و في حال اندلعت الحرب مجددًا، فهناك احتمال كبير أن تعاود جماعة الحوثيين، المدعومة من إيران، للانخراط في القتال. وكما حدث في الماضي، فمن المتوقع أن يطلق الحوثيون صواريخ باليستية على إسرائيل، بالتزامن مع استهداف السفن الحربية الأميركية والسفن التجارية الدولية في البحر الأحمر.
ومع تصاعد التوتر، يتعين على إدارة ترامب البدء في دراسة خياراتها، فهذه الإدارة تعلن رغبتها في تجنب الحرب.
ومن بين الخيارات غير العسكرية المتاحة، يمكن ممارسة الضغط على سلطنة عُمان لإغلاق مقر قيادة الحوثيين.
حيث توفر السلطنة ملاذًا آمناً لمسؤولي الحوثيين، بمن فيهم كبير مفاوضي الجماعة ووزير خارجيتها الفعلي (محمد عبد السلام). ويتمتع هؤلاء بحرية الحركة والعمل تحت حماية النظام في مسقط.
وقد كافحت إدارة بايدن في السنوات الأخيرة لإيجاد نهج للتعامل مع هذه المشكلة. وفي النهاية، اعتمدت سياسة حذرة، محافظةً على شراكة دفاعية قوية مع مسقط. واعتبارًا من عام 2022، بلغ إجمالي المبيعات العسكرية الأميركية إلى عُمان 3.5 مليار دولار.
ومنذ عام 2016، وافقت الولايات المتحدة على صادرات بقيمة 613 مليون دولار ضمن مبيعات تجارية مباشرة، شملت أسلحة خفيفة وذخائر وإلكترونيات عسكرية.
ومع ذلك، تبقى هذه المعاملات متواضعة نسبيًا. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا تعامل الولايات المتحدة عُمان بقدرٍ كبيرٍ من الحذر؟
حتى الآن، تبنّت واشنطن الرواية التي تطرحها عُمان، والتي تبرر استضافة قيادة الحوثيين في مسقط بدعوى السعي إلى إيجاد حل للحرب الأهلية في اليمن. وقد عزّز أحد قادة الجماعة (محمد علي الحوثي)، هذه الرواية بتصريحه بأن "الحوار المباشر مع الولايات المتحدة مستحيل ولا يمكن أن يحدث إلا عبر فريقهم التفاوضي في مسقط."
ومع ذلك، لا يوجد أي دليل على أن هذا المسار قد عاد بالفائدة على الولايات المتحدة. فرغم استمرار هذا القناة، أصبح الحوثيون أول جماعة إرهابية تمتلك قدرات صاروخية باليستية، وهو وضع خطير لا ينبغي تطبيعه.
وبالمثل، فإن العدوان الحوثي ضد السفن الأميركية في منطقة البحر الأحمر شكَّل أكبر حجم من التهديدات التي واجهتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت نفسه، نجح الحوثيون في شل معظم حركة الملاحة في البحر الأحمر لأكثر من عام، وهو ممر بحري يمثل نحو 12% من إجمالي التجارة البحرية العالمية. ولا يمكن السماح باستمرار هذا الوضع.
يدرك العُمانيون بوضوح هذه التحديات، ومع ذلك لم يتخذوا أي إجراءات لكبح الجماعة الإرهابية التي تعمل على أراضيهم. بل على العكس، قام المسؤولون العُمانيون بمدح الحوثيين. فقد أشاد مفتي عُمان المدعوم من الدولة (أحمد الخليلي)، بأعمال القرصنة التي ينفذها الحوثيون، كما أثنى على حماس بسبب هجماتها ضد إسرائيل.
وعلى الرغم من أن المفتي العام لا يتحدث رسميًا باسم الحكومة العُمانية، إلا إن تصريحاته تحظى بتأثيرٍ كبير. وكمظهر من مظاهر التقدير، قام بعض مقاتلي حماس بوضع الأعلام العُمانية على صدورهم خلال عملية إفراج عن رهائن مؤخرًا.
وفي يناير/ كانون الثاني2024، أدان مسؤول في وزارة الخارجية العُمانية الضربات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين.
والخطاب العُماني ليس سوى جزء من المشكلة. فمنذ عام 2015، وفّرت عُمان للحوثيين ممرًا لتهريب الأسلحة، إلى جانب إتاحة الوصول إلى النظام المالي الدولي.
وفي عام 2017، دخلت الطائرات المُسيَّرة التي استخدمها الحوثيون إلى اليمن عبر عُمان. وفي عام 2018، أشار فريق خبراء تابع للأمم المتحدة إلى أن صواريخ بركان-2H وصلت إلى اليمن، على الأرجح، عبر الطريق البري العُماني.
كما كانت عُمان طريقًا لتهريب الأموال النقدية والذهب إلى الحوثيين خلال تلك الفترة، ولا يوجد ما يشير إلى أن هذا التهريب قد توقف.
وفي العام الماضي، تم ضبط معداتٍ عسكرية متطورة، بما في ذلك أنظمة دعم للطائرات المُسيَّرة وأجهزة تشويش على الرادارات، عند معبر صرفيت في محافظة المهرة اليمنية. ومن المحتمل أن تكون هذه المعدات مخصصة لدعم هجمات الحوثيين بالطائرات المُسيَّرة ضد السفن في البحر الأحمر.
ولا يقل النظام المصرفي العُماني خطورةً عن ذلك. إذ تُعد البنوك العُمانية جزءًا من المنظومة المالية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، مما يُمكّن مسؤولي الحوثيين المقيمين هناك من إرسال واستقبال الأموال، بما في ذلك بالدولار الأميركي، مع عقبات أقل.
وفي ظل كل ذلك، يقوم مبعوثون إيرانيون بزيارات منتظمة إلى مسقط للقاء وكلائهم الحوثيين. ومن المحتمل أن تكون هذه الاجتماعات ذات طبيعة عملياتية، حيث يقدّم المسؤولون العسكريون الإيرانيون معلومات استخباراتية وبيانات استهداف لحلفائهم في اليمن.
وفي 11 فبراير/ شباط الماضي، التقى كبير القادة العسكريين في عُمان، الفريق بحري (عبد الله الرئيسي)، برئيس الأركان الإيراني، اللواء (محمد باقري)، في طهران. وناقش الجانبان تعزيز التعاون الدفاعي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية. ومن المقرر أن يحضر الرئيسي أيضًا معرضًا دفاعيًا مرتقبًا، ويلتقي بقادة من البحرية الإيرانية والحرس الثوري الإسلامي.
ولا شك أن عُمان تدرك أن تحدي إيران ينطوي على تكلفة باهظة. فهي دولة ضعيفة لا تستطيع مواجهة أكبر راعٍ للإرهاب في العالم. ومع ذلك، فإن المخاطر التي تواجهها عُمان تقابلها أيضًا مكاسب. فالبلدان يتقاسمان السيطرة على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الاستراتيجية في العالم، حيث يمر عبره أكثر من 40% من النفط الخام العالمي. ولذلك، فإن الحفاظ على علاقات ودية مع طهران يمثل أولوية استراتيجية طويلة المدى لمسقط.
كما يسارع العُمانيون إلى تذكير منتقديهم بدورهم المحوري في دفع الأجندة الأميركية تجاه إيران عند الحاجة. فقد استضافت مسقط محادثات الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني خلال إدارة أوباما، وسهّلت لاحقًا المفاوضات بين إدارة بايدن وطهران في عام 2023. وأكد تقرير لمجلس الشيوخ الأميركي عام 2018 أن البنوك العُمانية، بناءً على طلب إدارة أوباما، ساعدت إيران في الوصول إلى احتياطياتها الأجنبية بعد دخول الاتفاق النووي لعام 2015 حيز التنفيذ.
ولا يمنح أي من هذا عُمان ضوءًا أخضر لاستضافة الحوثيين أو رعاتهم الإيرانيين. فلا يمكن لعُمان أن تمسك بالعصا من المنتصف، و لا يجوز لها أن تستفيد من الصداقة والدعم الأميركي، بينما تساهم في تأجيج أزمة الشرق الأوسط. وقد حان الوقت لكشف هذا اللعب المزدوج الذي تمارسه مسقط والنظر في اتخاذ تدابير عقابية.
وتصنيف إدارة ترامب الأخير للحوثيين كـمنظمة إرهابية أجنبية يوفر أساسًا قانونيًا لاتخاذ مثل هذه الخطوات. حيث يوجد لدى الولايات المتحدة مبرر واضح لمطالبة عُمان بإغلاق مقر قيادة الحوثيين على أراضيها، وطرد قادة الجماعة المقيمين هناك. وإذا رفضت عُمان الامتثال، فعلى الولايات المتحدة أن تفكر في فرض عقوبات على الأفراد والكيانات العُمانية التي تدعم الحوثيين.
وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء بعد ذلك، فينبغي أن يؤدي ذلك إلى قطع كامل للعلاقات الأميركية-العُمانية.
لقراءة المادة من موقعها الأصلي عبر الرابط التالي: