“أعراس آل عفاش في الخارج.. مشاهد بذخ تكشف انفصال النخبة عن واقع اليمن المنهار

آب/أغسطس 12, 2025

بين كل فترة وأخرى، تتكرر في عواصم عربية مشاهد لأعراس فاخرة لأبناء مسؤولين وقادة سياسيين يمنيين، بينما يعيش الملايين من أبناء بلدهم على حافة المجاعة منذ أكثر من عشر سنوات، في مشهد يراه مراقبون بأنّه تلخيص مكثّف لحجم الفجوة بين المسؤولين وعامة الشعب.

فبعد أشهر قليلة من الضجة التي أثارها حفل زفاف نجل القيادي الناصري ووزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي في القاهرة، والذي امتلأت به مواقع التواصل الاجتماعي، تكرر المشهد قبل بضعة أسابيع في الرياض مع حفل زفاف نجل القيادي في حزب الإصلاح عبدالرزاق الهجري، بحضور عدد من الشخصيات السياسية البارزة.

وخلال الأيام الماضية، تناقلت الأخبار عن حفل زفاف باذخ في القاهرة يجمع نجل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، صخر، مع آخرين من أسرة دويد والقاضي، وسط تغطيات واسعة من الحاضرين والمقربين.

هذه الحفلات لا تبدو مجرد مناسبات اجتماعية عائلية، بل تحوّلت إلى ملتقيات لقيادات سياسية طالما فرقتها جبهات القتال، وجمعتها للمفارقة قاعات الأفراح في الخارج، لتؤكد أنّ خصوم الأمس يلتقون حول موائد الطعام والأنوار المبهرة، بينما في الداخل تلتقي معاناة ملايين اليمنيين عند أبواب الإغاثة.

مناسبات اجتماعية أم أبعاد سياسية؟

يؤكد مراقبون أنّ مظاهر البذخ في تلك المناسبات تُظهر قيادات الحكومة الشرعية وكأنها تعيش في عالم موازٍ، لا تصل إليه أصوات الأمهات اللواتي يبحثن عن كسرة خبز، ولا صور الأطفال الذين ينامون جوعى. فبينما يواجه اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق تصنيفات الأمم المتحدة، يواصل بعض قادته إرسال رسائل معاكسة تمامًا: نحن بخير، نملك الوقت والمال، ونحتفل كما لو أنّ الحرب لم تدمّر كل شيء.

السؤال الذي يفرض نفسه: ما هو الشعور الذي ينتاب هؤلاء وهم يقيمون هذه الحفلات في وقت تتفاقم فيه معاناة مواطنيهم؟ وهل هذه اللقاءات هي فعلًا مناسبات اجتماعية بريئة، أم أنّها تحمل أبعادًا سياسية غير معلنة، باعتبارها تجمع أطرافًا لم تفلح جولات الحوار الرسمية في جمعهم؟

مهما كانت الإجابات، يبقى المشهد صادمًا لليمنيين في الداخل؛ إذ يكرّس الانطباع بأنّ الطبقة السياسية التي تقود البلاد منذ سنوات الحرب، اختارت العيش في عزلة تامة عن شعبها، تاركةً له نصيبه من المعاناة، ومحتفظةً لنفسها بترف الاحتفال في قصور الفنادق الفاخرة.

سخرية واسعة

وسخر ناشطون وإعلاميون يمنيون من مشاهد الأعراس الباذخة التي يقيمها بعض المسؤولين اليمنيين في الخارج، معتبرين أنّها تعكس حالة الانفصام بين حياة الرفاهية التي يعيشها القادة وحياة الفقر والمعاناة التي يرزح تحتها غالبية اليمنيين في الداخل، مؤكدين أنّ هذه المظاهر ليست سوى امتداد لثقافة التفاخر على حساب المال العام، فيما تتوارى الأولويات الوطنية الملحّة خلف أضواء القاعات وصخب الولائم.

ورأى ناشطون أنّ هذه التجمعات، مهما زخرت بالوجوه والشخصيات، تبقى لحظات عابرة لا تعكس وحدة الصف أو صدق النوايا في خدمة الوطن، بل هي تكرار لمشاهد الولائم التي اعتاد عليها البعض حتى في أحلك ظروف البلاد، فيما ذهب آخرون إلى القول إنّ القادة الذين عجزوا عن الاجتماع في ميادين المواجهة ضد الحوثيين، توحّدوا اليوم في صالات الأعراس، وكأنها هي الميدان الأهم في معركتهم.

كما تساءل بعضهم عن مصادر الأموال التي تُهدر في هذه المناسبات، في ظل رواتب ومخصصات رسمية لا تكفي لتغطية جزء من هذا البذخ، معتبرين أنّ الفجوة الطبقية بين المسؤولين والشعب ستظل قائمة ما دام اليمنيون يتقبلون هذا الواقع ولا يحاسبون من يحكمهم. وشددوا على أنّ التغيير الحقيقي يبدأ من وعي الناس بحقوقهم ورفضهم للهيمنة التي تفرضها هذه الطبقة السياسية المترفة، حسب وصفهم.

وحدة صفوف الأعراس

وفي هذا السياق، أكد الإعلامي اليمني بشير الحارثي أنّ أي اجتماع أو لقاء لا قيمة له إذا لم تكن النوايا صادقة ومتجاوزة لأحقاد الماضي، مع ضرورة فتح صفحة جديدة لتحقيق وحدة الهدف والعمل من أجل لمّ الشمل والتوجّه نحو صنعاء.

وأضاف في منشور على صفحته في “الفيس بوك”، أنّ الصور التي تُلتقط في المناسبات، سواء كانت أفراحًا أو أحزانًا، تبقى لحظات عابرة لا تتجاوز حدود الزمن الذي التقطت فيه، وهي ظاهرة مألوفة حتى في أحرج لحظات الخصومة بين اليمنيين.

بدوره، تمنّى الناشط والإعلامي اليمني خليل العمري، أن جميع القوى السياسية اليمنية اتّحدت في صنعاء قبل إسقاطها في يد الحوثيين، مؤكدًا أنّ وحدة الصف اليمني اليوم ليست خيارًا بل قدرٌ لا مفر منه، لأنّ اليمن لا يليق به إلا الكرامة والنصر، وليس بهؤلاء الذين حوّلوا الوطن إلى صالات أعراس متنقلة في مدن مختلفة خارج البلاد.

فيما سخر المهندس محمد المحيميد من هذه التجمعات، قائلًا: “الدولة امتلكها الحوثي وترك لكم التفاخر بحفلات الأعراس في الخارج وحشود الجنائز في الداخل”، بدوره عبّر الصحفي كمال حيدرة عن موقف ساخر مختصر، قائلًا: “وحدة صف الأعراس.. دام الله سروركم”.

استعراضات السلطة الفارغة

من جهته، أشار الكاتب صالح الحقب إلى زحام الحضور في حفلة زفاف أولاد علي صالح ودويد والقاضي، واصفًا إياهم بأنّهم زحام موائد وضمائر ميتة، معبّرًا عن احترامه للوفاء لكنّه نبّه إلى أنّ هؤلاء لا يمثلون إلا فراغًا وقيمة مفقودة.

ووجّه صالح الحقب نصيحة بعدم الانخداع بالوهم، داعيًا إلى الابتعاد عن السلطة والتركيز على حياة هادئة وبنّاءة بعيدًا عن استعراضات السلطة الفارغة، حسب وصفه.

وأكد السياسي محمد سعيد الشرعبي أنّ الصداقة الحقيقية والولاء الحقيقي يظهران في لحظات الشدّة والمعارك، وليس في موائد الولائم، مشيرًا إلى أنّ جمهور الولائم والنخب التي تتجمع في الأعراس ليست لها تأثير حقيقي على المعارك التي يخوضها اليمنيون، فقد غابوا حين كانت البلاد في أمس الحاجة إليهم.

تناقضات الواقع

وفي ذات السياق، سخر الناشط توفيق السامعي من مشايخ الطوق الذين سلّموا رأس علي عبدالله صالح للحوثي ثم تنافسوا على موائد أفراح أبنائه، معبّرًا بذلك عن تناقضات الواقع السياسي والاجتماعي.

أما الصحفي حمود هزاع، فقد قدّم قراءة نقدية لأعراس المسؤولين اليمنيين الباذخة، متسائلًا عن مصادر الأموال التي تُبذّر في حفلات الزفاف، وموضحًا الفجوة الطبقية الشاسعة بين حياة المسؤولين المرفهة وحياة الشعب اليمني التي تتسم بالمعاناة والفقر.

وأكد هزاع في صفحته على “الفيس بوك”، أنّ إنفاق المسؤولين على أنفسهم وأبنائهم وأقاربهم يفوق الحدود، وأنّ كل هذه الأمور تتناقض مع واقع الشعب، مؤكدًا أنّ التفاوت الطبقي سيستمر طالما ظل اليمنيون يتقبلون هذه الحال.

أزمة ثقة عميقة

من ناحيته، قال الناشط والإعلامي اليمني أحمد الأشول إنّ السياسيين اليمنيين لو توحّدوا وقرّروا في عام 2011 إقامة أعراسهم في صنعاء، لكانت المدينة آنذاك تعج بالسيارات الفارهة والأطقم والشاصات والمرافقين، إلى جانب القبائل المنتشرة في كل مكان.

وأضاف، كانت الشوارع تُغلق بالكامل من أجل هذه المناسبات، والمرور يوقف نصف صنعاء، والمسؤولون يتهافتون لتقديم الولاءات، والتجار يقفون في الصفوف الأولى لالتقاط الصور، فيما كان بعض الأشخاص يوزّعون الماء والديلسي عند أبواب القاعات؛ لكن في النهاية، هذه الاحتفالات لم تُحدث أي تغيير يُذكر، وشلها ذي ما دخل بالحسبة، في إشارة إلى الحوثيين.

وهكذا، ستظل مظاهر البذخ والاستعراض في أعراس المسؤولين اليمنيين بالخارج مرآة حقيقية للانفصال الكبير بين طبقة المسؤولين ومعاناة الشعب، ما يعكس أزمة ثقة عميقة ويزيد الهوة بين الواقع الوطني والطموحات المعلنة.

وبينما يغرق المواطن العادي في صراعات الحياة اليومية، يستمر البعض من المسؤولين في استثمار المال العام للتباهي والتفاخر، مما يطرح تساؤلات جدية حول مصير اليمن ومستقبله، إذ لا يمكن لليمن أن ينتصر أو يتقدّم إلا عندما تعود النوايا صادقة، ويضع الجميع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.


المصدر: تلفزيون بلقيس

Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro