في يوم 22 مايو 2025، وقع انفجار مدمّر في مستودع أسلحة تابع لجماعة الحوثي في حي سكني مكتظ بمدينة صنعاء، مما أسفر عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 150 مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، كما أدى إلى تدمير واسع في عدد من المنازل، وخلّف حالة من الهلع والخوف في صفوف السكان.
تشير الأدلة المتاحة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية وشهادات الشهود، إلى أن المستودع كان يقع ضمن كتلة عمرانية مدنية دون اتخاذ أي تدابير وقائية لحماية السكان، ما يُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، خصوصًا تلك المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
يوثق هذا التقرير الحادثة من زاوية حقوقية، ويستند إلى أدلة رقمية ومرئية أجرتها منظمة سام، مع التركيز على المسؤوليات القانونية المترتبة، والتداعيات الإنسانية المباشرة، ويقدم التقرير توصيات عاجلة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات.
استند التقرير إلى منهجية استقصائية دقيقة اعتمدت على شهادات شهود عيان ومقاطع فيديو التُقطت من قبل سكان محليين، إلى جانب صور أقمار صناعية ووسائل إعلام موثوقة، كما تم تحليل الأصوات والانفجارات باستخدام أدوات التحليل الطيفي، وأدوات الذكاء الاصطناعي المدفوعة، مع مقارنة النتائج ببيانات علمية موثوقة حول خصائص الموجات الصدمية في الانفجارات العسكرية. تم توثيق الحقائق والمعلومات خلال فترة زمنية حرجة، مع مراعاة التحديات المتعلقة بصعوبة الوصول المباشر إلى المنطقة المتضررة، بسبب القيود التي فرضتها جماعة الحوثي.
رغم أن هذا التقرير يستند إلى الأدلة والبيانات التقنية، لم يُغفل البعد الإنساني، إذ حافظت الفقرات التمهيدية بعناوينها على طابع إنساني يسلط الضوء على معاناة الأهالي وآثار الانفجار عليهم، حتى لا يظهر التقرير وكأنه مجرد عرض جامد للحقائق بلا ضمير.
شهدت مناطق سيطرة جماعة الحوثي في اليمن، خلال السنوات الماضية، نمطًا متكررًا من استخدام الأحياء السكنية كمواقع لتخزين الأسلحة والذخائر، في تجاهل واضح لمخاطر ذلك على السكان المدنيين، وهذا النمط لا يعكس فقط استهانة بأرواح المدنيين، بل يشكّل خرقًا ممنهجًا لقواعد القانون الإنساني الدولي.
في العاصمة صنعاء، تحوّلت عدة أحياء مدنية إلى نقاط استراتيجية عسكرية غير معلنة، حيث تنتشر مخازن الأسلحة بالقرب من المدارس والمستشفيات والمنازل، مما يضاعف من الخطر على حياة المدنيين عند وقوع أي تفجير أو استهداف.
الحادث الأخير يأتي ضمن هذا السياق المقلق، ويعيد إلى الواجهة الحاجة الملحّة لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، والعمل على حماية السكان من التوظيف العسكري غير المشروع لأحيائهم.
في صباح 22 مايو 2025، دوّى انفجار ضخم في حي صرف السكني بصنعاء، ناجم عن مستودع أسلحة مخزّن في قلب منطقة مأهولة، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى وتدمير واسع للمنازل والممتلكات. هزّت موجة الانفجار المنطقة بأكملها، وتردّد صداها في شوارع بعيدة عن موقع الحادث، فيما انتشرت أعمدة الدخان الكثيف فوق الأبنية المتهدمة. تعكس هذه اللحظات الأولى مشهدًا مأساويًا لسكان وجدوا أنفسهم محاصرين بين الأنقاض والذعر، في حي لم يتوقع أهله أن يتحول إلى بؤرة انفجار بهذا الحجم.
أفاد أحد الأهالي لمنظمة سام بوقوع حادث كبير في صنعاء تمثل في انفجار مخزن ضخم يحتوي على عبوات وصواريخ وجميع أنواع المتفجرات. يقع هذا المخزن بجوار خط مستشفى زايد، في حارة تقع أسفل خط مأرب من جهة الروضة، وتحديداً عند بيت عدلان. وأشار إلى أن هذا الموقع هو عبارة عن حوش مستحدث بعد ضرب المخازن في عام 2015، حيث تم توزيع الذخائر والصواريخ والقذائف إلى عدة أماكن وأحواش، وكان هذا الموقع أحدها، كما يُستخدم هذا الموقع لصناعة الألغام، مرجحًا أن هذا الموقع تابع للحوثيين.
أفاد الناشط أحمد الأشول في منشور على فيسبوك، بأن انفجارات خشم البكرة كانت ثلاثة انفجارات، اثنان منها وقعا داخل هنجر، بينما حدث الانفجار الثالث في بدروم عمارة. وأشار إلى أن الضرر الذي لحق بالأسر نتج عن الانفجار الأول وانفجار البدروم الذي كانت تقع فوقه شقق سكنية. وبيّن أن المخزن الموجود داخل الهنجر كان يحتوي على ذخيرة رشاشات وهاون وقنابل.
أجرينا عملية تجريف Scraping لتعليقات على أكثر من منشور على فيسبوك، وحللناها عبر الذكاء الاصطناعي، وتبين أن دوي الانفجار سُمع في مناطق واسعة من صنعاء، حيث أشار العديد من السكان إلى أن صوت الانفجار كان قويًا للغاية لدرجة أنه وصل إلى مناطق مثل صرف، وسعوان وسمع حتى في أماكن بعيدة نسبياً عن مركز الحادث. بعض الشهادات ذكرت أن الانفجار كان مسموعًا في صالة احتفالات أثناء حفل تخرج في قاعة ريولكس، في جولة (دوار) آية، حيث اهتزت القاعة من شدة الصوت، ما يدل على اتساع نطاق تأثيره، كما أفاد معلقون بقولهم إنهم شعروا بقوة الانفجار بشكل غير مسبوق؛ حيث اهتزت المنازل وتكسرت النوافذ، وسمع دوي الانفجارات المتتالية لساعات، كثيرون استيقظوا من نومهم مذعورين، واعتقد بعضهم في البداية أن ما حدث هو قصف جوي بسبب شدة الدوي، بينما أشار آخرون إلى أن الحادثة كانت كارثية، وأن هناك تكتمًا إعلاميًا من قبل سلطة الأمر الواقع في صنعاء.
في لحظة خاطفة، وقع الانفجار الذي غيّر ملامح الحي بأكمله. لا يتوقف الأمر عند معرفة تاريخ الحادثة، بل يمتد إلى تحديد اللحظة الدقيقة التي شهدت الانفجار، واستجلاء ما سبقها من إشارات، وهنا تتقاطع البيانات الميدانية مع الشهادات الصوتية والبصرية، لتوثق اللحظة الحرجة التي حملت كل تداعيات الكارثة.
تم تقدير توقيت الانفجار استنادًا إلى تحليل ظل الشخص الظاهر في الفيديو، ومطابقته لمعادلات قياس الطول النسبي، حيث أخذنا لقطة من فيديو يظهر فيه شخص، قبل الانفجار بثوانٍ، وقمنا بقياس طول ظل الشخص إلى الشخص نفسه، بواسطة أداة Automeris، تبين أن نسبة طول الظل إلى طول الشخص هي 42.61 بكسل، 68.07 بكسل، على التوالي، وطبقًا لمبدأ النسبة والتناسب، فإن نسبة طول الظل إلى طول الشخص هي 0.62 : 1، أي أن طول الظل يبلغ 62% من طول الشخص.
باستخدام أداة Sun Calc، أدخلنا القيم السابقة (المستطيل المحدد بالبرتغالي) لاحتساب الوقت الفعلي لالتقاط الفيديو، ووجدنا أن الفيديو تم التقاطه في الساعة 9:48 صباحًا (المستطيل المحدد بالبرتغالي).
وهو ما يتطابق مع إفادات رواد منصة فيسبوك، حيث أشاروا إلى وقوع ثلاثة انفجارات عنيفة، ما بين الساعة 9:50 صباحًا والساعة 9:55 صباحًا، تقريبًا.
في قلب الحادثة، اتسعت دائرة الدمار لتكشف عن مركز انفجار تجاوز التقديرات، موجّهًا صدمة عنيفة نحو المحيط، حيث تُظهر المعطيات الأرقام كمرآة لما لم يقله الصوت والصورة، لتترك خلفها مشهدًا يصعب حصره في عبارة أو تقدير.
أظهرت صور الأقمار الاصطناعية Sentinel Hub التي توفرت يوم 24 مايو 2025، نطاق الدمار الذي خلفه الانفجار، حيث تُبرز المنطقة المؤطرة باللون الأحمر بؤرة الانفجار والتي تبعد 60 مترًا عن نقطة خشم البكرة، في الجهة الجنوبية الشرقية، وفقًا لما أكده الصحفي والمتخصص في الاستخبارات مفتوحة المصدر، فاروق مقبل الكمالي، في منشور على صفحته بفيسبوك، بتاريخ 24 مايو الجاري.
قمنا بتحديد طول قطر بؤرة الانفجار، ووجدنا أنها تتراوح بين 20 إلى 24 مترًا، وهي المنطقة التي حدث فيها الانفجار وتعرضت للتدمير الكلي بشكل مباشر، مع الإشارة إلى أن نطاق تأثير الانفجار امتد إلى ما يزيد عن 60 مترًا، ما يعني أن حجم الدمار يقل كلما ابتعدنا عن البؤرة، وهو ما لا تُظهره صور الأقمار الاصطناعية المتاحة، نظرًا لأن أقل مدى يمكن أن يظهر في الخريطة بوضوح، يجب ألا يقل قطر البؤرة عن 10 إلى 20 مترًا، في العادة.
ولتقدير طاقة الانفجار التقريبية، جرى اعتماد مقاربات فيزيائية تقوم على الربط بين حجم كرة النار الظاهرة ونطاق التدمير المرصود في الصور، فعلى افتراض أن قطر كرة النار، التي تمت ملاحظتها في فيديو الانفجار تُقدر بنحو 20 مترًا، إلى جانب دائرة التدمير الواسعة التي امتدت لنحو 60 مترًا، فهذا يشير إلى طاقة انفجار تقديرية تراوحت بين 1000 و2300 طن مكافئ لمادة TNT، مع متوسط مرجح يقارب 1500 – 2000 طن، وهي طاقة ضخمة تتوافق مع انفجار مستودع يحوي كميات كبيرة من الذخائر أو رؤوس حربية لصواريخ باليستية.
بعيدًا عن كونها أرقامًا جامدة، تكشف هذه الإحصاءات عن واقع إنساني صادم يتقاطع فيه فقد الأرواح مع ضياع البيوت والذكريات، حيث يمتد أثر الانفجار إلى كل بيت شهد الحادثة وكل عائلة دفعت الثمن. فالأرقام هنا ليست سوى المدخل لفهم حجم المأساة التي تركت بصمتها على الوجوه والقلوب، وهي أيضًا التذكير الصامت بأن ما وقع لا يمكن تجاهله أو اختصاره في جدول أو قائمة، بل يظل حاضرًا في تفاصيل الحياة التي لم تعد كما كانت.
أفاد أحد الأهالي لمنظمة سام بأن الانفجار تسبب في سقوط ضحايا من المدنيين، حيث بلغ عددهم حوالي 45 شخصاً من الحارة المجاورة، وذكر أن الانفجار تسبب في تدمير المنازل القريبة، كما ألحق أضرارًا جسيمة بالمنازل المجاورة، مبينًا: "تأثرت بيوت أهالي صرف التي تقع فوق نقطة خشم البكرة، ومنها بيت حزام عزي وبيت الشيخ مانع الذي أُصيبت زوجته. كذلك، دُمّرت بالكامل بعض بيوت "أصحابنا" من أهل صرف التي كان يسكنها أشخاص من وصاب"، ومن بين الأشخاص الذين دُمّرت منازلهم المؤجرة نتيجة لذلك، ذكر أسماء محمد فياض وحسين محمود عوسة وحازم علي ناصر عوسة..
وفقًا لشهود عيان ومصدر محلي وقريب أحد الضحايا، وثلاثة مصادر طبية، تحدثوا إلى المصدر أونلاين، فإن عدد القتلى والمصابين يزيد على 150 شخصاً، وأضافوا أن نحو 23 جثة نُقلت على متن أطقم إلى مستشفيي الشرطة وزايد. من بين هذه الجثث فتاة مقطوعة الرأس والأطراف، تم التعرف عليها بصعوبة. نُقل المصابون قسراً وتحت إشراف المسلحين الحوثيين إلى الأقسام المخصصة للجرحى الحوثيين في مستشفيات الشرطة، والثورة، والجمهوري، ومستشفى 48، إضافة إلى ثلاثة مستشفيات خاصة.
خسر راشد الكندي زوجته أسماح عبدالله، وأبناءه خالد (10 أعوام)، وريم (16 عاماً)، ونصيرة (14 عاماً)، وخلود (12 عاماً)، وغروب (6 سنوات). دُمّر منزلان له، أحدهما سقط على رأس أسرته، والثاني على رأس جيرانه المستأجرين، كما دُمّرت سيارته (باص)، وأُصيب اثنان من أشقائه. هذا ما رواه مصدر تحدث شريطة عدم كشف هويته.
قال فاروق الكندي في منشور على صفحته بفيسبوك، إن راشد الكندي فقد زوجته وبناته الأربع وولده الوحيد، بالإضافة إلى باص كان مصدر رزقه ومنزله البسيط، وذلك بسبب انفجار مخزن سلاح أثر على الحي المجاور في صرف طريق الحتارش
أسرة أخرى استأجرت شقة قريبة عشية الحادث وقُتلوا جميعاً. لم يُعرف عددهم، كونهم استقروا حديثاً، ويُعتقد أنهم من منطقة الحيمة. ومن الضحايا أيضاً أسرة المحويتي، حيث قُتلت الزوجة الأولى أميرة مع أولادها (حنان، هديل، مجدي، مهران، أحمد). كما توفيت الزوجة الأخرى مع طفليها (ولد بعمر 11 شهراً، وآخر في عمر عامين). كانت الأسرتان تقطنان في منزلين متجاورين وقُتلتا في الانفجار.
قضت أسرة رابعة تُدعى عائلة الوصابي، مكونة من جدة، وأب وزوجتين وثلاثة أطفال تحت الأنقاض. كما قُتل اثنان من أصحاب الدكاكين القريبة من موقع الانفجار. أحدهما يُدعى "مطهر" من أبناء المحويت، والآخر يُلقّب بـ "الأزرق". وفقاً لشاهد العيان، كلاهما جُمعا كأشلاء.
قال شخص تربطه قرابة بعائلات من الضحايا إنه مُنع من الوصول إلى المنطقة بسبب نقاط عسكرية استحدثت. أُصيب أربعة من أقاربه. وحسب علمه، "توفي على الأقل 19 شخصاً في الانفجار، سُحب بعضهم من تحت الأنقاض، وطفل توفي الجمعة متأثراً بالإصابة". قدّر هذا الشخص أن عدد المصابين قد يكون ما بين 60 و80 شخصاً، بحسب المصدر أونلاين.
ذكر الناشط أحمد الأشول أن حوالي ثلاث أسر بالكامل تم نقلها إلى المستشفى الجمهوري ومستشفى الشرطة، مؤكداً وجود كثير من الجرحى على الرغم من أن عددهم الدقيق غير معلوم. وأضاف أن المستشفى الجمهوري كان قد أصدر بيانًا في الصباح يفيد بالقصف ونيّة مدير المستشفى زيارة الضحايا، لكن تم حذف هذا المنشور بعد اكتشاف أن الحادث لم يكن قصفًا.
لقطات شاشة من فيديو تُظهر جثث وأشلاء أطفال راشد الكندي، الذين قضوا في الانفجار
تتحوّل الصور بعد الانفجار إلى شهادة صامتة تروي ما لم تقله الكلمات. وهنا لا تحتاج الصور إلى تعليق، ولا تحتاج الشهادات إلى كثير من الشرح، فالخراب وحده يملأ المكان، ويحكي قصة اللحظة التي لم تعد بعدها الحياة كما كانت.
وفقاً لتقديرات أحد سكان المنطقة، تحدث إلى المصدر أونلاين، فقد أسفرت الانفجارات وسقوط الصواريخ المتطايرة عن تدمير ما بين 20 إلى 30 سيارة بشكل جزئي أو كلي. كما لحقت أضرار متفاوتة بنحو 100 منزل و8 محلات تجارية.
تُظهر المشاهد المتاحة تبايناً حاداً بين حالة المنطقة قبل وبعد وقوع الانفجار المدمر. ففي الجزء الأيسر من المقارنة المرئية، تتجلى المنطقة قبل الحادثة في صورة جوية واضحة الملامح، حيث تبدو المباني متراصة ومنظمة، وتظهر الشوارع محددة بدقة، وتعكس الحركة الطبيعية حياة يومية هادئة يسودها التنظيم والاستقرار. كانت المنازل قائمة في مواقعها دون أي مؤشرات للفوضى أو الخراب الوشيك. على النقيض التام، تكشف اللقطات في الجزء الأيمن عن حجم الدمار الهائل الذي خلفه انفجار مستودع الأسلحة. تحولت المباني السكنية والمنشآت الأخرى إلى مجرد أكوام من الركام المتناثر، وتلاشت المعالم الأصلية للمنطقة بالكامل تحت وطأة قوة الانفجار.
ويمكن ملاحظة الدمار الواسع الذي طال منزل راشد الكندي، حيث أصبحت الجدران منهارة تماماً، وسقطت الأسقف بالكامل، وتناثرت أجزاء من الهياكل الخرسانية في كل اتجاه. تتكدس الأنقاض فوق بعضها البعض، ويظهر بين هذه البقايا المادية بقايا ممزقة من الممتلكات الشخصية، وأثاث محطم، وأشياء أخرى متناثرة فقدت قيمتها ووظيفتها في لحظة الانفجار.
لقطات شاشة من فيديو تُظهر الدمار الذي طال منزل وبقالة الكندي
حتى المنازل البعيدة عن بؤرة الانفجار، لم تسلم من الخراب، حيث تحطمت النوافذ وتناثر الأثاث في أرجائها، بفعل الصدمة الانفجارية، والتي كانت الانفجارية كفيلة باقتلاع النوافذ المثبتة بإحكام، مما يبرز شدة الانفجار وقوته الاستثنائية.
صورة تُظهر آثار الدمار الذي طال منزلين جراء الانفجار
كان موقع الانفجار ساحةً مسوّرةً تضمّ هنجرًا، مبنيّ بجدران من الطوب الخفيف ومغطّى بسقف معدنيّ رقيق، بالإضافة إلى قبو تحت الأرض، وقد خلق هذا التكوين مساحاتٍ محصورة وشبه محصورة، تُعرف بتضخيمها لتأثيرات موجات الانفجار بسبب الانعكاسات المتعددة، وبالتالي فإن التضخيم الملحوظ لتأثيرات الانفجار بسبب التكوين الهيكلي لمنطقة التخزين يتماشى مع النتائج التي توصل إليها سيلفا وآخرون (2021)، الذين توصلوا من خلال التحليل العددي إلى أن "المساحات الضيقة (مثل الغرف أو الممرات أو الأخاديد الحضرية) تزيد بشكل كبير من الإمكانات التدميرية لموجات الانفجار."
باستخدام حاسبة معلمات انفجار كينغري - بولماش للقياس، وبافتراض شحنة متفجرة تعادل 1000 كجم من مادة تي إن تي، يبلغ الضغط الزائد المحسوب عند مسافة 20 مترًا حوالي 221 كيلو باسكال، مع ضغط زائد منعكس يبلغ حوالي 1329 كيلو باسكال. على مسافة 60 مترًا، تنخفض هذه القيم إلى 8.2 كيلو باسكال (الضغط الساقط) و49.2 كيلو باسكال (الضغط المنعكس)، على التوالي، مما يُفسر سبب وقوع أشد الأضرار الهيكلية والإصابات ضمن دائرة نصف قطرها 20-30 مترًا من موقع الانفجار، بعد هذا النطاق، يظل الضغط الزائد قويًا بما يكفي لتحطيم النوافذ والتسبب في أضرار هيكلية طفيفة، خاصةً في المنازل القديمة أو سيئة البناء.
بين صدى الانفجار وآثاره المدمرة، تتقاطع الأدلة الميدانية لتكشف صورة واضحة عن حجم الدمار وملابساته. صور الأقمار الصناعية، والشهادات الميدانية، والتسجيلات المرئية والصوتية، تكشف عن تفاصيل الحادثة وفق معايير موضوعية بحتة.
تكشف نتيجة التحليل الطيفي - يعتمد على مقارنة بنمط الانفجار العسكري وليس تحليلًا مختبريًا مباشرًا- لمقطع الصوت المرتبط بالانفجار مجموعة من المؤشرات التي تدعم الاستنتاج بأن الانفجار كان ناتجًا عن مادة شديدة الانفجار من النوع العسكري، وليس عن مواد تقليدية أو احتراق وقود.
التحليل الطيفي لصوت الانفجار يُظهر توقيع ذخيرة عسكرية
أول ما يلفت النظر في الجزء العلوي من الصورة هو الانتشار الطيفي الواسع للطاقة الصوتية، حيث تظهر الطاقة بوضوح عبر كامل النطاق الترددي، من الترددات المنخفضة (93 هرتز) حتى الترددات العالية جدًا (فوق 20,000 هرتز). هذا الانتشار الحاد والسريع للطاقة هو بصمة صوتية مميزة لانفجارات شديدة الطاقة (Detonation)، ويستحيل تقريبًا أن يصدر عن انفجارات بطيئة أو احتراقات تقليدية.
الذروة الحادة في بداية المقطع، والتي تظهر في الرسم البياني السفلي كموجة ضغط مفاجئة تليها عودة سريعة إلى مستويات منخفضة من الطاقة، تدل على حدوث موجة صدمة قوية وفورية، وهذا النمط يتوافق تمامًا مع انفجارات المتفجرات العسكرية مثل TNT أو مركبات RDX/HMX، والتي تنتج موجة صدمة صوتية قوية جداً وقصيرة زمنياً، لأن سرعة تفاعلها عالية جداً (Detonation Velocity)، وتحرر الطاقة بشكل شبه لحظي. ويختلف عن انفجارات نترات الأمونيوم أو المواد المؤكسدة البطيئة نسبياً، والتي عادةً ما تعطي موجة صوتية أقل حدة، مع ذيل زمني أطول، أي أن شدة الصوت تبقى مرتفعة لفترة أطول نسبياً قبل أن تعود إلى المستوى الطبيعي، ذلك لأن سرعة التفاعل الكيميائي فيها أبطأ، وتحرير الطاقة يتم على فترة زمنية أطول.
وفقًا للعمل التحليلي الذي أجراه إريك سالومونز (2024)، يُظهر طيف الصوت وشكل الموجة للانفجارات عالية الطاقة، كتلك التي تنطوي على متفجرات عسكرية، سمات مميزة (مثل جبهات صدمات عالية السعة وتوسع غير خطي)، وهي سمات تُساعد على التمييز بين الحرائق العرضية والانفجارات المتعمدة للذخائر العسكرية.
كما أن غياب التذبذبات الصوتية المتكررة أو الذروات الثانوية بعد الانفجار الرئيسي يشير إلى عدم وجود تطاير كثيف لشظايا معدنية، وهو ما يتوافق مع طبيعة المستودع الذي يتكون من جدران طوب خفيف وسقف معدني رقيق، حيث أن هذه البنية تسمح بتسرب الطاقة بسرعة إلى الخارج. أثبت غاري س. سيتلز (2006) أن "موجات الصدمة القوية في الهواء، كتلك التي تنتقل بسرعة 2 ماخ (680م/ ث) تُنتج ذروات ضغط زائد تصل إلى عدة أجواء، مما يُسبب أضرارًا بالغة للهياكل والأنسجة البيولوجية. ويمكن لموجات الصدمة المنعكسة داخل الأماكن الضيقة أن تُضخّم هذه الآثار المدمرة".
يُظهر التحليل الطيفي انتقالًا مفاجئًا وحادًا في التردد عند لحظة الانفجار، مع احتفاظ بالشكل الموجي لموجة صدمة متمركزة لمسافة زمنية قصيرة ثم انخفاض سريع، ويُشير هذا إلى انفجار رئيسي وليس تسلسل ذخائري، ما يدعم احتمالية انفجار رأس حربي موحّد التركيب.
وتجدر الإشارة إلى إن البصمة الصوتية المرصودة للانفجار، والتي تتميز بضغط زائد ابتدائي سريع للغاية (جبهة صدمة موجبة)، ومرحلة انحلال أُسّي، وطيف ترددي واسع النطاق يمتد من الموجات دون الصوتية إلى مكونات عالية التردد، تتوافق تمامًا مع الخصائص الصوتية الأساسية الموصوفة في منهجية جمع البصمات الصوتية لوزارة الدفاع الأمريكية (المعيار 806-03)، وهذا يوفر سياقًا علميًا إضافيًا لتفسير الأدلة الصوتية، مما يدعم الاستنتاج القائل بأن الحادثة شملت ذخائر عسكرية عالية الطاقة بدلًا من مصادر صناعية منخفضة الطاقة.
تظهر الصور واللقطات الأولى للانفجار مشهدًا بصريًا غنيًا، يعكس تفاعلات شديدة العنف وانبعاثات لونية كثيفة، ترسم معالم اللحظة بتفاصيلها الحادة.
لقطات شاشة من ثلاث زوايا مختلفة تُظهر انفجاراً عنيفاً يتميز بوميض ناري قوي وسحابة دخان كثيفة بيضاء/رمادية، مع إثارة شديدة للغبار
الألوان الظاهرة – مزيج من الأصفر الفاقع والأبيض مع أطراف برتقالية وحمراء – تدل على احتراق مواد شديدة الانفجار ذات تركيبة حرارية عالية، مثل المتفجرات العسكرية المعبأة (TNT، RDX، أو مركبات محلية مشابهة)، ويبدو أن نوع المادة المتفجرة أقرب إلى ذخائر تقليدية شديدة الانفجار، قد يكون من ضمنها رأس حربي لصاروخ بالستي قصير المدى، حيث تحتوي الرؤوس الحربية الباليستية المُخزّنة عادةً على نظام تسليح غير مفعل، لكن في بعض الحالات قد يكون نظام التفجير أو الصمام الحساس قابلًا للتفاعل بفعل الحرارة أو خلل كهربائي، مما يؤدي إلى تفجير الرأس بشكل مباشر دون الحاجة لانطلاق الصاروخ.
كما أن عدم وجود دخان أسود كثيف أو دخان رمادي داكن في اللحظة الأولى يُشير إلى غياب مواد نفطية أو وقود صاروخي كيميائي، ما يُرجح انفجار ذخائر صلبة، مع التنويه إلى أن احتمال أن يكون الانفجار ناتجًا عن احتراق وقود صاروخي بحد ذاته ضعيف إلى متوسط، إلا في حال كان جزءًا من رأس حربي أو وحدة دفع مخزنة مع مكونات أخرى قابلة للانفجار.
عادة ما تحتوي الرؤوس الحربية الباليستية مركبات مثل HMX (Octogen) أو RDX (Cyclonite) وهي مواد شديدة الحساسية، تنفجر وتنتشر بسرعات تزيد عن 1000 متر في الثانية، وتنتج حرارة وكثافة لهب شديدة جدًا، مع بصمة صوتية حادة، ولهب أبيض-برتقالي مكثف، تمامًا كما ظهر في الفيديو المرفق، بعكس نترات الأمونيوم التي تنتج سحب دخان بنية أو رمادية، ولا تعطي كرة لهب بهذا الشكل.
لقطات شاشة تُبرز تصاعد الدخان قبل وبعد الانفجار
تُظهرالصور بوضوح تصاعد دخان أبيض كثيف قبيل الانفجار، وهو ما قد يشير إلى بداية تسرب حراري أو اشتعال تدريجي لمواد دافعة أو شحنات أولية داخل الرأس الحربي. الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية تحتوي عادة على شحنات شديدة الانفجار مثل TNT أو HMX أو RDX، والتي يمكن أن تتعرض لحالة "الانتقال من الاشتعال إلى الانفجار (DDT)" إذا سُخنت تدريجيًا، خصوصًا في بيئات تخزين سيئة التهوية.
بعض المؤشرات البصرية (مثل السحابة المشرومية واللون الأبيض/الرمادي) قد تتشابه مع انفجارات نترات الأمونيوم، لكن هذه المؤشرات وحدها لا تكفي للفصل القطعي، خاصة إذا كان الطيف الصوتي لا يتطابق مع نمط نترات الأمونيوم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه التقديرات مبنية على تحليل بصري وصوتي للمعلومات والصور المتاحة، وهي تقديرات علمية مرجحة وليست بديلاً عن القياسات الميدانية المباشرة التي تعتمدها فرق التحقيق المتخصصة.
يتكامل نفي فرضية الهجوم الخارجي مع باقي الأدلة التي تدعم وقوع الانفجار نتيجة تفاعل داخلي، ليظهر هذا النفي ليس كإضافة معزولة، بل كعنصر يعزّز فهم تسلسل الحادثة ومسؤولياتها، ففي ضوء جميع المؤشرات الفنية والمرئية والصوتية، فإن فرضية الهجوم الخارجي تصبح غير مدعومة بأي دليل موضوعي، إذ لا يوجد ما يربط الانفجار بأثر صاروخي أو جوي، سواء في الشكل أو السلوك أو التوقيت. بالمقابل، فإن جميع المعطيات تتسق لتشير إلى انفجار داخلي ناتج عن تفاعل غير متحكم به داخل مستودع، يحتمل أنه كان يحتوي على مواد متفجرة أو ذخائر غير مؤمنة بالشكل الكافي.
في اللحظات التي أعقبت الانفجار، اتسم تعامل جماعة الحوثي بفرض طوق أمني مشدد، ومنع الوصول إلى موقع الحادثة، مع غياب أي بيان رسمي يوضح ملابسات ما جرى، وقد اتسع الصمت في محيط الحادثة بقدر ما اتسع الدمار، وظلت التفاصيل حبيسة الجدران التي لفها التعتيم الأمني والإعلامي.
في هذا السياق، وثق المركز الأمريكي للعدالة فرض قوات الحوثي طوق أمني مشدد حول موقع الانفجار، وامتد هذا الطوق من منطقة الملكة في بني حشيش إلى مستشفى زايد. وأكد المركز أن الوصول إلى المنطقة مُنِعَ على وسائل الإعلام وفرق الإغاثة الإنسانية.
رصد المركز نشر أفراد مسلحين من جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والذين جاءوا من معسكر صرف العسكري. وتم دعمهم بتعزيزات إضافية من كلية الهندسة العسكرية لتأمين المنطقة، وهو ما أكده المصدر أونلاين من أن الجماعة استحدثت نقاطًا عسكرية في مداخل صرف والشوارع الفرعية، ومنعت أقارب الضحايا من الوصول إلى المنطقة. كما أفاد الناشط أحمد الأشول بأن المنطقة عُزلت بشكل كامل بسياج أمني، وتم تفتيش الأشخاص الداخلين والخارجين منها، عقب الانفجار.
برز في التعليقات -التي تم تحليلها عبر الذكاء الاصطناعي- هجوم منسق من حسابات يُعتقد أنها تابعة للذباب الإلكتروني، حيث سعى العديد منهم إلى التشكيك في حقيقة الحادثة أو التقليل من شأنها. ظهرت عدة محاولات لإنكار وقوع الانفجار من الأساس، إذ كتب بعض المعلقين أن "هذا الفيديو قديم" أو "لم نسمع أي انفجار"، بينما ذهب آخرون إلى الادعاء بأن ما حدث هو نتيجة قصف جوي خارجي، سواء من طيران التحالف أو من طائرات إسرائيلية أو أمريكية، في محاولة لتحويل الأنظار عن السبب الحقيقي للانفجار.
تكررت في التعليقات عبارات مثل "هذا قصف سعودي أيام الحرب"، أو "هذه غارة جوية واضحة"، وادعى البعض أن المقاطع المتداولة تعود لأحداث سابقة وليست مرتبطة بما جرى مؤخرًا. كما حاول بعضهم صرف النظر عن الحادثة بالقول إن الفيديوهات المنتشرة "مفبركة" أو "مصنع بلاستيك انفجر"، أو حتى "محطة غاز"، "اسطوانة غاز"، "إطار انفجر" "هذي غيوم يا ملاعين" "صواريخ اتجهت إلى البحر" "ماس كهربائي" في محاولة لإثارة الشكوك حول مصداقية الأخبار المتداولة.
إلى جانب ذلك، لوحظت موجة من التعليقات التي تهاجم من ينشر أي تفاصيل عن الحادثة، وتتهمهم بترويج الشائعات أو المبالغة. كما ظهرت محاولات لتوجيه النقاش نحو قضايا أخرى، مثل التركيز على أحداث غزة أو اتهام القنوات الإعلامية بتضخيم الأمور أو تزييف الحقائق. ولم يخلُ الأمر من تعليقات تسخر من الضحايا أو تبرر ما حدث، معتبرين أن وجود مخازن أسلحة بين الأحياء السكنية أمر عادي أو غير مستغرب في ظل الأوضاع الحالية.
لوحظ في التعليقات تصاعد الهجوم الشخصي الذي اتسم باتهامات مباشرة وتخوين واضح، حيث لجأ بعض المعلقين إلى وصف من يتحدث عن الحادثة أو ينشر تفاصيلها بعبارات مثل "مرتزقة"، "خونة"، و"عملاء" "صهيوني". لم تقتصر هذه الهجمات على التشكيك في الروايات أو إنكار الحادثة، بل امتدت لتشمل الإساءة الشخصية والتقليل من شأن المتضررين أو من يحاول كشف الحقيقة. وظهرت تعليقات تتهم من يطالب بالمحاسبة أو يندد بتخزين الأسلحة بين الأحياء السكنية بأنهم "كلاب" أو حتى "منافقين"، في محاولة لإسكات الأصوات الناقدة وردع أي نقاش جاد حول أسباب الكارثة. كما استخدم البعض لغة استهزاء وسخرية تجاه منتقدي جماعة الحوثي، في مشهد يكشف عن محاولات منظمة لتشويه صورة المنتقدين وشيطنتهم بدلًا من مناقشة جوهر المشكلة.
هذه الحملة المنظمة من الإنكار والتشكيك، إلى جانب محاولات تبرير الحادثة أو نسبها إلى قوى خارجية، عكست رغبة واضحة في التغطية على الكارثة وحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية، مع استمرار حالة من التعتيم الإعلامي الرسمي حول تفاصيل ما جرى.
في قلب هذا الانفجار، لا تقتصر الأسئلة على كيفية وقوعه، بل تمتد لتطاول حدود المسؤولية عن تخزين الأسلحة والذخائر وسط منطقة سكنية مكتظة. هنا، تتلاقى وقائع الانفجار مع أحكام القانون الدولي التي تفرض التزامات واضحة لحماية المدنيين، لتظهر المسؤولية الجنائية كحقيقة لا يمكن تجاهلها أو إسقاطها بمرور الوقت.
تُعدّ حادثة انفجار مستودع الأسلحة في حي سكني مكتظ بمدينة صنعاء في 22 مايو 2025، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 150 مدنيًا، من الوقائع التي تنطوي على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وتستدعي مساءلة جنائية واضحة، فالقانون الدولي الإنساني يُلزم الأطراف المشاركة في النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غير دولية، باحترام مبدأي التمييز والتناسب، ومنع تعريض السكان المدنيين للأذى.
وفقاً للمختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان، المعتصم الكيلاني، الذي صرح لمنظمة سام، فإن بصفتها طرفاً غير حكومي في نزاع مسلح غير دولي، فإن جماعة الحوثي تخضع لأحكام القانون الدولي الإنساني، وهذا يشمل أحكاماً من أبرزها المادة 13 من البروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف (1977)، التي تنص على ضرورة حماية السكان المدنيين من أخطار العمليات الحربية، وعدم استهدافهم، كما يُحظر الأعمال أو التهديدات الموجهة أساساً لبث الذعر بينهم.
إضافة إلى ذلك، تُلزم المادة 58 من البروتوكول الأول الإضافي الأطراف في النزاع باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين. ومن بين هذه الاحتياطات، تجنب وضع الأهداف العسكرية ضمن أو قرب مناطق ذات كثافة سكانية مدنية، ونقل هذه الأهداف العسكرية بعيداً عن التجمعات السكانية. وفي سياق مسؤولياتها القانونية، يُعتبر القانون الدولي، وتحديداً المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، أن استخدام المدنيين كدروع بشرية، أو تخزين أسلحة ومتفجرات وسطهم بطريقة تعرضهم للخطر، من جرائم الحرب، طبقًا للكيلاني.
ويشير الخبير القانوني الكيلاني إلى أن قيام الجماعة بتخزين أسلحة ومتفجرات في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين يُعد انتهاكاً صارخاً لمبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ويُحمّلها مسؤولية مباشرة عن الأضرار والضحايا الناتجين عن هذا التخزين، ويلفت أيضاً إلى عدم اتخاذ الجماعة أي تدابير وقائية لحماية المدنيين، مثل عدم بذل جهود لنقل المواد المتفجرة إلى مناطق آمنة بعيدة عن المدنيين، مما يُشكل إخلالاً بالتزاماتها القانونية كطرف مسلح غير دولي، وينوه الكيلاني إلى أن فرض تعتيم إعلامي ومنع التوثيق للواقعة يُعزز من شبهة المسؤولية الجنائية.
يضيف الكيلاني: بناءً على ما سبق، تتحمل جماعة الحوثي المسؤولية القانونية عن القتلى والجرحى المدنيين الذين سقطوا في هذا الانفجار، ويُمكن اعتبار هذا العمل جريمة حرب وفقًا لنظام روما الأساسي، كما أنه انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني يستوجب المساءلة.
تؤكد حادثة انفجار مستودع الأسلحة في حي صرف بصنعاء على خطورة استمرار ظاهرة تخزين الأسلحة داخل المناطق السكنية المأهولة، وما يترتب عليها من تهديد مباشر لحياة المدنيين وممتلكاتهم. تُظهر الأدلة والتحليلات الواردة في التقرير أن هذه الممارسة تشكل انتهاكًا صارخًا لمبدأ التمييز وحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
تُبرز الحادثة حجم المعاناة التي يتكبدها المدنيون في ظل النزاعات المسلحة، عندما تتحول أحياؤهم إلى مخازن أسلحة ومناطق خطرة دون أي اعتبارات لحياتهم أو سلامتهم، في ظل إصرار الأطراف المسلحة على تجاهل قواعد القانون الدولي الإنساني، وتحويل مناطق سكنية إلى أهداف عسكرية، وهو ما يفاقم من هشاشة المدنيين ويساهم في استمرار دوامة العنف.
يدعو هذا التقرير المجتمع الدولي إلى تبني إجراءات فعالة للتحقيق في حادثة الانفجار وتحديد المسؤوليات بدقة، بما يضمن مساءلة الجهات المتورطة وفق القانون الدولي الإنساني. من الضروري العمل على تشكيل لجنة تحقيق دولية أو بعثة تقصي حقائق مستقلة قادرة على الوصول إلى الأدلة الميدانية وتوثيقها، بهدف ضمان العدالة ومنع الإفلات من العقاب.
كما يحث التقرير سلطات الأمر الواقع في صنعاء على اتخاذ خطوات فورية وشفافة لنقل الأسلحة والذخائر من المناطق السكنية المأهولة إلى مواقع آمنة بعيدة عن المدنيين، وإلغاء أي ممارسات تعرض حياة السكان للخطر.
يدعو التقرير أيضًا وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى توثيق شامل ومستمر لجميع حوادث الانفجارات في المناطق المدنية، بما يعزز قاعدة البيانات حول هذه الانتهاكات ويهيئ لمحاسبة قانونية فعالة. وأخيرًا، يشدد التقرير على أهمية تقديم دعم نفسي واجتماعي ومادي للضحايا وعائلاتهم، لتعزيز قدرتهم على التعافي وتجاوز آثار هذه الكارثة.
كل ما ورد في هذا التقرير من معلومات وتقديرات يستند إلى شهادات الشهود، والبيانات المتوفرة، والتحليلات الفنية والمرئية التي أُجريت، إلا أن هذه المعطيات تبقى ضمن إطار التقديرات التقريبية وليست حقائق مطلقة. طبيعة الأحداث التي وقعت في سياق أمني متوتر وظروف ميدانية صعبة قد تؤثر على دقة بعض الأرقام والتفاصيل الواردة، وهو ما يستدعي دائمًا التعامل مع هذه البيانات كمدخل لفهم حجم الكارثة وتداعياتها، دون اعتبارها نتائج نهائية أو دامغة. في النهاية، تظل الغاية من هذا التقرير تسليط الضوء على وقائع الحادثة بقدر ما تسمح به الأدلة المتاحة، وفتح المجال لمزيد من البحث والتوثيق المستقل في المستقبل.