نقص التمويل
تُبرّر داليا سعيد، محامية ومؤسِّسة مبادرة عون، موقف المفوضية من عدم استجابتها لحالات العنف الرقمي إلى كثرة الأعداد التي تحتاج إلى الدعم والمساعدة. تشاركها الرأي ذاته المحامية سهام علي، فتؤكد أن المفوضية تعاني ضغطاً كبيراً، ولا تمتلك القدرة المادية أو عدد الموظفين القادر على توفير الدعم لكل الحالات؛ لذا تقدم الحماية للحالات الحرجة، والتي ليس من ضمنها غالباً العنف الرقمي.
وتشير سهام إلى أنه قبل أزمة التمويل كانت المفوضية تقدم للاجئين خدمات الحماية، عبر تأجير شقة جديدة لهم وتتولى دفع الإيجار عنهم لمدة ثلاثة أشهر، لكن الآن لا تُعطي سوى إيجار شهر واحد من دون أيّ مصاريف إضافية للانتقال أو نقل العفش أو دفع مستحقات السماسرة.
وتواجه مفوضية اللاجئين في مصر نقصاً في التمويل يقدر بنحو 63 في المئة من الميزانية المطلوبة لتقديم خدماتها؛ إذ تحتاج المفوضية إلى 137 مليوناً و700 ألف دولار أميركي، لم يتوفر منها سوى نحو 51 مليون دولار. وبينما يحتاج قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى تمويل يبلغ 13 مليوناً و900 ألف دولار، لا يتوفر سوى 20 في المئة من هذا المبلغ؛ أي ما يقدر بمليونين و800 ألف دولار فقط.
ولم تتلقَّ سبع من أصل ثماني مؤسسات معنية بتقديم خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، على رأسها هيئة كير الدولية، التمويل المطلوب لتقديم خدماتها، في حين حصلت مفوضية اللاجئين على تمويل قدره مليون و700 ألف دولار، من إجمالي دعم بنحو مليون و600 ألف دولار مطلوب لتقديم خدماتها في الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بنسبة تتجاوز 109 في المئة.
كما لم تحصل أيضاً المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (الشريك القانوني للمفوضية)، على أي نسبة من التمويل المطلوب لتقديم خدمات الحماية بشكل عام للاجئين في مصر، في حين بلغ التمويل الذي حصلت عليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في قطاع خدمات الحماية العام تسعة ملايين و200 ألف دولار، من أصل 17 مليون و600 ألف دولار بنسبة تخطت 50 في المئة من إجمالي التمويل المطلوب.
ومع ذلك، لا ترى شيماء سامي، مؤسِّسة مبادرة مدد لدعم اللاجئين، أن نقص التمويل سبب كافٍ لعدم تقديم الدعم للاجئات، مشيرة إلى أن اللاجئة حين تتواصل مع المفوضية أو المنظمات الشريكة، لا تتلقى في كثير من الأحيان أي رد على اتصالاتها، فضلاً عن عدم حصولها على المساعدة. وتؤكد أن عبء نقص التمويل لا ينبغي أن تتحمله اللاجئة، بل يقع على عاتق المفوضية إيجاد حلول بديلة لمعالجة هذا القصور.
ورغم تبرير سهام علي، محامية سودانية، موقف المفوضية في التعامل مع حالات العنف الرقمي، تستدرك قائلة: "المفوضية مقصرة في التعامل مع حالات العنف الرقمي"، مؤكدة أن المفوضية عاجزة عن تقديم الحماية، خاصة في ظل ضعف قدرات موظفيها.
يبلغ عدد موظفي مفوضية اللاجئين في مصر 356 موظفاً مصرياً، إضافة إلى 35 موظفاً من جنسيات أخرى، بإجمالي عدد موظفين يبلغ 391 موظفاً يخدمون مليوناً و69 ألفاً و155 لاجئاً وطالب لجوء، مسجلين لدى المفوضية في مصر؛ ما يعني أن موظفاً واحداً يخدم نحو ألفين و700 لاجئ.
تقترح مؤسسة مبادرة عون، أن توسع مفوضية اللاجئين تعاونها مع المبادرات والمنظمات المستقلة التي تقدم دعماً في العنف الرقمي ، بدلاً من حصر الخدمة على المنظمات الشريكة.
تسبّب تجاهل مفوضية اللاجئين والمنظمات الشريكة لحالة أمينة في اضطرارها إلى ترك عملها في رسم الحنة والتجميل، كونه يعتمد بشكل أساسي على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي التي تعرضت للاختراق؛ ففقدت مصدر دخلها الأساسي، لتلجأ إلى العمل في الخدمة المنزلية.
تحصل أمينة من برنامج الغذاء العالمي على ثلاثة آلاف جنيه مصري (63.09 دولار أميركي حتى سعر الصرف في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2025)؛ وهو رقم يعادل تكلفة إيجار الشقة التي تسكن بها. وفي آخر شهرين تراكم عليها الإيجار، وأصبحت مطالبة بسداد ستة آلاف جنيه (126.18 دولار أميركي)، كما طالبها مالك العقار بسداد 800 جنيه (16.82 دولار أميركي) للكهرباء و700 جنيه مصري (14.72 دولار أميركي) للمياه.
تفاقمت الأمور لعدم قدرتها على دفع الإيجار وسداد مستحقات المياه والكهرباء، حتى اضطرت إلى مغادرة مكان إقامتها الحالي.
تحتاج أمينة إلى دعم نفسي لها ولأطفالها، الذين يعانون اضطرباً في النوم ويدخلون في نوبات بكاء، إضافة إلى دعم صحي لابنتها الكبرى التي تعاني تشنجات وتبولاً لا إرادياً وصعوبة في الكلام. وتأمل في أن تقيم بمكان آمن يحمي أطفالها من التهديد.
في ردها على ما واجهته أمينة من تجاهل لشكوها، تقول مفوضية اللاجئين إنها تتعامل بجدّية مع كل البلاغات التي تقدمها النساء والفتيات اللاجئات؛ بما في ذلك حوادث التحرش أو العنف الرقمي، مؤكدة على أنها ليست جهة مختصة بتنفيذ القانون ولا تمتلك صلاحية التحقيق في الجرائم أو ملاحقة مرتكبيها. ومع ذلك، فهي تحرص على إبلاغ الناجيات بحقوقهن القانونية وكيفية الوصول إليها.
وتُشير المفوضية إلى أن التحرش عبر الإنترنت وغيره من أشكال العنف الرقمي يُعدّ جرائم يعاقب عليها القانون المصري، وتدعم المفوضية الناجيات من اللاجئات الراغبات في تقديم بلاغات للشرطة واتخاذ الإجراءات القانونية، وذلك من خلال خدمات إدارة الحالة والمساعدة القانونية. وتبقى السلطات الحكومية، في إطار ولايتها القضائية وأنظمة تطبيق القانون، هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالتحقيق في هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها، واتخاذِ الإجراءات القانونية المناسبة، وتحتفظ بالسلطة الكاملة لتحديد كيفية التعامل مع كل حالة.
وتضيف المفوضية أنها تدرك حجم المخاطر المتزايدة التي يواجهها اللاجئون وطالبو اللجوء، وتقدّم للناجيات، اللواتي يبلّغن عن مثل هذه الحوادث، خدمات إدارة حالة سرية ودعماً نفسياً واجتماعياً، وخطط أمان شخصية. كما تحصل الناجيات على مساعدة في فهم الخيارات القانونية، ومتابعة الإجراءات الإدارية والقضائية، وضمان الحصول على الوثائق اللازمة التي تثبت وضعهن القانوني وحقوقهن، مشيرة إلى أن الشركاء القانونيين للمفوضية يقدمون عيادات قانونية، وينظمون جلسات نصف شهرية، ويقدمون دعماً متخصصاً للناجيات من التحرش الإلكتروني، بما يضمن تمكّنهن من متابعة الإجراءات القانونية والوصول إلى خدمات الحماية المناسبة.
وبشأن الصراع في السودان، تقول المفوضية: "منذ اندلاع الصراع في السودان عام 2023، شهدت مصر تدفقاً غير مسبوق للأشخاص الفارين من بلادهم؛ فقد سجّلت المفوضية في مصر أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء من جنسيات مختلفة. ووفقاً للأرقام التي أصدرتها الحكومة، يُقدّر عدد السودانيين الذين لجأوا إلى مصر خلال هذه الفترة بنحو 1.5 مليون شخص. وعلى الرغم من أن العديد منهم يعيشون في ظروف اللجوء (أشبه بظروف اللجوء)، لم يتقدم جميعهم للتسجيل لدى المفوضية. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من وجودهم في أوضاع شديدة الهشاشة، لا تستطيع المفوضية تقديم كل خدمات الحماية والدعم لهم. وتعمل المفوضية على تعزيز التواصل والتوعية مع المجتمعات لتوضيح أهمية الحماية الدولية وأن التسجيل لدى المفوضية هو الخطوة الأولى للوصول إلى الدعم".
وأقرت المفوضية بوجود قصور في خدمات الحماية، أرجعته إلى نقص التمويل، الذي شكّل ضغطاً على عمليات المفوضية وشركائها؛ فلا تستطيع الخدمات المتاحة في مجال الحماية، بما في ذلك إدارة الحالة، تلبية كل الاحتياجات؛ ولذلك تُمنح الأولوية للحالات التي تواجه تهديدات فورية لسلامتها. وأكدت أن هذا النهج يسري على كل الفئات التي تحتاج إلى الحماية، وليس فقط الحالات المتعلقة بالعنف الرقمي، ما يعكس حرص المفوضية على ضمان حصول الأكثر عرضة للخطر على الدعم المنقذ للحياة، وفي الوقت المناسب.
وتدرك المفوضية أن النساء والفتيات اللاجئات قد يواجهن عقبات في الوصول إلى المساعدة، بما في ذلك صعوبة الاتصال خلال أوقات الذروة أو غياب الوثائق اللازمة لاتخاذ الإجراءات القانونية. وتقرّ المفوضية بأهمية التصدي للعنف الرقمي، موضحة أنها تلتزم بمواصلة تعزيز التواصل والتوعية لضمان معرفة الناجيات بأن هذه الخدمات متاحة ويمكن الوصول إليها بأمان.
واختتمت المفوضية ردها على "أريج" بأنها "تستمر في تنفيذ دورها المحوري في تسهيل الوصول إلى العدالة من خلال شركائها القانونيين، وتقديم الدعم الشامل الذي يشمل الإرشاد القانوني، والمساعدة على تقديم البلاغات، وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، إلى جانب ضمان إتاحة المعلومات الأساسية للاجئين بشأن خدمات المفوضية وكيفية طلب المساعدة، وتوفير هذه المعلومات عبر موقع المساعدة التابع لمفوضية اللاجئين في مصر، والمتاح عبر الإنترنت".
وبين نقص التمويل المخصص للحماية وتعقيدات الوصول للعدالة، تظل أمينة وأطفالها ضحية قصور الخدمات، ولا تتمنى سوى أن يعيش أطفالها في أمان، معربة عما يجيش بصدرها بالقول: "أنا بس محتاجة الأمان لأولادي".