ويأتي مؤتمر التحول الديمقراطي الذي يُعقد يومي 7 و8 أكتوبر/تشرين الأول، تحت عنوان "التحول الديمقراطي في العالم العربي. خارطة طريق"، وذلك لمناقشة واقع ومستقبل الديمقراطية في البلاد العربية، وللقيام بعصف ذهني جماعي من أجل بلورة خارطة طريق للنضال الديمقراطي في الدول العربية في العقود المقبلة، تتضمن تحديد خصائص الديمقراطية المطلوبة وشروط نجاحها.

ينظم المؤتمر مؤسسة "المجلس العربي"، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست تحت القانون السويسري في 28 فبراير/شباط 2022، والذي يرأسه الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، ويساعده كل من أيمن نور، المعارض المصري ورئيس حزب غد الثورة زعيم المعارضة الديمقراطية المصرية، والناشطة اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لسنة 2011.

كما يشارك في المؤتمر رئيس الوزراء المغربي السابق سعد الدين العثماني، والمفكر المغربي حسن أوريد والإعلامي التونسي محمد كريشان، بالإضافة إلى مجموعة من السياسيين والنشطاء الغربيين، مثل المختص في الإسلام السياسي الفرنسي فرانسوا بورغا، وعضو حزب الخضر النرويجي بيارت بيورسفيك، والناشطة الحقوقية الأمريكية والرئيسة السابقة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة هيومن رايتس ووتش سارة واتسون.

أهداف مؤتمر التحول الديمقراطي

يمثل المؤتمر فرصة للتفكير في طرق تشبيك العمل الديمقراطي العربي لتغيير واقع الديمقراطية بالمنطقة. ويأمل القائمون عليه أن يكون فرصة لبناء "نواة شبكة ديمقراطية عربية" تعمل على مواصلة النضال لتنعم شعوب المنطقة العربية بحق العيش بحرية، في كنف دولة قانون ومؤسسات وحكم رشيد.

ويرى القائمون على المؤتمر أن الديمقراطية هي الخيار الوحيد للخروج من المآسي التي تعيشها الشعوب العربية، خاصة بعد أن عاشت عدة عقود من الاستبداد والتبعية والتخلف.

وسيكون المؤتمر فرصة لتقديم إسهام الديمقراطيين العرب في النقاش العالمي حول أزمة الديمقراطية في معاقلها بالغرب، وكيف يمكن تجديد مفهوم الديمقراطية وتطوير أشكال ممارستها في مواجهة الأمراض والعراقيل التي أصابتها في الصميم، وكيف يمكن بناء تحالف دولي واسع بين المدافعين عن الديمقراطية من مختلف الأجناس، وذلك بحضور ثلة من الباحثين الدوليين المعروفين المتخصصين في الديمقراطية.

سراييفو.. لعدم وجود مدينة عربية

أشار الرئيس التونسي الأسبق في كلمة المؤتمر الافتتاحية إلى شكره مدينة سراييفو، العاصمة البوسنية اﻟﻤﻌﺮوﻓـﺔ ﺑﺘﺎرﯾﺨﮭﺎ اﻟـﻨﻀﺎﻟـﻲ اﻟـﻄﻮﯾـﻞ على استقبال أحداث المؤتمر في وقت لم يتمكن المنظمون من إيجاد أي مدينة عربية يمكنها أن تستقبل هذا الحدث.

وقال: "ﻟـﻤﺎذا ﻧﻌﻘﺪ ﻣـﺆﺗﻤﺮاً ﻋـﻦ اﻟـﺪﯾـﻤﻘﺮاطـﯿﺔ أﺳـﺎﺳـﺎً ﻓـﻲ اﻟـﻮطـﻦ اﻟـﻌﺮﺑـﻲ ﺧـﺎرج ﺑـﻠﺪاﻧـﻨﺎ. السبب ﺑﺴﯿﻂ ھﻮ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﺑﻠﺪاً ﻋﺮﺑﯿﺎً واﺣﺪاً ﻧﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﻧﺠﺘﻤﻊ ﻓﯿﮫ ﺑﺄﻣﺎن وﺑﻘﺒﻮل وﺗﻔﺎھﻢ ﻣﻊ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ".

وأوضح أن ھـﺬا اﻟـﻤﻨﻊ يمثل ﻣﺠـﺮد ظـﺎھـﺮة ﻣـﻦ ﺑـﯿﻦ اﻟـﻈﻮاھـﺮ اﻟـﻤﺘﻌﺪدة واﻟـﻤﺘﻔﺎوﺗـﺔ اﻟﺨـﻄﻮرة ﻋـﻠﻰ اﻟـﻮﺿـﻊ اﻟـﻤﺄﺳـﺎوي ﻟـﻠﺪﯾـﻤﻘﺮاطـﯿﺔ واﻟـﻤﺘﻤﺜﻞ أﺳـﺎﺳـﺎً ﻓـﻲ اﻟـﻌﺪد اﻟـﮭﺎﺋـﻞ ﻟـﻤﺴﺎﺟـﯿﻦ اﻟـﺮأي ﻓـﻲ اﻟـﺴﺠﻮن اﻟـﻌﺮﺑـﯿﺔ ﺧـﺎﺻـﺔ ﻓـﻲ ﻣـﺼﺮ وﺗـﻮﻧـﺲ، واصفاً إياهم بـ"أسرى الحرب".

كما أكد ﻋـﻠﻰ أن هذا التجمع لا يأتي ﻟلبكاء على ﺣـﺎل اﻟﻤﺸـﺮوع اﻟـﺪﯾـﻤﻘﺮاطـﻲ ﻓـﻲ الوطن العربي أو لتبادل اﻟـﻠﻮم واﻟـﺘﮭﻢ ﺑـﺨﺼﻮص ﻓﺸـﻞ اﻟـﺪﯾـﻤﻘﺮاطـﯿﯿﻦ ﻓـﻲ اﺳـﺘﻐﻼل اﻟـﻔﺮﺻـﺔ اﻟـﺬھـﺒﯿﺔ اﻟـﺘﻲ ﺷـﻜﻠﺘﮭﺎ ﺛـﻮرات اﻟـﺮﺑـﯿﻊ اﻟـﻌﺮﺑـﻲ ﻟـﺒﻨﺎء أﻧـﻈﻤﺔ دﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﺻﻠﺒﺔ وﻣﺴﺘﺪﯾﻤﺔ، بل هذا التجمع يأتي بصفتهم مناضلين ﻣـﻦ أﺟـﻞ اﻟـﺪﯾـﻤﻘﺮاطـﯿﺔ، ﺳـﻮاء ﻛـﺎن نضالاً ﻋـﻠﻰ اﻟـﺼﻌﯿﺪ اﻟـﻔﻜﺮي أو اﻟـﺼﻌﯿﺪ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ، "ﻋﻠﻤﺎً أﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﯿﺪاﻧﯿﻦ"، على حد قوله.

من مصر إلى اليمن

أما المعارض المصري أيمن نور، فقد بدأ كلمته بتحية لمن سمّاهم "شهداء معارك الحرية والتحرير" في مصر وفلسطين وسوريا وبقية البلدان العربية، مشيراً إلى أن هذا التجمع العربي يأتي في رحاب ذكرى مرور نصف قرن على الانتصار العربي الأكبر على قوى الاحتلال الإسرائيلي، في إشارة لحرب أكتوبر 1973.

وأشار نور إلى الانتخابات المصرية القادمة في مصر، معتبراً أنه الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الخامس في تاريخ البلاد، بعد نضال طويل تحقق في عام 2005 بطلب الشعب في أول انتخابات رئاسية تعددية.

وانتقد تصرفات الحكومة المصرية التي تحجّم من الترشح للانتخابات، مثل إصدار قوائم إرهاب في أبريل/نيسان 2023، وُضع على رأسها مرشحون محتملون؛ للحيلولة دون حقهم في الترشح. وتواصلت القيود المفروضة على حق الترشح باشتراطات مستحيلة مثل تزكية 20 نائباً من برلمان مصنوع كله أمنياً، أو إصدار توكيلات من 25 ألف مواطن من 15 محافظة، ولا يقل العدد في كل محافظة عن ألف توكيل، على حد تعبيره.

واختتم حديثه بالقول "أعلن اليوم أنه إذا سارت الأمور حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بذات المنوال، فنحن ندور في دائرة استنساخ مهزلة 2018/2014 وقبلها 2005، ولن يكون لدينا وقتها غير إعلان مقاطعة هذا المسار، وعدم الاعتراف بما ينتهي إليه كلياً"، على حد قوله.

استشراف المستقبل

من جهتها أكدت الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، أن استشراف آفاق التحول الديمقراطي في الوطن العربي بمثابة تذكير للعالم بقضية ثورات الربيع العربي.

وأوضحت أن المقصيين والمستبعدين عن السياسة والحياة خرجوا في فعل جماهيري لوضع حد للاستبداد وفساد متطاول تحول إلى رؤساء مؤبدين وجمهوريات وراثية عائلية وطائفية.

وقالت كرمان في كلمة لها -خلال أعمال مؤتمر المجلس العربي في البوسنة والهرسك- إن "الربيع العربي قال كلمته بأن هذه المنطقة تمر برغبة جامحة للحاق بالعصر."

واعتبرت أن "من حاربوا تطلعات شعوبنا للديمقراطية ودولة القانون، كانت النتيجة حروبا أهلية وانقلاباتٍ وجماعاتٍ ومليشياتٍ مسلحةً وإرهاباً، وكلها أوجه متنوعة لانتقام الثورات المضادة".

وأوضحت أن "الاستبداد والجماعات المليشياوية الطائفية مرضٌ، ولا يقدم إجاباتٍ وحلولاً لمشكلات مجتمعاتنا وأولوياتِها وطموحاتِها".

وتابعت تقول: "هذا الوضع السوداوي الذي نعانيه اليوم هو نتاج الثورات المضادة التي تحكم الآن دول الربيع، وليس نتاج ثوراتنا التي تآمر عليها العالم كله".

وأكدت أن "المؤامرات والانكسارات والتحديات تقوي العزائم، وتزيد من الإيمان بالتمسك بأحلامنا، ومواصلة نضالنا من أجل تحقيق نُظم ديمقراطية تتيح المشاركة والرقابة، وتنحازُ للمساواة بين المواطنين".

وعبَّرت عن أسفها لأن أوضاعَنا في الوطن العربي تتزامنُ عالمياً مع تراجع الديمقراطية، وتوسع الحروب والعنصرية والصراع الجيوسياسي بين الدول الكبرى.

واعتبرت أن "خذلانَ الغربِ الديمقراطي للربيع العربي كان بدايةً لهذه التوجهات العالمية التي تتراجعُ فيها الديمقراطيةُ وحقوقُ الانسان".

وأضافت: "أي توجهات تدعم التحولات الديمقراطية كان يفترض أن تكون معنا في الربيع العربي، لا أن تكون أسيرةً للمخاوف".

وحول المصالحة بين إيران والسعودية، عبَّرت كرمان أن "توجهاتِهما معروفة بأنها معادية للديمقراطية وحرية المجتمعات العربية في تقرير مصيرها واختيار طريقها نحو المستقبل".

وقالت: "لا نتوقع أن يكون لهذا التقاربِ أهدافٌ مختلفة عن توجهاتٍ دعمت كلَّ توجهٍ معادٍ للربيع العربي والديمقراطية وحقوق الإنسان في بلداننا".

وأكدت أن "عجلة التغيير في بلداننا دارت ولن تقف قبل أن تطوي عالماً كاملاً من الطغيان والقمع والسجون".

واعتبرت أن "المخاض الدامي يكشف حجم التراكم تحت سطح الاستقرار الخادع الذي قدم دائماً في الماضي كمبرر لمقايضته بالحرية والديمقراطية من قبل النظام العالمي".

وأضافت: "الربيع العربي لايقبل مقايضة الحرية بالاستبداد ، ولا خيار له سوى الحرية والديمقراطية والاستقرار معا".

وأكدت  أن "الربيع العربي عمليةَ تحول تاريخية لا تنقضي بين يوم وليلة، وإنها عمليةٌ طويلة من إعادةِ تشكيل الوعي بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة والديمقراطية".

وأوضحت أيضا أن "مواجهة الثورات المضادة ليست سوى جولةٍ في مسار الثورة الشعبية ومراحلها التي انطلقت وستستمر بعفوية وتلقائية".

من التشخيص إلى العلاج

ويشهد المؤتمر عدة جلسات وورش عمل تهدف أولاً إلى تقييم واقع الديمقراطية في العالم العربي وتحديد أسباب فشل الديمقراطية العربية، والعوامل الظرفية والهيكلية، والمؤثرات الداخلية والخارجية التي ساهمت في عرقلة التحول الديمقراطي أو في اختراقه وتحويل وجهته؟

بعد ذلك يحاول المؤتمر استشراف مستقبل الديمقراطية في العالم العربي عبر تحديد المحددات والمسارات التي يمكن أن تشكل دينامية داخلية أو خارجية في سبيل استئناف التحول الديمقراطي المتعطل في العالم العربي.

وبالطبع لن تكتمل الصورة إلا بعد توضيح أزمـة الديمقراطيـة العربية في ظل هيمنة لوبيات المــال علــى الإعلام وتأثيرهــا علــى الانتخابــات.

وفي النهاية، وبعد إتمام عملية التشخيص، سيقوم المؤتمر بمحاولة إيجاد توصيات أو روشتة عملية يتم البدء في تطبيقها بهدف استكمال الكفاح وإعادة الديمقراطية للعالم العربي. أحد أبرز هذه التوصيات يتمثل في إنشاء شبكة تضم الناشطين الديمقراطيين العرب والقوى السياسية والاجتماعية والمدنية المدافعة عن الديمقراطية، والذي يوفر فرصة لتبادل الخبرات والنضال المشترك من أجل الأهداف المشتركة.