المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، أعلن، في الأول من الشهر الجاري، توصل أطراف النزاع في اليمن إلى اتفاق هدنة لمدة شهرين، لكنه أجّل مناقشة ملف حصار مدينة تعز وتداعياته الكارثية، ولم يفصح عن موقف أممي واضح، واكتفى بالقول إن أطراف الاتفاق وافقت على الاجتماع تحت رعايته لفتح الطُّرق في تعز، والمحافظات الأخرى.
وأثار الموقف الضبابي للمبعوث الأممي جدلاً واسعاً في أوساط الناشطين والمتابعين، وتسبب بخيبة أمل كبيرة بالنسبة لشريحة واسعة من سكان المدينة المحاصرة، الذين يكتوون يومياً بتبعات الحصار الحوثي الكارثية، الذي فاقم معاناتهم، وأحدث تدهورا مهولا في أوضاعهم المادية، والمعيشية، والإنسانية، والصحية، وغيرها.
وتغلق جماعة الحوثي، التي تسيطر على منافذ المدينة البرية منذ العام 2015، معظم الطُّرق الرئيسية، كما تمنع دخول المواد الغذائية والإغاثية والأدوية وغيرها، وتفرض قيوداً على تحرّكات المدنيين، وتحظر تنقلاتهم، ما أجبرهم على عبور طُرق بديلة جبلية طويلة وضيقة ووعرة وخطرة.
وتبدو رحلات المواطنين، المتنقلين من وإلى مدينة تعز، شبيهة بالمغامرة، وتستمر من 6 إلى 7 ساعات، يقطعون فيها قرابة 132 كيلو متراً، ويتعرّضون فيها للحوادث المرورية، والموت، والإصابة، في حين يتطلّب العبور في الطرق الرئيسية المغلقة من قِبل جماعة الحوثي قرابة 10 دقائق فقط.
-توقّعات ومواقف
في حين تتواصل معانات المواطنين، جراء إغلاق جماعة الحوثي معابر تعز وتتجه أنظارهم نحو فتحها، يفتح موقع "تعز تايم" ملف "معابر تعز.. سبع سنوات من الحصار والانتقام"، يتطرّق فيه إلى توقّعات السلطات الرسمية في تعز حول إمكانية فتح المعابر من عدمه، ومواقفها مما ورد في اتفاق الهدنة الأممية الأخيرة.
محافظ تعز، نبيل شمسان، أبدى ترحيبه بإعلان المبعوث الأممي بشأن الهدنة، وأشار إلى أنه سيبذل كل جهده لترجمة أي تفاهمات حول تعز إلى واقع ملموس، وغير مؤجل، يلبّي الآمال والتطلّعات.
وتصبُّ تحرّكاته الأخيرة في إطار الجهود المبذولة لإنجاح الاتفاق، وفك الحصار، وفتح معابر تعز أمام المواطنين، حيث أكد المحافظ شمسان -في لقائه مع المبعوث السويدي، بيتر سيمنبي، في الرياض- على استعداد السلطة المحلية لتقديم كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح الهدنة وإنهاء الحصار الخانق على تعز.
اقرأ أيضا: ما رأي أبناء تعز بالهدنة وتجاهل العالم لحصار الحوثيين المدينة؟
وتؤكد قيادات السلطة المحلية في تعز أن جماعة الحوثي لا تزال تغلق جميع منافذ المحافظة، بعد أن زرعت الألغام، ونشرت القنّاصة في جميع المنافذ، ولم تُبقِ سوى منفذ واحد فقط، وهو منفذ "هيجة العبد".
وذكر وكيل أول محافظة تعز، الدكتور عبد القوي المخلافي، في تصريحات خاصة لموقع "تعز تايم"، أن جماعة الحوثي لا تؤمن بالسلام، وهو ما لوحظ في كل المفاوضات السابقة، كما أمل في أن تصدق هذه المرّة في فك الحصار عن المدينة.
ونوّه إلى أن جماعة الحوثي اخترقت الهدنة الإنسانية، التي أعلنها المبعوث الأممي، مع بداية سريانها، واستأنفت عدوانها على تعز، وقصفت كل الجبهات، فيما تتحفظ قوات الجيش الوطني، وتلتزم بعدم الرّد.
وفيما يتعلق بموقف السلطة المحلية، يلفت الوكيل المخلافي إلى أن موقفها من موقف قيادة السلطة الشرعية، الذي يقف -في كل الأوقات- مع السلام، فيما جماعة الحوثي لا تؤمن به دائماً، وترفضه، وترفض أي دعوة إليه.
في السياق، توقّع نائب مدير مكتب النقل في المحافظة، فكري النظيف، عدم رفع الحصار عن تعز، وفتح معابرها، كون اتفاق الهدنة لم يُلزم جماعة الحوثي بذلك.
وبشأن موقف المكتب من اتفاق الهدنة، فقد رحّب النظيف بأي اتفاق يضمن إنهاء حصار تعز بدرجة أساسية.
- وجهة نظر الجيش
ويخيّم التشاؤم على توقّعات العسكريين، التي عبّروا عنها بوضوح، ودون أي مواربة. حيث قال مدير المركز الإعلامي في محور تعز، عقيد ركن عبد الرحمن اليوسفي، لتعز تايم: "لا أتوقّع أن تفتح الجماعة معابر تعز".
وأرجع اليوسفي ذلك إلى أن "جماعة الحوثي، وكأي مليشيا، تتخذ من الهدن محطة للتزوّد للمرحلة القادمة، كما أنها لم تلتزم باي اتفاق أُبرم معها من قبل، ولنا معها تجارب كثيرة"، حد تعبيره.
وفيما يلتزم الجيش الحكومي في تعز ببنود الهدنة، ارتكبت جماعة الحوثي عدداً من الخروقات، حيث شنَّت هجمات على الجيش الوطني في الجبهة الشرقية، واستخدمت أيضاً الطيران المسيّر، وقذائف المدفعية، كما نفّذت هجمات على عدد من الجبهات في شمال المدينة، وفي جبهة مقبنة غرباً منها، وارتكبت العديد من الخروقات في جبهة البرح وجبهة الأحكوم بحيفان جنوبي شرق المدينة.
وأوضح ناطق الجيش الوطني في محور تعز، العقيد عبد الباسط البحر لتعز تايم أن "جماعة الحوثي ارتكبت -خلال 24 الساعة الأولى من سريان الهدنة- أكثر من 20 خرقاً، كما واصلت التحشيد، وإرسال التعزيزات، واستمرت في إغلاق المعابر، وفرض الحصار الجائر على المحافظة، ومنعت وصول كل أسباب الحياة".
واعتبر البحر ذلك عملا عسكريا عدائيا وتصعيدا للأعمال العدائية والقتالية، وذلك رغم الهدنة، التي لفت إلى أنها جاءت مجردة من المراقبة، في حين كان ينبغي أن يكون هناك فِرق ولجان ميدانية لمراقبة سريانها، وتنفيذ بنودها.
ونوّه إلى أن الهدنة، وإن كانت في طبيعتها إنسانية، إلا أنها معرّضة للخروقات، وتزييف الحقائق من قِبل جماعة الحوثي، التي ترتكب الخروقات، وتتهم الأطراف الأخرى بارتكابها.
- ابتزاز الحوثيين
وأكد على التزام الجيش الوطني بالهدنة، كونه أمام مسؤولية رسمية، ويتبع الدولة والسلطة الشرعية، ويمثل منطق وسلوك الدولة، وبالتالي فإنّه من الطبيعي أن يلتزم بالهدنة، وسيكون الالتزام نهجه، وذلك خلافاً لجماعة الحوثي التي لها منطق وسلوك مغاير، كما أن شعارها هو الموت، ولذلك لا يعوّل عليها الالتزام.
ويمتثل الجيش الحكومي في تعز لاتفاق الهدنة، رغم أنه يصبُّ في صالح جماعة الحوثي، ويمنحها متسعاً للتحرّك والمناورة، ويعطيها فرصة للتخطيط والحشد من أجل الانقضاض على جبهات الشرعية في تعز ومأرب والساحل، وفقاً لعسكريين.
ويرى عسكريون أن الهدنة بلا معنى، ومفرغة من مضامينها، ما لم يتم فتح المعابر، ورفع الحصار عن أكثر من 4 ملايين مدني في تعز.
وتوقّعوا أن تراوغ جماعة الحوثي، وتماطل، وتنقض الاتفاق، وتؤجّل هذه القضية، وتبتز بها، وتلحق بالغ الضرر، وواسع الأثر، بالمدنيين، وتقيّد تحركاتهم، وتمنع وصول المساعدات إليهم، وهو ما سيكون وصمة عار في جبين المبعوث الأممي، والمنظمات الأممية العاملة، والدول الراعية لهذه الهدنة.
وأوضحوا أنه من العار أن تظل مدينة تعز محاصرة، في حين أن الهدف من الهدنة إنساني، كما لفتوا إلى أن التزام الجيش الحكومي يأتي من كونه جهة رسمية، وتطبق منطق الدولة وسلوكها، ومع ذلك يبقى رفع الحصار، وفتح المعابر، بالنسبة له قضية مهمّة.
ويحمّل محور تعز الأمم المتحدة ومبعوثها والرعاة الدوليين لاتفاقية الهدنة مسؤوليتهم الكاملة تجاه المعانات الإنسانية، التي يتعرّض لها سكان المدينة.
ونوّه إلى أنه كان ينبغي مقايضة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة برفع الحصار عن تعز، وفتح معابرها.
وأشارت قيادات عسكرية، في حديثها لتعز تايم، إلى أنه لا توجد مدينة محاصرة في البلاد سوى تعز، التي تُمنع من كل سُبل الحياة، ويتم قنص حتى الحيوانات في المعابر، وتخضع لحصار خانق ومُحكم بكل ما تعنيه الكلمة.
وأدّى الحصار، وإغلاق المعابر، إلى غلاء الأسعار والمعيشة بشكل جنوني، وارتفاع تكاليف النقل، وفقدان المدنيين مصالحهم ومصادر رزقهم، وجعلهم غير قادرين على توفير متطلّباتهم المعيشية.
ويُثار الكثير من الجدل والسخط في الأوساط الرسمية والمجتمعية والحزبية، التي تطالب، اليوم، الأمم المتحدة والمبعوث الأممي ورعاة الهدنة بأن يكون من الأولوية في الاتفاق رفع الحصار، وفتح المعابر، ورفع القيود المفروضة على تنقلات المدنيين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.