تبرز ثلاثة أسباب لهذه التحركات: بناء جبهة أوسع وأكثر تلاحماً للتعامل مع السيناريوهات المحتملة في المستقبل، سواء تجدّد المعارك القتالية على نطاق واسع أو تحقيق انفراجة دبلوماسية في عملية السلام المتعثرة؛ العمل كَثقل موازن لكبح نفوذ قوات درع الوطن المدعومة من السعودية؛ والتعامل مع التوترات السياسية والعسكرية المستمرة في حضرموت، حيث يحاول المجلس الانتقالي الجنوبي بسط وتعزيز نفوذه.
إجمالاً، اتسمت عملية إعادة تنظيم هذه القوات المسلحة بصبغة تكتيكية لا استراتيجية، في ظل استمرار التنافس القائم على الهويات والأجندات المتصارعة بين اللاعبين المعنيين. لكن من الواضح بعد مرور أكثر من عامين على إبرام هدنة أبريل/نيسان 2022 وجود تحركات لإعادة ترسيم خريطة القوات المناهضة للحوثيين تدريجيا.
دوافع المجلس الانتقالي الجنوبي
في 16 سبتمبر/أيلول المنصرم، التقى عضوا مجلس القيادة الرئاسي اليمني (المدعومين من الإمارات) – رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي وقائد قوات المقاومة الوطنية طارق صالح، غالباً في أبو ظبي. ووفقا للبيان الصادر عن المجلس الانتقالي، بحث الرجلان سبل التعاون والتنسيق المشترك “بما يعزز الجهود المبذولة لمواجهة ميليشيات الحوثي، وجماعات الإرهاب والتطرف بمختلف أشكالها” ، وأكدا على ضرورة تشكيل “لجنة تواصل وتنسيق لمتابعة مستجدات” هذا التنسيق.
قبل شهر من هذا اللقاء، وتحديداً في أغسطس/آب، كلف الزبيدي عبد الرحمن المحرمي (المُلقب بـ أبو زرعة وهو عضو أيضاً في مجلس القيادة الرئاسي وقائد ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً) بإدارة ملف الأمن ومكافحة الإرهاب في المناطق الخاضعة لنفوذ المجلس الانتقالي، على أن يشمل ذلك الإشراف الكامل على عمل القوات الأمنية في المحافظات الجنوبية وإعادة هيكلتها وتنظيمها – وفقا لبيان صادر عن الانتقالي. كان المحرمي قد عُين في 2023 نائبا لرئيس المجلس الانتقالي، في إطار إعادة تشكيل هيئة رئاسة المجلس والذي شهد أيضا تعيين هيثم قاسم طاهر عضوا. طاهر هو وزير الدفاع الأسبق والمنحدر من محافظة لحج، وحالياً هو قائد عام القوات المشتركة في الساحل الغربي المنضوية تحت جناح طارق صالح، وهو عضو في اللجنة العسكرية والأمنية لمجلس القيادة الرئاسي.
لماذا الآن؟
هناك ثلاثة أسباب متداخلة لإعادة التنظيم التكتيكي للقوات المدعومة من الإمارات في اليمن: أولا، تعزيز جاهزية هذه القوات في حالة انهيار الهدنة -غير الرسمية- القائمة. كَغيرها من الأطراف الفاعلة اليمنية الأخرى، تم تهميش وإقصاء الأطراف المدعومة إماراتياً من المحادثات السعودية -الحوثية، وبالتالي ترى هذه الأطراف (المتمركزة قواتها في جنوبي وغربي البلاد) إمكانية تجدّد المعارك القتالية على نطاق واسع نظراً لعدم رضاهم عن أي تسوية مستقبلية قد يتم التفاوض عليها بين الرياض وسلطة صنعاء.
لا تزال العديد من الجبهات نشطة في اليمن، حيث تقع اشتباكات منتظمة بين قوات الحوثيين والقوات المناهضة لها في عدة محافظات، بما في ذلك مأرب والضالع ولحج والحديدة. باستثناء مأرب، تدير القوات المدعومة إماراتياً المواجهات على الجبهات في تلك المحافظات، وفي هذا السياق، أشار المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في سبتمبر/أيلول، أن “هذا الوضع الحالي يوضح بجلاء أن خطر العودة إلى حرب شاملة لا يزال قائماً”.
في ظل استمرار هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وكذلك على إسرائيل، أصبح اليمن في مرمى الرد العسكري من قبل أطراف دولية، مما يضيف مزيدا من التعقيد على المشهد غير المستقر فعلياً. ولعلّ تعليقات الزبيدي مؤخراً حول حاجة أصحاب المصلحة في المنطقة والعالم (أي المحليين و الإقليميين والدوليين) لاستراتيجية جديدة لاحتواء جماعة الحوثيين، حاولت إظهار المنطق وراء إعادة تنظيم صفوف القوات المدعومة إماراتياً.
منذ اندلاع أزمة البحر الأحمر، دعت القوات المناهضة للحوثيين الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة إلى توفير دعم عسكري مباشر لها في مواجهة الحوثيين على الأرض، آمله أن تَتموضع كَحليف موثوق للجانب الأمريكي. بالنسبة لواشنطن، قد يمتلك معسكر القوات الجنوبية الأقل انقساما مقومات شريك أكثر موثوقية في أي تعاون عسكري محتمل.
ثانياً، تهدف خطوة إعادة تنظيم صفوف تلك القوات أيضا إلى العمل كَثقل موازن لكبح نفوذ قوات درع الوطن الممولة والمدعومة من السعودية. تشكلت قوات درع الوطن – التي أطلق عليها في الأصل اسم ألوية اليمن السعيد – أوائل العام 2023، كقوة احتياطية تخضع لإمرة رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي. كانت تتمركز في البداية على مشارف عدن في محافظتي لحج وأبين، لكن أعيد تنظيمها لاحقا إلى عدة ألوية وتم نشرها على الجبهات في تلك المحافظتين، وكذلك في وادي حضرموت بالقرب من الحدود السعودية.
تتألف قوات درع الوطن بشكل رئيسي من عناصر من قبائل صبيحة في لحج ذوي توجه سلفي، وبالتالي، يمكن النظر إلى مهمة المحرمي – المتمثلة في إعادة تنظيم القوات العسكرية في المناطق الجنوبية – على أنها محاولة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي لاحتواء عمليات تجنيد عناصر في صفوف قوات درع الوطن وردع توسعها محلياً. وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه تم تجنيد أوائل المقاتلين في ألوية العمالقة من لحج وأبين والضالع ومعظمهم من السلفيين، بل وينحدر قائد ألوية العمالقة نفسه (المحرمي وهو سلفي أيضاً) في الأصل من مديرية يافع بمحافظة لحج، مركز تجنيد غالبية مقاتلي قوات درع الوطن.
فضلا عن ذلك، ينحدر نائب قائد ألوية العمالقة حمدي شكري (وهو قيادي سلفي من لحج) من نفس قبيلة قائد قوات درع الوطن، وكانت السعودية قد عملت في السنوات الأخيرة على تمويل جماعات مسلحة في المناطق التي انسحبت منها ألوية العمالقة، مثل مأرب.
ثالثا، تلعب التوترات السياسية والعسكرية في حضرموت بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات درع الوطن من جهة، وكذلك بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية للإصلاح (التي تعد جزءاً من قوات الجيش الوطني في المنطقة العسكرية الأولى) من جهة أخرى، دوراً في التحركات لإعادة تنظيم القوات المدعومة إماراتياً. من هذا المنطلق، قد يساعد تكليف المحرمي بمهمته الجديدة في بناء تحالف قوي بهدف احتواء نفوذ قوات درع الوطن والقوات الموالية للإصلاح.
منذ عام 2023، عزّزت قوات درع الوطن بشكل كبير تواجدها العسكري في حضرموت، حيث قامت بتجنيد عناصر من السكان المحليين لتشكيل لواء هناك. في منتصف عام 2023، وصل قائد قوات درع الوطن إلى حضرموت قادماً من عدن برفقة مجموعة من الجنود تم نشرهم في منفذ الوديعة الحدودي الهامّ – والوحيد المفتوح مع السعودية – ليحلّوا محل اللواء 141 مشاة (الذي يعد جزءا من قوات المنطقة العسكرية الأولى). معظم عناصر اللواء 141 مشاة هم ضباط شماليون موالون لحزب الإصلاح ويتمركزون في سيئون بوادي حضرموت، وهو ما أثار استياء المجلس الانتقالي الجنوبي الذي هدد في مناسبات عدة بنشر قوات المنطقة العسكرية الثانية المتمركزة في المكلا (والتي تشكل قوات النخبة الحضرمية المدعومة إماراتياً جزءاً رسمياً منها) في سيئون.
تمثل حضرموت مركز تنافس بين القوى اليمنية “الوطنية” و”الانفصالية” – أي المدعومة من السعودية والإمارات على التوالي. منتصف عام 2023، أُعلن من الرياض عن تأسيس مجلس حضرموت الوطني المدعوم من السعودية كَكيان سياسي يدعم الحكم الذاتي للحضارم في إطار الدولة الوطنية، وكَمشروع منافس للمجلس الانتقالي الجنوبي وطموحاته الانفصالية. أعقب ذلك أول زيارة رسمية في يوليو/تموز لرئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المكلا (عاصمة محافظة حضرموت)، والتي دشن خلالها مشاريع تنموية ممولة من السعودية في المحافظة.
تزامناً مع ذلك، عزّز الزبيدي تواجد المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت من خلال تعيين المحافظين السابقين فرج البحسني (أيضا عضو في مجلس القيادة الرئاسي) وأحمد بن بريك نائبين له العام الماضي. وكان من اللافت مؤخراً اعتراض حلف قبائل حضرموت على الزيارة الثانية لرشاد العليمي إلى المكلا في يوليو/تموز 2024، حيث نظّم الحلف (الذي بات يَتموضع بشكل متزايد كَمناهض للمصالح السعودية في المحافظة) احتجاجات تُندّد بتدهور الظروف المعيشية. تتمثل أكبر مشاكل هذا الحلف في احتمال استئناف صادرات النفط دون وضع ترتيبات جديدة بشأن حصة المحافظة من الإيرادات، وبالتالي، نصب الحلف نقطة مسلحة غرب المكلا لمنع خروج شحنات النفط من حضرموت.
وضع ديناميكي
يُشرف المجلس الانتقالي الجنوبي على خطوة تكتيكية لإعادة تنظيم صفوف القوات المدعومة من الإمارات في اليمن، مما سَيخلق تحالفات وموازنات جديدة في البلاد. سَيسمح تكليف المحرمي بمهمة الإشراف على ملف الأمن ومكافحة الإرهاب للمجلس الانتقالي الجنوبي بتحسين التنسيق مع قوات المقاومة الوطنية، باعتبار أن ألوية العمالقة هي أيضا أحد مكونات القوات المشتركة في الساحل الغربي المنضوية تحت قيادة طارق صالح. نتيجة لاستراتيجية المجلس الانتقالي لإعادة تنظيم صفوف القوات المدعومة إماراتياً، بات المحور المدعوم من الإمارات في مجلس القيادة الرئاسي (الزبيدي والمحرمي والبحسني وطارق صالح) أكثر انفتاحا الآن على التنسيق فيما بينهم كَون ذلك سيعود عليهم بمكاسب أكبر في مواجهة منافسيهم (قوات درع الوطن) وخصومهم (الحوثيون).
لا يستبعد على المدى المتوسط إلى الطويل، ظهور انقسامات بين أبرز القيادات المدعومة من الإمارات في اليمن في ظل اختلاف توجهاتهم وأجنداتهم السياسية الخاصة – أي الزبيدي ذو التوجه الانفصالي، وصالح ذو التوجه القومي، والمحرمي – القيادي الطموح.