إذ حرمت المرأة من المشاركة السياسية والوصول إلى مراكز صنع القرار طوال 30 سنة ابتداءً من حكومة العطاس عام 90، إبان تحقيق الوحدة اليمنية، بين شطري البلاد، وحتى حكومة معين عبدالملك الأخيرة التي سميت بحكومة الكفاءات السياسية وشُكلت أثناء حكم الرئيس اليمني السابق عبده ربه منصور هادي، وخلت تمامًا من أي تثميل نسوي.
إقصاءٌ وسلطة ذكورية
على الرغم من تمثيل المرأة بنسبة 30% في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد عام 2014، قبل اندلاع الحرب بفتر قصيرة تمامًا، عوضًا عن مخرجات ذلك الحوار، فقد نصت الوثيقة الوطنية منها بشأن حقوق المرأة على الصعيد السياسي، بأن الدولة ملزمة تمامًا بتمثيل المرأة بما يمكنها من المشاركة الفاعلة في مختلف الهيئات وسلطات الدولة والمجالس المنتخبة والمعينة بما لا يقل تحديدًا عن نسبة 30%.
لكن على خلاف تلك المخرجات بنحوٍ مختلف، لم تعمل السلطات على تطبيقها بتلك النسبة والشكل، ولم تقترب النساء من الوزارات السيادية على الإطلاق، ففي حكومة بحاح مطلع 2015، مُنح للنساء تمثيل سياسي بواقع 3% فقط، بتعيين نسوي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وفي حكومة بن دغر التي تلتها بعامٍ تمامًا، مُنح التمثيل بنسبة 6% بالبقاء على الشكل السابق بتلك الوزارة، إلى جانب تعيين نسوي جديد لوزارة الشؤون القانونية.
استمر الحال على هذا النحو حتى حكومة معين عبده الملك الأولى عام 2018، ببقاء تلك الوزارتين ممثلة بالنساء، حتى حكومة الكفاءات عام 2020م، -والتي لا تزال حتى الآن- خلت فيها مشاركة المرأة تمامًا من أي منصب وزاري وسياسي في هذه الحكومة التي يرأسها معين عبدالملك أيضًا، لكن بتشكيلة جديدة اتسمت بالمناصفة وتقاسم الحقائب الوزارية بين كل الأحزاب، الأمر الذي تسبب في غضب واسع لدى الكثير من النساء اليمنيات وحرك المياه الراكدة.
رفضٌ واِستياء
قوبلت حكومة الكفاءات، برئاسة معين عبدالملك، برفض واستياء من قبل النساء في اليمن، بسبب سيطرة الرجال عليها بنسبة 100%، وتغييب المرأة عنها بشكل كلي، حيث تظاهرت العشرات من النساء في مختلف المحافظات اليمنية، خصوصًا تعز، للتنديد بإقصاء المرأة وحرمانها من المشاركة السياسية المكفولة دستوريًا.
الموقف الغاضب للنساء إزاء ذلك، دفعهن للتظاهر والاحتجاج في الشوارع على الرغم من تفشي جائحة كورونا "كوفيد-19" آنذاك، ليكون لهنّ موقفًا وحضورًا في الشارع إن لم يكُن على كراسي السلطة، ويُسمعنّ الحكام رنين أصواتهنّ، لتذكريهم بأن المرأة اليمنية بمختلف الأصعدة كانت إلى جانب الرجل وإلى جانب السلطة والدولة في ظل الحرب المستمرة، وحققت أدوارًا كبيرة، مازالت حاضرة في المجتمع.
بعد أن تبنّت النساء موقفًا مغايرًا وقويًا، بصدور أيضًا بيان تنديد واستنكار عن الحركة النسوية أكدت فيه أن تشكيل حكومة معين الجديدة فيه تمييز مجحف ضد حقوق النساء في المشاركة السياسية، وجرى فيه تغييب حضور المرأة تمامًا للمرة الأولى منذ سنوات، وقتما كان مشاركتها بنسبة ضئيلة جدًا لا ترقى إلى مناصب صنع القرار والمقاعدة السيادية.
رئيس الحكومة قام بالرد على ذلك الاستياء الواسع، مبررًا أن الأحزاب السياسية اليمنية لم ترشح أي امرأة لتمثيلها في الحكومة.
ووفقًا لتقرير مدعم بالبيانات نشرته منصتي 30، فقد كان إقصاء المرأة من المشاركة السياسية مستمرًا على مرور الحكومات اليمنية وتعاقبها قبل 30 سنة، ومن خلال 14 حكومة سابقة تم رصدها، فقد بلغ عدد الحقائب الوزارية 444 حقيبة وزارية كان نصيب الأسد فيها للرجال بنسبة 95.9% فيما كان عدد الحقائب التي منحت للنساء، فقط 18 حقيبة وزارية وبنسبة 4.1%، وبحسب التقرير فهي نسبة تُظهر بشكل جلي التهميش المستمر للمرأة في الحكومات اليمنية.
مسؤولية مشتركة
على نحوٍ مختلف، ترى المحامية والناشطة الحقوقية، عفراء الحريري، أن مسؤولية إقصاء المرأة وتهميشها من المشاركة السياسية ومراكز صنع القرار، تتحملها المرأة نفسها، باعتبار أنها لم تعمل على ترتيب أولوياتها وكذلك العمل على تكثيف جهودها لتحقيق ظهورها بشكل أو بآخر في اللقاءات السياسية، مؤكدةً أن المسؤولية الكبيرة تقع بدرجة أساسية أيضًا على السلطة السياسية والأحزاب والمكونات السياسية، والمجتمع أيضًا.
وتعتقد الحريري أن هناك أسباب كثيرة ساهمت في إقصاء المرأة من المشاركة السياسية، أبرزها عدم اقتناع المجتمع اليمني وإمانه المطلق بقدارت المرأة اليمنية ودروها المحوري في الحياة العامة والسياسية خصوصًا، إضافةً إلى الأعراف والتقاليد التي مازات تقيد حرية المرأة وتضعها في مساحات ضيقة، إلى جانب أيضًا الخطاب الديني المتطرف وتأويل القرآن والشريعة الإسلامية بما يتماهى مع مصلحة الرجل تمامًا، وكذلك السبب الأخير والمؤثر، "عداوة النساء لبعضهنّ البعض".
وتوضح الحريري في حديثها، أن الحق القانوني لمشاركة المرأة سياسيًا وسلطويًا، موجودًا من السابق وفق ما جاءت به المواثيق الدولية ثم مخرجات الحوار الوطني، وإن كانت لم تحدد بشكل واضح إلا أنها موجودة بحسب الدستور اليمني وقانون الانتخابات وبرامج وأنظمة الأحزاب اليمنية والمكونات السياسية، مشيرةً إلى أن حقوق النساء السياسية في مفهوم السلطة السياسية بكافة أطيافها، ليس لها تواجد فعلي أو حقيقي إلا في الخطاب السياسي للسلطة فقط وهذا مؤشر سيئ بأن تكون الأقوال غير الأفعال وبعيدة منها ولاتمت لها بصلة.
بارقة أمل
أضحى تشكيل المجلس الرئاسي في البلاد مطلع إبريل 2022، الذي يرأسه الدكتور رشاد العليمي، ويضم سبعة أعضاء من مختلف المكونات السياسية التي تمتلك نفوذ وقوة عسكرية على الأرض في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، أضحى بمثابة بارقة أمل للمرأة اليمنية وإمكانية مشاركتها السياسية بعد قرارات المجلس الأخيرة.
إذ في مطلع أغسطس 2022، أصدر رئيس المجلس قرارات بتعيين اعضاء مجلس القضاء الأعلى، كان من بينهما تعيين القاضي "صباح أحمد صالح العلواني" كعضو في مجلس القضاء الأعلى، وبهذا القرار تصل المرأة اليمنية لأول مرة في أعلى هرم السلطة، بتمثيلها في أعلى سلطة تشريعية في الدولة، وتعيينها بمنصب سيادي.
وفي البيان المتلفز لرئيس المجلس، العليمي، هنأ فيه نساء اليمن بتواجد أول امرأة منذ عقود في أعلى هرم السلطة، وجاء في خطابه، " أهنئ نساء اليمن بتواجد أول امرأة منذ عقود في أعلى هرم السلطة القضائية التي نعول عليها كثيرًا ليس فقط في تسوية المنازعات، وتحقيق العدالة والانصاف والرضى المنشود لدى عامة الشعب، بل ولحماية نظامنا الدستوري برمته،".
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا "