وفي كل مرّة، تبرز جهود الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن للتخفيف من المعاناة الإنسانية في البلاد جراء الحرب، تتوجّه أنظار سكان مدينة تعز إلى ما ستسفر عنه هذه الجهود، وسرعان ما يصابون بخيبة أمل لتجاهل الأمم المتحدة معاناتهم وتعنت الحوثيين في المقابل وعرقلتها لكل اتفاق.
في 1 أبريل/نيسان الجاري، أعلن المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانز جروندبرج، استجابة أطراف النزاع بشكل إيجابي لمقترح الأمم المتحدة بشأن هدنة لمدة شهرين، دخلت حيّز التنفيذ في اليوم التالي.
وتضمّن بيان المبعوث الأممي اتفاقا على دخول سفن الوقود إلى موانئ الحديدة، وتسيير رحلات تجارية من وإلى مطار صنعاء، وعن أكبر معاناة إنسانية في اليمن المتمثلة بحصار مدينة تعز اكتفى البيان بالإشارة إلى دعوة طرفي الحرب إلى الاجتماع برعاية أممية من أجل الاتفاق على فتح الطرق.
تعز تايم يفتح ملف المعابر ويتحدث إلى نخبة من أبناء تعز في بداية الأمر لمعرفة رأيهم بهذه القضية وكيف ينظرون لأبعاد المشكلة
عقاب جماعي
يصف رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، حصار تعز بأنه "عقاب جماعي، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان أمام مرأى العالم وأمام كل الأطراف، التي يفترض أن ترفع صوتها للمطالبة بوقف هذا الانتهاك ضد ملايين المواطنين في تعز، الذين يتكبدون عناء السفر والتنقل، وارتفاع الأسعار بشكل مضاعف، بسبب صعوبة وصول المنتجات إلى المدينة عبر طرق فرعية وعرة".
ويشير نصر، في حديثه لـ"تعز تايم"، إلى أن "قضية حصار تعز لم تواجه باهتمامٍ كافٍ من قِبل النخب اليمنية، والمنظمات الدولية، والدول المؤثرة في اليمن، وفي كل الاتفاقيات يتم تجاهل أو تأجيل ملف تعز لنقاشات لا تصل إلى نتيجة، رغم أنه أكبر مأساة إنسانية في اليمن، ولم يحدث في كل الاتفاقيات التي أُبرمت منذ اندلاع الحرب أن يتم التعامل مع ملف آخر بهذه الطريقة".
وعن فتح مطار صنعاء، يقول نصر: "إنه يجب النظر إلى ذلك من زاوية إنسانية، وهذا الأمر ينطبق على كل المطارات كمطار تعز والحديدة ومطار الريان، إلا أن هناك معاناة أكبر لسكان تعز جراء الحصار".
ويشير نصر إلى أن "جماعة الحوثي تجني من ميناء الحديدة ملياري ريال يوميا، كجمارك وضرائب، ما يعني أن ما يتعلق بهذا الجانب ليس إنسانيا فقط، وإنما هناك تنازلات حصل عليها الحوثيون، لكنهم في المقابل لم يقدّموا أي تنازل حتى على صعيد فتح الطرق للناس من أجل العبور".
الحقد على تعز
يقول المحلل السياسي مصطفى الجبزي: "إن للحوثي دوافع شخصية لحصار مدينة تعز، مصدرها حقد وعنصرية ضد من يرفض حكمه وتصوره السياسي والاجتماعي، ولهذا تعز تدفع الثمن".
وعن عدم تضمن الهدنة الأممية بشكل صريح رفع الحصار عن تعز، يقول الجبزي لـ"تعز تايم": "إنه ناتج عن تراجع تعز كقضية مركزية، بسبب أوضاعها الداخلية، وتشتت نخبها السياسية وقواها الاجتماعية".
وبحسب الجبزي فإنه بسبب عدم جديّة الشرعية في التعامل مع أوضاع تعز، تشتت ذهن الدبلوماسيات الدولية، وتركيزها على مواضيع تسعى من خلالها قطف نجاح مؤقت وسريع".
تجاهل متعمد:
الإعلامية اليمنية أسوان شاهر تقول: "لم يعد سراً اختيار الأمم المتحدة أن تكون جزءا أصيلا من لعبة تواطؤ المجتمع الدولي مع جماعة متمرّدة فرضت سلطتها بقوّة السلاح ضد إرادة كل مكوّنات الدولة اليمنية، وعن سبق إصرار وترصد تمارس لعبة الحياد السمجة بالتستر على جماعة الحوثي وجرائمها، وتبنّي مواقفها".
وتضيف شاهر، في حديثها لـ"تعز تايم": "الغريب أن فصل حصار تعز محذوف من سيناريو الحرب في نسخته الإنجليزية، برغم أنه الجزء الأكثر مأساوية، حيث يقضي الأطفال والنساء والشباب يوميا ضحايا القنص والقصف المباشر، عدا عمن يطحنهم الحصار ويحرمهم فرص النجاة، ومن تحصدهم الألغام، ومن تتلقفهم هيجة العبد، وغيرها من طرق الموت المجترحة كبدائل للحياة".
وتؤكد شاهر أن "ما جاء في مسرحية الهدنة الأخيرة يعد نسخة طبق الأصل من مطالب الحوثي المكررة، حيث يعرف أين يلتزم، وأين يتنصّل، وحيث لا عواقب لتلاعبه، والأبعد ما تكون عن احتياجات اليمنيين في الداخل المنهوبة رواتبهم، والمسلوبة إرادتهم، والخاضعين لسلطة طائفية تنهب حتى المساعدات، وتغذّي سجونها بمئات الآلاف من الرهائن، وتبيع ما تدّعي انعدامه في أسواقها السوداء، واستعادة الدولة وحدها كفيلة بحل الملف الإنساني، لا ترقيعه".
ضعف موقف الحكومة
الأكاديمية والناشطة الحقوقية د. ألفت الدبعي تفيد بأن "إصرار الحوثيين على عدم رفع الحصار على تعز يعود بدرجة أساسية إلى ضعف الحكومة في طرح قضية تعز، ورفع الحصار، والدليل الصيغة التي ذُكرت في الهدنة حول حصار تعز، والتي تعكس هذا الضعف في الموقف".
وتشير الدبعي، في حديثها لـ"تعز تايم"، إلى أن "موقف الحكومة إذا كان قويا في مطالب رفع الحصار عن تعز لما تجرأ الحوثي على الرفض، خاصة وأنه كان من قبل يقايض مطار صنعاء مقابل رفع حصار تعز".
وتضيف الدبعي: أن "مدى ضعف موقف الحكومة في طرح قضية حصار تعز بلغ حد عدم مطالبتها حتى الآن لمكتب المبعوث الأممي بالبدء في وضع الآلية التنفيذية لتطبيق الهدنة، فيما يخص فتح الطرق من وإلى تعز".
مخاوف الحوثيين
الناشطة الإنسانية حياة الذبحاني تؤكد "إن تجاهل الأمم المتحدة معاناة أبناء تعز منذ 7 سنوات يجعلها شريكا في حصار المدينة، وأن التقارير الأممية تخفي هذه المعاناة بسبب تأثير الحوثيين المتسللين عبر المنظمات".
وتؤكد الذبحاني لـ"تعز تايم" أن "الحوثي ينظر لرفع الحصار عن تعز بأنه إقرار بالهزيمة في هذه المدينة، التي راهن الحوثيون على اجتياحها في أسبوعين، فصمدت أكثر من سبع سنوات، وحطمت أحلامهم"، مشيرةً إلى أن "تعز تحمل مشروعا وطنيا كبيرا، سيقود كل اليمن للتخلص من قبح الحوثي، ودفن مشروعه للأبد".
لماذا تعز؟
يقول رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي: "إن حصار الحوثيين لتعز يعود لسببين، الأول أن تعز لا تشكّل حاضنة لهم، وبالتالي يراهنون -من خلال الحصار- على تحويل الضغط الشعبي ضد الحكومة والجيش، وحدوث انتفاضات تسهّل عودة جماعة الحوثي للسيطرة على تعز".
ويواصل الحميدي حديثه لـ"تعز تايم": "السبب الثاني لاستمرار حصار تعز أن الحوثيين يدركون أن الحركة بين المدينة والحوبان ستخرج هذه المناطق من أيديهم، وتضعف قبضتهم الأمنية، وسيطرتهم على الشركات التجارية، كما ستظهر بشكل أكبر معاناة الناس في مناطق سيطرتهم".
ويضيف الحميد: "جماعة الحوثي تريد أن تُبقى مدينة تعز مرهقة ومنشغلة بحاجاتها الأساسية، وليس بالتسليح، وعودة الحياة إلى المدينة، كما تخشى الجماعة أن تصبح تعز ملجأ لمعارضي الحوثيين، والفارين من انتهاكاتهم".