها وإنشاء حسابات باسمها واستغلالها في النصب والاحتيال والتواصل مع مغتربين وتجار لجمع التبرعات.
 
يُمارس التنمر الرقمي ضد الإعلاميات والصحفيات اليمنيات بشكل شبه يومي، ويُلاحقهن في المنازل وأماكن العمل بتطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الأدوات الإلكترونية التي يتعاملن معها في حياتهن اليومية والمهنية، ويتعرّضن فيها لعدد كبير من الانتهاكات الرقمية التي تتزايد يومياً بشكل مخيف، وتُوقع بمزيد من الضحايا كثيرا من الأضرار التي تعدّت المستوى الشخصي والمهني إلى الأسري والمجتمعي وغيره.
 
في هذا التحقيق، يسلّط موقع "تعز تايم" الضوء على واحدة من أخطر وأسوأ الانتهاكات الناعمة التي تؤرّق الصحفيات وتُلحق بهن أضرارا نفسية واجتماعية واقتصادية ومهنية، وتقيّد تحركاتهن وتحدّ من نشاطهن، وتؤثر على أدائهن المهني، كما تضيّق عليهن مساحة الحرية المتاحة للتعبير عن آرائهن ومواقفهن أو الحديث عن تجاربهن وتفاصيل حياتهن اليومية.
 
تبين بالرصد والتحليل والبحث واللقاءات التي أجراها معدّ التحقيق أن التنمر الرقمي ليس له جغرافيا معينة؛ إذ يطال الصحفيات خارج البلاد والمقيمات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية وسيطرة الحوثيين، ولا يُمارس ضد الصحفيات المعروفات فحسب، بل يطال أخريات ما زلن في بداية مشوارهن، ولا يفرّق بين المستقلات ونظيراتهن في وسائل الإعلام الحزبية أو التابعة لأطراف الصراع.
 
سكينة محمد (30 عاماً) صحفية في إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، تمارس العمل الصحفي منذ سنوات، وتكتب حالياً لصالح منصة "خيوط" وغيرها، تقول: "أتعرّض للتنمر الرقمي، ولكن ليس بشكل كبير ومستمر ومعقد أو هجوم دائم"، وتلفت إلى أن هذا الانتهاك يتزايد يوماً بعد آخر بشكل مخيف، كما تتطور أشكاله وتشتدّ قوة المتنمرين ويصبح لهم دوافع جديدة.
 
ضحايا لأشكال مختلفة من التنمر
 
لمياء الشرعبي (24 عاماً) صحفية تعمل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وتتعرّض أيضاً للتنمر الرقمي بشكل ملحوظ مثل زميلتها في قناة يمن شباب شيماء أمين، وذلك كلما نشرت صورة شخصية، أو كتبت منشورا، أو عبرت عن رأيها، أو أعادت نشر أعمالها على صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها الفيسبوك الذي يُعد المنصة الأكبر في عدد المتنمرين والانتهاكات الرقمية، وفقاً لروايات صحفيات وخبراء وناشطين، وقد تحقق من ذلك معد التحقيق بالرجوع لعدد من المنصات.
 
ليست طبيعة عمل الصحفيات وقيامهن بنقل الحقائق وتسليط الضوء على الأحداث والقضايا المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان والممارسات المرتكبة ضد المواطنين ونقل معاناتهم -ما يُعرضهن للتنمر الرقمي، فمنشوراتهن ونقاشاتهن في منصات التواصل الاجتماعي تعرّضهن للتنمر بطرق مختلفة، بينها التفاعلات والملصقات والتعليقات والمراسلات وإعادة نشر صورهن بعد إدخال بعض التغييرات عليها أو عمل رسومات مشوّهة منها، وذلك إلى جانب مشاركة تغريداتهن التي يُرفقها المتنمرون بعبارات قد لا تخلو مِن التنمر، كما تقول صحفيات لـ تعز تايم.
 
بتصفح حسابات سكينة ولمياء ومايا وغيرهن من الصحفيات في الفيسبوك، تبين أنهن يتعرّضن لأشكال متعددة من التنمر، وذلك فور نشر تغريدة أو صورة أو أغنية أو نص أدبي أو مداخلة مرئية في ندوة أو قناة أو حديث عن تجربة شخصية أو مهنية أو قضية مجتمعية أو إنسانية أو سياسية أو تشجيع فريق رياضي أو الحديث عن منتج معين أو نشر مقطع فيديو لطفل يرقص أو طفلة تغني أو إعادة نشر عمل صحفي.
 
ولا يقتصر التنمّر على السخرية والتقليل من شأن الصحفية والتشكيك في قدراتها وصحة ما نشرته، بل يمتد إلى استخدام الألفاظ العنصرية، والسبّ بعبارات جنسية وخادشة للحياء، كما حصل مع الصحفية لمياء التي أعادت في وقت سابق نشر تقرير لها حول الاغتصاب في بيت الزوجية على صفحتها في الفيسبوك، فتعرّضت لقدر كبير من الشتم والتعنيف اللفظي، وتعرضت في منشورات أخري للتحرش اللفظي والتهكم والاستفزاز والانتقادات اللاذعة واللعن والمناطقية.
 
يختلف أعداد المتنمرين وحالات التنمر مِن منشور إلى آخر، فقد رصد معدّ التحقيق في التعليقات حول 5 منشورات للمياء قرابة 102 تنمر، وقد حملت في مضمونها قذفا مبطّنا وتحرشا وسبّا بألفاظ جنسية ومسيئة لها وتشكيكا في أخلاقها ومدى التزامها بتعاليم الإسلام واعتراضات على نشر صورها الشخصية وتناول مواضيع بعينها، بينها سياسية تطرقت للحوثيين وثورة 26 سبتمبر، وأخرى أدبية قدّمت فيها قراءة مصغرة لقصيدة للشاعر عامر السعيدي.
 
كما اعترض بعض المتنمرين على منشوراتها الجريئة وعلى امتلاكها حسابا في الفيسبوك بحجة أنها فتاة، كما وجه لها آخرون اتهامات بانتمائها لمكون سياسي معين وتبعيتها لقيادات كبيرة في حزب الإصلاح، وهي ممارسات تتعرّض لها صحفيات أخريات، وقد رصد معدّ التحقيق العشرات منها في صفحاتهن على الفيسبوك.
 
التنمر وأهدافه وأشكاله
 
تُعرِّف منظمة اليونيسف التنمر بأنه "سلوك متكرّر يهدف إلى تخويف الأشخاص المستهدفين أو إغضابهم أو التشهير بهم"، ولا يوجد أي توصيف في القانون المحلي للتنمر الرقمي، وهو ما يعدّه ناشطون وقانونيون وإعلاميون وخبراء في مكافحة الجرائم الرقمية انتهاكا خطيرا وفعلا إجراميا يمارسه المتنمرون ضد الصحفيات باستخدام الإنترنت، وهو ما يتسبّب بأضرار نفسية متفاوتة، فضلا عن آثار أسرية واجتماعية واقتصادية ومهنية وغيرها.
 
ويهدف التنمّر الرقمي ضد الصحفيات اليمنيات على التحريض عليهن وتشويه سمعتهن وتقييد حرياتهن وتحركاتهن وإعاقة تقدمهن والنجاح في مهنهن وأنشطتهن وتخويفهن وترهيبهن ومصادرة حقهن في ممارسة الحياة الطبيعية وحرية التعبير والعمل والتنقل، فضلاً عن إيقافهن عن التطرق لمواضيع بعينها أو التوقف عن مزاولة النشاط الصحفي أو الإعلامي برمته.
 
وتتعرّض الصحفيات اليمنيات للتحرّش الإلكتروني والتعنيف والاعتداء اللفظي والابتزاز والتهديد والمضايقات وحملات التشهير وتشويه السمعة ومحاولات الإزعاج المتكررة واختراق حساباتهن ونشر فيديوهات وصور خليعة أو البحث عن محادثات وأسرار وصور وفيديوهات وبيانات، ثم توثيقها وتوظيفها في التحريض ضدّ الصحفية وتشويه سمعتها أو ابتزازها في وقت لاحق.
 
وتستخدم حسابات الصحفيات التي تُخترق أو أُنشئت بأسمائهن في إجراء محادثات جنسية والإيقاع بمسؤولين وقيادات وأشخاص عاديين، وإقامة علاقات غرامية افتراضية، والتواصل مع أشخاص لا يروق لهم اسم الصحفية وتوجيه تهديدات وخطابات كراهية والتعبير عن مواقف تتعارض مع توجهها، كما تعرضها للتهديد والمخاطر والاعتداءات في الواقع وتشوّه صورتها وتُعرّضها للعنف الأسري، وتؤثر على علاقتها مع زوجها وأسرتها وتدمّر حياتها، كما يقول أحد المتنمرين أو المخترقين من دون أن يُدلي باسمه لتعز تايم.
 
ويمارس التنمر الرقمي ضدهن صحفيون وإعلاميون وناشطون على منصات التواصل الاجتماعي وأصدقاء افتراضيون، وأغلبهم من فئة الشباب وطلاب الجامعات والطبقة المتعلمة والواعية والمثقفة، كما ذكرت صحفيات لموقع "تعز تايم"، وهو ما لم يكتفِ به معدّ التحقيق، بل رجع إلى حسابات عدد من المتنمرين بينهم فتيات، وتبيّن أن معظمهم يخفي بياناته الشخصية واسمه الحقيقي، ويستخدم اسما مستعارا أو كنية، في حين يُظهر البعض اسمه ومهنته والكلية التي يدرس فيها، وهي تفاصيل حاولنا التأكد منها من أصحابها، وقد ردّ البعض منهم على أسئلتنا عبر الماسنجر وتجاهلها آخرون.
 
وتبيّن بمطالعة جميع التعليقات، بما فيها التي تضمّنت تنمّرا، أنه يمارسه أشخاص ينحدرون من المنطقة التي تنحدر منها الصحفية، كما يمارسه زملاء الدراسة، ويمارسه زملاء في نفس الجهة التي تعمل لديها الصحفية أو تكتب لصالحها، وهو ما حدث لعدة صحفيات بينهن الصحفية رشا كافي، فقد تنمّر ضدها الشهر الماضي أحد زملائها في المنصة التي تعمل فيها، واعترض في منصات الجهة التي تعمل فيها على تحقيقها حول التعليم في مناطق الحوثيين، كما قلّل من أهميته مدعياً أن هناك قضايا أهم من ذلك.
 
طابع التنمر الرقمي وخلفيته
 
يُمارس التنمر الرقمي ضد بعض الصحفيات بشكل مقصود، وهو ما لوحظ من قيام بعض المتنمرين بممارسة التنمر على صحفية بعينها في أكثر من منشور، في حين يقتصر تنمر البعض على الصور الشخصية والمنشورات الجريئة، أو تلك التي تتحدث فيها الصحفية عن ثورة 26 سبتمبر أو الوحدة اليمنية، أو تنتقد فيها الحكومة الشرعية، أو المجلس الانتقالي، أو دول التحالف، أو جماعة الحوثي، أو الأحزاب السياسية، وهو ما يشي بأن لتلك الأطراف ذبابا إلكترونيا خاصا بها أو مدافعين طوعيين عنها.
 
وارتفع منسوب التنمر الرقمي الممارس ضد الصحفيات اليمنيات في السنوات الأخيرة لعدة عوامل، بينها التطور التكنولوجي وشيوع تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي، فقد وفرت متنفّسا رقميا للعاملات في حقل الصحافة، كما سهّلت على المتنمرين الوصول إليهن وملاحقتهن بشكل متواصل والتوصل إليهن في أي زمان ومكان.
 
ويتخذ التنمّر الرقمي طابعا عشوائيا فرديا من شخص أو عدة أشخاص تجمعهم علاقة صداقة أو زمالة ويمارسون التنمر انطلاقاً من دوافع شخصية، بينها التسلية وحب الظهور ولفت انتباه الآخرين، وليس بتأثير وإملاءات أطراف سياسية وقيادات ومسؤولين، وهو ما لحظه معدّ التحقيق في بعض حالات التنمر التي يشرع في ممارستها شخص، ثم يستدعي رفاقه بعمل إشارات أو روابط تشعّبية تقودهم إلى المنشور المقصود.
 
ويتخذ أيضاً طابعا منظما تمارسه خلايا إلكترونية تابعة لطرف أو حزب أو جماعة مسلحة، وقد ظهرت بوادر التنمر الرقمي المنظم منذ عام 2011؛ إذ أسست قيادات عسكرية من عائلة الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح مراكز خاصة بالذباب الإلكتروني، وأوكلت إليهم مهمة مهاجمة الصحفيات والناشطات الفاعلات وتهديدهن وتشويه سمعتهن والتنمر عليهن في منصات التواصل الاجتماعي واتهامهن بتحويل الساحات إلى أوكار للاختلاط واللقاءات الغرامية.
 
وبُعيد الإطاحة بنظام صالح وإقالة أبرز القيادات العسكرية في عائلته، مارست تلك الخلايا أدوارها واستمرت في ذلك إبان تحالف الحوثيين وصالح، وهو التحالف الذي انفض أواخر عام 2017، كما تقول مصادر موثوقة لموقع تعز تايم.
 
وأسهمت الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014 والانقسام السياسي الحاصل وتعدد قوى النفوذ وضعف مؤسسات الدولة وتفشي الفوضى والفراغ القانوني وتصاعد وتيرة الخطاب الديني والاستقطاب السياسي وغياب الدور المجتمعي والمدني والرسمي وضعف أداء نقابة الصحفيين اليمنيين والمنظمات الحقوقية وقصور النظرة المجتمعية للمرأة وتدني مستوى الوعي المجتمعي في خلق فكر عدائي تجاه الصحفيات اليمنيات طبقاً لناشطين وأكاديميين.
 
عوامل
 
تغيب القوانين والتشريعات المحلية التي تحمي الصحفيات من التنمر، كما تتقاعس السلطات اليمنية عن تفعيل القوانين الخاصة بالقذف والتشهير وتشويه السمعة والتهديد، بالإضافة إلى تمتّع المتنمرين بالحماية والدعم من الأطراف التي يتبعونها، وغياب المساعي الأممية والدولية والمحلية الرامية لحماية الصحفيات من التنمر، وهو ما مكّن المتنمرين من الإفلات من العقاب.
 
وتختلف الطرق التي تتعامل بها الصحفيات مع التنمر الرقمي، فإذا كانت سكينة ولمياء يتجاهلنه أو يقمن بتوثيقه وإرساله لأصدقاء وأقارب، فإن صحفيات أخريات يقمن بالتوثيق وإرسال روابط حسابات المتنمرين إلى ناشطين متطوعين في مكافحة الانتهاكات الرقمية، ولم تُشر بعضهن إلى قيامهن بإبلاغ السلطات الرسمية أو نقابة الصحفيين اليمنيين أو منظمات أخرى مهتمة بهذا الأمر.
 
وتقول هبة علي زين عـيدروس وهي عضو هيئة التدريس في كلية الحقوق بجامعة عدن، وعضو اتحاد المحامين العرب، وباحثة دكتوراة في القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة عين شمس: "التنمّر الرقمي مصطلح غير واضح ودخيل على اللغة والقانون، ولا يوجد نص قانوني واضح متعلّق به، كما أنه غير وارد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم (12) لعام 1994 باعتباره جريمة تقليدية".
 
وتلفت، وهي خبيرة في القانون، إلى أنه لا يمكن التعامل مع التنمر الرقمي بوصفه جريمة واحدة، لاحتوائه على عدد من الأفعال المجرَّمة، وكل فعل يشكل جريمة مستقلة، ويمكن التعامل معه وفقاً للوصف والتكييف القانوني الوارد في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ، وهو يعدّ أي تهديد من شأنه إلحاق أذى أو ضرر نفسي أو مادّي بالمجني عليه جريمة، ويُعاقب عليها بالسجن لمدة قد تصل إلى سنة كاملة، كما يُجرّم السب ويعاقب عليه بالسجن لمدة قد تصل إلى سنتين.
 
وترى أن القانون الجنائي اليمني بحاجة ضرورية لإدخال تعديلات عليه بشقّيه الإجرائي والموضوعي وإصدار قانون جنائي خاص بالجرائم الرقمية، في حين نوّهت إلى أن الإجراءات القانونية مرتبطة بلجوء الضحية إلى النيابة العامة والبحث الجنائي، وتقوم تلك الجهات باتخاذ الإجراءات القانونية والتحقّق من ثبوت الجريمة من عدمها، وفي حالة الثبوت واستكمال الإجراءات، يُحال ملف القضية للمحكمة المختصة للنظر والفصل فيها.
 
ويرى قانونيون أن الصحفيات اليمنيات يتعرّضن للتنمّر الرقمي؛ لأنهن نساء في مجتمع يعنّف المرأة بحجّة أنه محافظ ويرفض وجودها في الأماكن التي يوجد فيها الرجال، بما فيها منصات التواصل الاجتماعي، ويُرجع مهتمون وصحفيات هذه الظاهرة إلى قلة الوعي وعدم توفر قانون خاص بها، فضلاً عن عوامل دينية وسياسية وثقافية وأخرى مرتبطة بالمعتقدات المجتمعية التي تُعيب مزاولة المرأة للعمل الصحفي، وترى أن اسمها وصوتها وصورتها عورة.
 
دوافع التنمر
 
تختلف دوافع التنمّر الرقمي من حالة إلى أخرى، ويذكر الأكاديمي والأستاذ الجامعي الدكتور عدنان القاضي لموقع تعز تايم: "تتعرّض الصحفيات اليمنيات للتنمّر بسبب تعارض نشاطها الصحفي وكتاباتها ومنشوراتها مع توجهات المتنمِّر السياسية والطرف الذي يتبعه وموقفه المسبق والمعادي لحرية المرأة وحقها في العمل"، ويلفت إلى أن كثيرا من الشباب يشنّون حملات تنمر وتشويه ضد الصحفيات لتناقض ما يقمن به مع الجانب الفكري والعقائدي لهم.
 
ويمارس البعض التنمر، خصوصاً مَن هم في سن المراهقة، بدافع حب الظهور والشهرة في منصات التواصل الاجتماعي، ويسعون إلى إثارة الجدل ولفت انتباه الآخرين والحصول على كثير من التفاعلات والتعليقات، وهذه الممارسات تجذب كثيرين ممن هم في مستواه العمري، وتدفعهم نحو كتابة كثير من التعليقات السلبية ضد الصحفيات للغرض نفسه.
 
ويحاول المتنمر أحياناً التقليل مِن شأن الصحفية وإثبات ذاته بنشر الإشاعات والأكاذيب حولها وتهديدها والسخرية منها، بحسب القاضي.
 
وأشار إلى أنه قد يكون للمتنمر أسباب خاصة به، بينها شعوره بالنقص أو معاناته من اضطراب نفسي أو قد يكون سيكوباتيا، ولذلك يقوم بإيذاء الآخرين وتشويه سمعتهم وابتزازهم، كما قد يكون التنمر ناجما عن التنشئة الاجتماعية والتربية الخاطئة للمتنمّر وعدم تحلّيه بالاحترام وقيم التعامل مع الآخرين.
 
وللتحقق بأكثر مما سبق، تواصل معدّ التحقيق مع أحد المتنمرين من الوسط الصحفي، وأبدى بدوره استعداده للحديث لموقع تعز تايم، ولكنه أجّل الرد على الأسئلة، ثم تجاهلها كلياً، وذلك بخلاف الطالب الجامعي عاصم قاسم (19 عاماً)، فقد أشار إلى أنه يمارس التنمر الرقمي من باب التسلية والمشاكسة فقط، في حين لفت آخرون إلى أنهم يقومون بذلك انطلاقا من واجبهم الديني والأخلاقي الذي يحتّم عليهم النهي عن المنكر ورفض تصرفات الصحفيات الخاطئة ومكافحة الأفكار الدخيلة وحماية المجتمع منها.
 
مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي منظمة محلية مستقلة، وقد أفرد مساحة لمناقشة الانتهاكات الرقمية التي تتعرض لها الصحفيات، وأشار في إحدى ندواته إلى تفاقم هذه الظاهرة وتزايد حالات العنف والمضايقات الإلكترونية التي قد تؤثّر على عملهن وإنتاجهن، وتُلحق بهن الضرر المهني والأذى النفسي والعنف الجسدي أحيانًا.
 
وجعلَ التنمّر الرقمي من ممارسة النشاط الصحفي نشاطا غير آمن وفرض كثيرا من القيود الأسرية على الصحفيات واللاتي تخشى أسرهن من تعرضهن للانتقام والتشهير في وسائل التواصل الاجتماعي والتعرض للاختطاف والسجن والاعتداءات، كما حدّ من تنقلاتهن لمزاولة عملهن وعرّضهن للأذى النفسي، وفاقم مخاوفهن من التنمّر، ودفع بعضهن إلى تقليل أوقات وجودهن على تلك المنصات.
 
أضرار قريبة وبعيدة المدى
 
في حين اكتفت الإعلامية في قناة يمن شباب شيماء أمين والصحفية لمياء الشرعبي بتجاهل التنمّر وعدم الرد عليه والتعامل بحذر على تلك المنصات ورفض طلبات الصداقة الواردة من حسابات وهمية وأشخاص مجهولين، قامت الصحفية سكينة محمد بضبط خصوصية حسابها، فأوقفت التواصل مع الغرباء وتشغيل أي رابط يرد إليها من جهة غير موثوقة.
 
وفيما تذكر صحفيات لموقع "تعز تايم" أن التنمر الرقمي موجِع ومستفز ومؤذٍ للنفس، يقول أستاذ الإرشاد النفسي في جامعة تعز الدكتور عدنان القاضي: "للتنمّر أضرار كثيرة على الصحفيات، بينها قلق ما بعد الصدمة النفسية والشرود الذهني والعصبية المفرطة وتعكر المزاج والتفكير السلبي بالنفس والآخرين والتوتر والحيرة والخوف وعدم القدرة على التصرف واتخاذ القرار والشك في الآخرين ومقدرتهم على المساعدة".
 
وتُصاب بعض الصحفيات باضطرابات متنوعة ناجمة عن الآثار النفسية للتنمر كالصداع واضطراب المعدة والأرق وقلّة الشهية والتشنجات والشعور بالاكتئاب والتعرض للأحلام المزعجة والكوابيس، كما يفاقم من شعورهن بالدونية، ويزعزع ثقتهن بأنفسهن، ويجعلهن كثيرات الوسواس والإحساس بأنّهن مراقبات من الآخرين، ويزيد من انفعالاتهن أثناء التعامل مع أسرهن في المنزل وزملائهن في العمل، ويؤثر على مستقبلهن وعملهن وعلاقتهن الأسرية.
 
ويضيف القاضي أمرا آخر، وهو دخول الصحفيات في خلافات مع أسرهن وأزواجهن، وأنهن يتعرضن للضغوط والتخويف والإساءة، ويُجبرن على ترك العمل، وهو ما يزيد من حجم الآثار النفسية عليهن، ويؤثر على الوضع المادّي والنفسي للأسرة نفسها، وذلك بفعل التنمر الذي يخلف أيضاً آثارا اجتماعية بعيدة المدى مثل تشويه الصورة الحقيقية للصحفية وخلق صورة سيئة للعمل الإعلامي لدى الأسر التي تمنع فتياتها من دراسة الإعلام.
 
وقد يؤثر التنمر على نشاط الصحفيات، ويجعلهن يُحجمن عن نقل الأخبار الحقيقية والتطرق للقضايا السياسية، كما يقيّد حريتهن ويمنعهن من الخروج من المنزل جراء التهديدات التي تتلقاها الصحفية والمخاوف التي تنتابها ونقد المجتمع، ويقلّل من النطاق الجغرافي الذي تتحرّك فيه، ويجعلها كثيرة المخاوف والتوجس واليقظة العقلية، ويدفعها نحو تجنب كثير من المواقف الاجتماعية والميل إلى العزلة والتزام المنزل، كما يجعلها تكره نفسها والعمل.
 
تحركات متواضعة وحلول مقترحة
 
تواجه الصحفيات اليمنيات التنمر الرقمي بمفردهن، في حين تتواضع تحركات نقابة الصحفيين اليمنيين، وقد تواصل معدّ التحقيق مع قيادات لها في صنعاء وخارج البلاد، ولكنه لم يتلقَ أية ردود حول التساؤلات التي طرحها، وهو ما دفعه لمراسلة منظمة سام للحقوق والحريات التي تتخذ من جنيف مقرا لها، ولمراسلة مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الذي كشف مديره التنفيذي محمد إسماعيل أن المركز في صدد إعداد دراسة في الموضوع.
 
بالإضافة إلى ما سبق، تخشى الصحفيات مواجهة التنمر والمتنمرين، ويعتقدن أن هذه المهمة ليست شخصية بل مجتمعية، وتتطلب توجّها رسميا من السلطات في البلاد وتفعيلا لدورها وإيجاد قانون خاص لحماية الصحفيات من الجرائم الرقمية، إلى جانب التوعية وتوفير إمكانيات متطورة لكشف هويات المتنمرين وأماكنهم والعمل على ضبطهم.
 
وتطالب صحفيات وناشطو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والسلطات في البلاد ونقابة الصحفيين اليمنيين والمنظمات المحلية والدولية بالعمل على تشكيل آلية محددة للمساءلة الجنائية وتوثيق الانتهاكات الرقمية وجمع الأدلة تمهيداً لمحاسبة المنتهكين وتفعيل وسائل الحماية الرقمية وتوفير الدعم النفسي للضحايا.
 
(أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

Additional Info

  • المصدر: هشام سرحان - تعز تايم
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro