تزامناً، أجرى الجيش الإسرائيلي جولة في جنوب لبنان نقل خلالها عبر عدسة كاميرات المراسلين العسكريين الدمار الهائل الذي ألحقته مدفعيته وسلاح الجو في البلدات اللبنانية، التي أكد أنها غير صالحة للسكن، معلناً أنه بدأ بتنفيذ المرحلة الأخيرة قبل انسحابه الكامل من الجنوب وفق اتفاق النار بين لبنان وإسرائيل، وقد دمر البنى التحتية والقدرات العسكرية لـ"حزب الله" بما لا يتيح له العودة إلى ما كان عليه قبل بدء عملية "سهام الشمال".
كذلك، أعلن تقرير للجيش شبه تدميره لما كان يملكه الجيش السوري من أسلحة بينها غير تقليدية وخطرة تهدد إسرائيل والمنطقة.
كل هذا، رافقه حتى الإثنين، تهديدات متصاعدة تجاه إيران، وتحديداً من نتنياهو وكاتس، والحديث بشكل صريح وواضح وغير مسبوق، أن الظروف المواتية وبعد القضاء على وكلاء إيران في المنطقة، "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان ونظام بشار الأسد في سوريا، خلقت الفرص لجعل مهاجمة إيران أقرب من أي وقت مضى.
ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو أوضح مساء الأحد أن محادثته مع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، كانت حميمية ومهمة للغاية، وبأنهما تحدثا فيها حول ضرورة استكمال "انتصار إسرائيل"، مشيراً إلى مهاجمة إيران بقوله "في غضون أيام قليلة، دمرنا القدرات التي بناها نظام الأسد لعقود. كما ضربنا طرق إمداد الأسلحة من سوريا إلى (حزب الله). نحن ملتزمون منع إعادة تسليح (حزب الله)، وهذا اختبار مستمر لإسرائيل، يجب أن نجتازه وسنجتازه. أقول لـ(حزب الله) وإيران بشكل لا لبس فيه: من أجل منعكم من إلحاق الأذى بنا، سنواصل العمل ضدكم ما دام ذلك كان ضرورياً، في أي ساحة وفي أي وقت. وقد ناقشت كل هذا مرة أخرى مع صديقي الرئيس الأميركي ترمب، بمحادثة مهمة للغاية".
صبيحة الإثنين، بعد هذا الحديث استيقظ الإسرائيليون على مسيرة تنطلق من اليمن باتجاه المركز وقد أعلن الجيش أن سلاح البحر اعترضها وأسقطها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية، ثم بعد ساعات قليلة دخل أكثر من مليون إسرائيلي إلى الملاجئ بعد دوي صفارات الإنذار في منطقة تل أبيب الكبرى، حيث أُطلق صاروخ باليستي من اليمن، وبحسب الجيش فقد أسقطه وأُطلقت صفارات الإنذار خشية سقوط شظايا صاروخ "حيتس" الذي تصدى له.
وأصيب خمسة إسرائيليين، وهو ما رفع ملف اليمن إلى أولويات أجندة متخذي القرار واستدعى تأجيل جلسة محاكمة نتنياهو الثلاثاء.
جاء القرار عند انعقاد اجتماع لجنة الخارجية والأمن الذي أعلن فيه كاتس قرار مهاجمة اليمن والجهوزية لمهاجمة إيران.
تدمير قدرات الحوثي
منذ مطلع الشهر الجاري وحتى الإثنين الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أطلق الحوثيون من اليمن، بحسب الجيش الإسرائيلي، أربع مسيرات وأربعة صواريخ باليستية، ما اعتبره الإسرائيليون تجاوزاً للخطوط الحمراء ليحسموا بتوجيه الضربة.
الاستعداد الإسرائيلي لمهاجمة اليمن استُكمل الأسبوع الماضي، إذ وضع الجيش خطة عبر قصف مكثف سينتهي بالقضاء على مخازن الصواريخ الباليستية والمسيرات وكل ما يملكه الحوثيون من سلاح خصصه لإطلاقه على إسرائيل. الهجمات، وفقاً لعسكريين، ستشمل مختلف المنشآت الاستراتيجية والخطرة التي في حوزة الحوثيين. وبحسبهم، ستكون ضربة مختلفة عن ضربات سابقة بل أخطر وأعمق من الضربة التي وجهتها قبل نحو شهرين
وبحسب ما نُقل في إسرائيل عن مسؤول أمني مطلع على سير مباحثات الهجوم على اليمن، فإن استمرار قصف المسيرات والصواريخ على إسرائيل يشير إلى أمرين: الأول أن المسيرات ما زالت تشكل تحدياً لإسرائيل، وهذا يتطلب تقويض قدراتها، والثاني أن استمرار إطلاق المسيرات والصواريخ على إسرائيل من دون رد يجعل المسألة أكثر خطورة، وصفها المسؤول الأمني بـ"تطبيع إطلاق النار على إسرائيل". وأضاف "المحور الإيراني بات في الحضيض، لكن الحوثيين يعملون. لقد فقدوا حلفاءهم في (حزب الله) وسوريا، لكنهم لا يستسلمون، وتصريحات المسؤولين هناك تشير إلى أن إطلاق المسيرات والصواريخ سيستمر من اليمن لإثبات ولائهم لغزة".
وعلى رغم أن هذا المسؤول أشار إلى أن الهجوم على اليمن ليس بالأمر السهل الآن، فإنه أكد تنفيذه "بقوة وببنك أهداف أكبر من الهجوم الأخير وسيدفعون الثمن".
من جهته، أكد وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، مهاجمة اليمن، بعد سقوط المسيرة والصاروخ الباليستي، الإثنين، ورد على أسئلة الصحافيين حول الموضوع قائلاً "الوكيل الوحيد في المحور الإيراني الذي لم يشهد بعد ضربات ذراع سلاح جونا هو الحوثيون في اليمن. نظراً إلى أننا قررنا أننا لن نترك أي ذراع لن تقطع بعد، أقترح عليكم جميعاً أن تنتظروا قليلاً، فهذه الذراع الحوثية ستحظى أيضاً بضربات ذراعنا الطويلة".
إيران أمام خيارين
على رغم هيمنة ملف اليمن في إسرائيل، فإن إيران تبقى الهدف الأكثر تحدياً لإسرائيل، ونتنياهو بشكل خاص، وهو ما يجري فيه التنسيق والمشاورات مع ترمب، لكنه في الوقت نفسه يشكل نقاشاً عقيماً في إسرائيل، جراء التحذير والإجماع حول تقدير يؤكد أن إسرائيل غير قادرة على توجيه ضربة للمنشآت النووية من دون دعم ومساعدة الولايات المتحدة.
نتنياهو يضع أمامه هدف ضرب المنشآت النووية في إيران، وقد ألمح في أكثر من مناسبة كما أكد مقربون منه أن إسرائيل حصلت على ضوء أخضر من ترمب لتنفيذ الهجوم، غير أن تل أبيب لا تستعجل في حسم توقيت وطبيعة الضربة.
إعادة بلورة خطط جديدة
من جهتهم، يستبعد أمنيون وخبراء في الملف الإيراني أن يتخذ نتنياهو الآن خطوة متهورة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية لأسباب عدة، فإلى جانب عدم قدرة إسرائيل على مثل هذه الضربة لوحدها بحسب هؤلاء، فإن الوضع الداخلي في إسرائيل منقسم حالياً حول خطة "الإصلاح القضائي" وإضعاف جهاز القضاء، وأيضاً بسبب عدم ضمان تأييد الرئيس الأميركي المنتخب لهجوم كبير وغير سهل ضد إيران التي لم تعلن حتى الآن أنها قررت التقدم نحو صنع سلاح نووي.
في الوقت نفسه، أشار أكثر من تقرير إلى أن ما طُرح من أن الوضع الحالي في سوريا ولبنان وغزة مع قدوم إدارة أميركية جديدة يشكل فرصة غير مسبوقة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً أن سلاح الجو في هجومه الأخير دمر قسماً كبيراً من الدفاعات الجوية الإيرانية، وقد فُتحت مسارات التحليق إلى هناك، إلى جانب أن الرد الإيراني بهجوم مضاد من لبنان وسوريا ومن إيران نفسها أصبح ضعيفاً جداً.
وقال ضابط إسرائيلي في إحاطة صحافية لعدد من المراسلين العسكريين إن سلاح الجو يستعد للمهمة الكبرى المقبلة، التي قد تتلقى الدعم من الرئيس الجديد في البيت الأبيض. "تتم في هذه الأيام إعادة بلورة خطط جديدة لمهاجمة المنشآت النووية في إيران، في ظروف مريحة أكثر بكثير من الماضي، وهناك فرص أكثر مما كان عليه الوضع قبل ذلك".
إسقاط النظام
لكن المحلل السياسي رفيف دروكر، اعتبر الحديث الإسرائيلي عن ضرب المنشآت النووية أجوف، "وقصف المنشآت الكبرى، وأجهزة الطرد المركزي المتطورة، التي كان يمكن أن يؤدي تدميرها إلى تأخير لأشهر، هو أيضاً عديم الفائدة. فإيران أنهت، فعلياً، مشروع تخصيب اليورانيوم وباتت على مسافة قريبة من حيازة ما يكفي من مواد انشطارية لقنبلة ذرية"، وفق قوله.
وفي البديل، هناك طرح آخر لمواجهة التهديد النووي الإيراني باستهداف النظام الإيراني وتوجيه هجوم واسع وقوي يؤدي إلى إسقاط النظام وإرغامه على التوقيع على اتفاق نووي جديد، ولفترة طويلة.
الفترة الانتقالية في الإدارة الأميركية
من جهة أخرى، يرى رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، أفرايم عنبر، أنه يمكن لإسرائيل استغلال التطورات في أعقاب ما حصل في غزة ولبنان ثم سوريا ومهاجمة البنى التحتية النووية الإيرانية.
ويقول، "إن منع العجز الإيراني أكثر إلحاحاً مما كان عليه قبل سقوط سوريا، لأن طهران، وفق تقرير حديث صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، سارعت بصورة كبيرة إلى تخصيب اليورانيوم. قد تقرر إيران استكمال جهودها النووية والوصول إلى القنبلة من أجل تعويض ضعفها الحالي وزيادة قوتها الرادعة، إذ أصبح وكلاؤها غير ذوي صلة".
ويضيف: "نافذة الفرص المثلى لعملية هي الفترة الانتقالية حتى دخول ترمب البيت الأبيض. إذا أصبحت إيران نووية، فهذا سيؤدي إلى سلسلة نووية في دول أخرى في الشرق الأوسط واحتمال انهيار المعاهدة الدولية لعدم انتشار الأسلحة النووية".
ويقدم عنبر نصيحة لمتخذي القرار في إسرائيل بضرورة "أن تكون سياسة إسرائيل متزامنة، قدر الإمكان، مع الإدارات الأميركية الحالية والمستقبلية. الفترة الانتقالية حتى الـ21 من يناير (كانون الثاني) 2025 تمنح إسرائيل حرية عمل أكبر".