غادر عبد القوي يوم وهو شاب متقد بالحلم، يبحث عن حياة جديدة بعد أن تعقد المشهد السياسي في البلاد عقب الثورة.
توجه إلى فرنسا، وهناك صنع لنفسه مسارًا مختلفًا؛ تابع دراساته العليا حتى نال شهادة الدكتوراه في جامعة لورين الفرنسية، ليصبح نموذجًا ملهمًا لجيل بأكمله، لكنه ظل يحمل اليمن في قلبه وهي التي لم تغب عن ذاكرته لوهلة واحدة.
وحين عاد إلى مسقط رأسه تعز، لم يجدها كما تركها، فكتب في انطباعاته الأولى: “شاخت تعز كثيرًا، التجاعيد تملأ وجه المدينة بعد سنوات من الحرب والنضال، حالة اللا-سلم واللا-حرب ارتسمت في ملامح الناس، وكأن القرارات المصيرية في حياتهم ما زالت مؤجلة.”
لقد أبصر الدكتور عبد القوي الشوارع مكتظة بالصيدليات ومحلات الصرافة وباعة القات. مشهد يومي قال إن الناس اعتادوا عليه، لكنه بالنسبة إليه كان انعكاسًا لمأساة أعمق وهي: غياب الدولة، فكل صيدلية تخفي أزمة صحية، وكل دكان صرافة يخفي انهيار الاقتصاد، وكل حزمة قات تمثل محاولة لتسكين وجعٍ مؤقت.
ومن وسط هذا البؤس، وجد عبد القوي ما لم يكن يتوقعه؛ جيلًا جديدًا من الشباب يواجه الحياة بوعي مختلف. قال عنهم: “جيل يقاوم روتين البؤس بأساليب فعالة؛ يتحدث، يحلل، يرصد، يناقش، ويبتكر حلولًا جديدة لمشكلات المدينة العجوز والوطن المتهالك بطرق علمية بحتة، جيل يريد أن يقول للعالم إن تعز واليمن قادران على النهوض من جديد.”
كانت لقاءاته مع أصدقائه القدامى نافذة على هذه الطاقة الجديدة، شباب لم يعرفوا سوى الحرب والحصار، لكنهم يصرون على تحويل المعرفة إلى أداة مقاومة، والثقافة إلى سلاح من أجل البقاء.
حين جلس عبد القوي لكتابة مقالته الأولى واستعادة صفحته على فيسبوك المتوقفة منذ عقد من الزمن، استعاد لحظة مؤلمة عالقة في ذاكرته: قصف قلعة القاهرة عام 2015، وكتب: “كأنني أصبت شخصيًا بتلك الضربة.” بالنسبة إليه، لم يكن ذلك مجرد حدث عابر في الحرب، بل جرح في ذاكرة مدينة كاملة، ورمزًا لانكسار الحلم.
رغم كل الخذلان والانكسارات، خرج الدكتور عبد القوي بخلاصة: أن الخلاص لا يأتي إلا من الداخل، ويؤكد أن الحراك الثقافي في تعز يمكن أن يتحول إلى تيار وطني عام يمتد من صعدة إلى عدن، ليعيد رسم ملامح اليمن الكبير من جديد.
يختم عبد القوي شهادته من قلب تعز بنبرة أمل ويقول: “تنكسر الشعوب كثيرًا، وتُخذل كثيرًا أيضًا، لكن التاريخ يعلمنا أن الخلاص يأتي دومًا من الداخل.”