يقول الحمري إنه يعمل في مجال البناء في تقطيع الأحجار وهي مهنة متعبة تتطلب جهدا بدنيا شاقا وخبرة وتجربة وتركيزا، حيث يظل منحنيا طوال ساعات العمل التي تصل إلى 8 ساعات مقسمة على فترتين صباحية ومسائية.
يجني هذا العامل نحو 4 آلاف ريال يمني (4.5 دولارات) في عمل يومي لا يناسب سنه، لكن دافع مكافحة العوز والفقر والجوع يقوي عزيمته، مشيرا إلى أن أكبر أبنائه في السنة الثانية بالجامعة وليس جاهزاً بعد ليقوم بمهام والده المسن أو المساعدة في التخفيف عنه.
وزاد الصراع الدائر في اليمن من توسع فجوة سوق العمل، كما تسببت في تشوه تركيبة طالبي العمل، لينضم كبار السن الذين تصل أعمارهم إلى السبعين وكذلك الأطفال إلى طابور الباحثين عن الرزق.
الحاج غالب 72 عاماً، يعمل بمساعدة ابنه في بيع الوقود بالسوق السوداء في أحد شوارع صنعاء والبقاء لساعات طويلة بين عبوات البنزين متنوعة الأحجام. ومؤخراً لم يستطع غالب الوقوف على قدميه للعمل، إذ يبدو عليه الإنهاك الشديد وعدم التركيز والذي يرده خبراء ومختصون إلى روائح البنزين التي يستنشقها لفترات طويلة.
يما يقف محمد الشرعبي " 70" عاماً لساعات طويلة مقسمة على ثلاث فترات في أحد المخابز التي يعمل بها، وفق حديثة، لافتا إلى أن الحرب تسببت في استمراره بالعمل لهذا السن نظراً لحاجة أسرته إلى أكثر من عائل بسبب كثرة احتياجاتها حيث لديه ثلاثة أبناء يدرسون في الجامعات وأربعة في التعليم الأساسي في ظل ارتفاع تكاليف الحياة المعيشية بينما توقفت مصادر الدخل التي كانت متاحة قبل الحرب.
وبينما اتسعت عمالة كبار السن في المدن، إلا أن الوضع في المناطق الريفية جاء أكثر قسوة حيث يزداد الفقر، وفق التقرير الاقتصادي للعام 2019-2020 الصادر حديثا عن وحدة الدراسات والتوقعات الاقتصادية التابعة لوزارة التخطيط.
ووفق التقرير فإن 84% من الفقراء في اليمن يعيشون في المناطق الريفية، ويلعب القطاع الزراعي دوراً أساسياً في الاقتصاد اليمني، حيث يرتبط فيه ما يقرب من 73% من السكان ويوظف ما يقارب 54% من القوة العاملة.
ويرى علي سيف كليب، عضو المرصد الاقتصادي اليمني، في حديث ، أن توجه فئة واسعة من كبار السن للعمل، يأتي بسبب توقف رواتب ومعاشات الكثيرين، فضلاً عن استهداف أطراف الصراع لأرزاق اليمنيين، حيث نالت الحرب من المصانع ومنشاّت الأعمال الخدمية وألحقت دماراً واسعاً في البنية التحتية، ما ادى إلى وقوع أزمة إنسانية كارثية.
وكانت منظمات أممية قد أطلقت مؤخرا تحذيرات من تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات وتفاقم معدلات الجوع بصورة كارثية تطاول جميع المناطق اليمنية. وتتزايد الأزمات مع المستويات القياسية المسجلة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة. ونالت المناطق والمحافظات التي دارت فيها الحرب، والمناطق التي استقبلت ملايين النازحين، النصيب الأكبر من المعاناة الإنسانية.