الندوة أُقيمت "أونلاين" عبر برنامج "الزوم"، وحضرها حشد كبير من الإعلاميين والنشطاء السياسيين بطريقتين: الأولى عبارة عن تجمعات في عدد من الأماكن داخل مدينة تعز وأخرى خارج اليمن، إلى جانب الحضور الفردي كلا من موقعه.
دور تعز في المعركة
وفي الندوة قدم الباحث والكاتب مصطفى الجبزي حديثه حول المحور الأول: دور تعز في المعركة الوطنية واستعادة مؤسسات الدولة قائلا :" منذ أن بدأت الحرب، تبوأت تعز مركز الصدارة لاستعادة الدولة، وخرجت بمظاهرات سلمية والتي جوبهت بعمليات قمعية صارمة راح ضحيتها عدد من الأرواح."
وأوضح الجبزي، بأن تعز كانت أكثر المحافظات التي تعرضت لهجوم يستهدف ضحايا مدنيين، وهي المدينة الوحيدة المحاصرة إلى اليوم، وتتعرض لقصف عشوائي لا يحقق مزايا عسكرية بقدر ما ترهب المدنيين، وقنص للأطفال والنساء، وهي النواة الأولى للمقاومة والجيش الوطني، في معارك شرسة تستحق أن تخلد، في مرحلة حرجة، ولذلك فقد كانت الكلفة باهظة.
وأضاف، أن حالة تعز مشطورة بين سلطتين من ناحية، ما يعني حصار خانق، فالحوثيون يسيطرون على مداخل استراتيجية للمدينة سهلت له خنق المدينة، لذلك فهي في تهديد دائم لوجود منفذ واحد فقط لعدن، وفيه كثير من المخاطر.
وأشار إلى أن تعز مقسمة إلى شطرين 16 مديرية تحت سيطرة الحكومة الشرعية، أي بنسبة 60% من سعة المحافظة، فيما تسيطر جماعة الحوثي على 7 مديريات فقط، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الحوثيين يسيطرون على أكثر من 70% من إيرادات المحافظة.
ولفت الجبزب إلى أن خسارة تعز كبيرة في البنى التحتية والأفراد، حيث خسرت نحو 20% من المدرسين، وحوالي 6 آلاف مدرس نزحوا، وقتل منهم نحو 400 مدرس تقريبا.
واعتبر الجبزي أن هذه الحرب حجمت المجتمع المدني وقوضت البناء المؤسسي لصالح إحياء مشاريع فرعية، إذ أن المشروع الوطني يحتاج عصبية عابرة للجغرافيا والانتماءات الضيقة ، وقد كانت تعز مؤهلة جدا للانطلاق بعصبية وطنية كبيرة، لكن الحرب أحيت عصبيات فرعية وقبلية، بعد أن كانت تعز قد روضت هذا البعد بالذات، عبر قرون طويلة، وتحول فيها الولاء إلى ولاء جغرافي أوسع، فلا توجد بتعز تراتبية تسحق الإنسان أو ولاء هرمي مقدس، وإنما كانت عصبية تسمح بالاندماج وتفعيل فردانية إيجابية مُعلية بذلك قيمة الاستحقاق والجدارة، وهذه أهم ما يميز تعز.
وتطرق الى الانسجام الاجتماعي بقوله، أن تعز تمتاز بانسجام اجتماعي لا يظاهي أي انسجام بأي من المحافظات الأخرى، حتى الفئات المهمشة تعيش أقل انسحاقا من المناطق الأخرى، بسبب التجانس المجتمعي الذي يخلق قبول أكثر، لا يحول الانتماء دون أن يحقق الفرد ذاته، كما أنها تمتاز بحيوية فيما يخص الحياة السياسية والحزبية، قياسا بمناطق أخرى، وهذه انفراجة جيدة، ورغم هذه الحيوية ما يزال النشاط الحزبي متوقفا عند 2011, لا يوجد حراك حزبي حقيقي داخل تعز.
وقال، إن الأحزاب في تعز بحالة جمود داخلي، فهي لا تنتج زعامات وقيادات جديدة، ومرتبطة بالقيادات العليا للأحزاب، والتي لديها معاركها الخاصة لتنعكس هذه المعارك داخل تعز بالتناحر، الأمر الذي انعكس سلبا على تعز وقدمها للعالم بشكل سلبي، إذ لا يوجد ضابط إعلامي ونسيج اجتماعي متهتك، وهو ما يسيئ للعمل الحزبي في تعز
وأضاف، أن الحصار وانقسام تعز ووجود أغلب مواردها تحت سيطرة الحوثي جعلها تفتقر للموارد، ومن لا يمتلك موارد لا يستطيع ان يفرض رأيا في المعادلة السياسية، لذا نحن بحاجة للتخلص من سلبيات المركزية والبدء للعمل بالمشروع الفدرالي، أي ان تحكم المدينة نفسها، وللأسف مشروع الحوثي يعيق الفدرالية، فتعز منفصلة عن جزء منها ومفصولة عن تعز، كما يجب على تعز ألا تتخلى عن إب.
تعز في خارطة الحرب والحصار والاتفاقيات
من جهته تحدث الصحفي وسام محمد، حول محور "تعز في خارطة الحرب والحصار والاتفاقيات"، قائلا، إن " الحصار المفروض على تعز الهدف منه منع التواصل مع صنعاء، لأن هذا التواصل يمثل عامل قوة كما حصل في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، لذا جماعة الحوثي ترى بأن حصار تعز واجبا حتى لا تلعب أي دور.
وأضاف، أن جماعة الحوثي أيضا تحاول قطع تواصل تعز بعدن، لأن عدن كانت بمثابة الرئة لتعز في عهد الأئمة وحاضنة للحركة الوطنية التي كان جميع أبطالها من تعز ، فالهدف من حصار تعز هو كسرها وإخماد طاقتها، ولن تقبل جماعة الحوثي رفع الحصار عن تعز إلا إذا ضمنت أنها ستحكم اليمن بشكل كامل، فيما مشروع تعز أن لا تُسلّم اليمن لهذه الجماعة أو لأي جماعة إيدلوجية أخرى، وتناضل من أجل أن تُسلّم اليمن للديمقراطية والعملية السياسية.
وأكد أن تعز المحافظة الوحيدة التي فيها الحرب مستمرة منذ اندلاها إلى اليوم، حتى في الوقت الذي يتم التفاوض فيه بشأن إنهاء الحرب، ودوي الانفجارات في تعز يعني بأن المعركة لن تنتهي اليوم إلا إذا تم تسليم رقابنا لجماعة الحوثي.
واعتبر أن هناك نظرة نمطية تجاه تعز من قبل التحالف العربي، بأن تعز مدينة السياسة الأولى منذ الستينيات وأنها معقل اليسار والقوميين والإسلاميين وأنها من فجرت ثورة الحادي عشر من فبراير التي كانت إحدى ثورات الربيع العربي، وباعتبارها مدينة لا تحتكم لقبيلة أو لجماعة عصبوية ولا يمكن التحكم بها، لذلك يرى أنه لا يمكن التصالح مع تعز.
وأشار إلى أن هذه العوامل الموضوعية كلها تجعل من استحقاقات تعز وحقوقها الطبيعية غير ممكنة من وجهة نظر من يتحكمون بالمشهد، وفي الوقت نفسه تعز غير مستعدة للتراجع إلى الخلف والتقوقع في محيطها وعدم مواصلة النضال في إطار المشروع الوطني الكبير.
أهمية دور الإعلام
من جهته تحدث الصحفي والباحث السياسي أحمد شوقي أحمد، حول المحور الثالث، والذي أشار فيه إلى أهمية الإعلام وتصويبه بما يخدم الناس والقضية، وتطرق إلى المقاومة المبكرة لمدينة تعز لمواجهة غزو جماعة الحوثي لها ولمحافظات جنوب البلاد ودفعت ثمن ذلك.
وقال أحمد متسائلا: "لماذا تعز لاتتوحد في إطار منظومة سياسية على الاقل تمثيل سياسي معين شبيه بالمجلس الانتقالي الجنوبي أو بعض الأطر السياسية والعسكرية التي تمثل تعز والسبب أن تعز خلال الـ70 سنة الماضية كانت تخوض عملية انتقال من الحالة الآلية حالة المجتمع القروي الريفي إلى الحالة المدنية".
وأشار إلى أن عملية التحول تلك باتجاه المجتمع المدني تم إعاقتها من قبل النظام السياسي السابق. كان هناك محاولة للسيطرة على رأس المال وإجباره على أن يكون مرتبطا بالمركزية السلطوية التي كانت في فترة علي عبدالله صالح فضلاً عن إعاقة دور الاحزاب السياسية والمنظمات والجميعات بما فيها الهيئات التعاونية.
وأضاف، أن "العملية هذه للأسف مع ثورة فبراير والحرب زادت سوءً. إذ تدهورت الفواعل للمدنية التي يفترض أن تكون بديلة للأشكال الماضوية التي تسقط وجود الدولة بدلا من القبيلة يكون لدينا نقابات وأحزاب وأشكال مدنية تمثل المجتمع وتدافع عن مصالحه".
واعتبر أن "الصحافيين هم الفئة الفاعلة في تعز بدرجة أساسية فيما يتعلق بالقضية المركزية سوءًا بالقضية الوطنية أو مايتعلق بدور تعز في المعركة الراهنة والسبب ببساطة أن جميع الأشكال المدنية مثل الأحزاب والنقابات والمنظمات والجمعيات ضُربت بفعل الثورة والحرب".
وبشأن دور الصحفيين، قال شوقي، إنهم "الطليعة في تمثيل تعز وهذا مرتبط بأن كثير من أبناء تعز اختاروا العمل في الصحافة لأسباب ربما لا تربتط للصحافة بشكل مباشر كان هناك تعطيل للصعود وتدرج الأفراد والقيادات الشابة في العمل الاجتماعي والسياسي من قبل أطراف كثيرة وبالتالي كان لكل شخص هَمْ سياسي واجتماعي ربما لا يجد عملا في المجال العام سوى العمل في الصحافة".
وتابع: "كثير من الذين دخلوا في العمل الصحفي كان لديهم قضية سياسية أو اجتماعية لن يستطيعوا حملها والدفاع من أجلها إلا عبر مهنة الصحافة لأن الأطر السياسية مغلقة وهناك سيطرة من قبل نُخب سياسية مهترئة على المجال السياسي وهناك قمع من قبل السلطات الحاكمة وايضا في المجال الاجتماعي هناك تركيز على نوع من المشيخات الصورية في المناطق والارياف".
وشدّد على ضرورة "تمثيل تعز بشكل حقيقي داخل الجيش وأجهزة الدولة (...) مادامت تعز حاملة للمشروع الوطني ورافدة للخطاب السياسي المعتدل الذي يمثل مصالح جميع اليمنيين ، فمن الأولى ان يتم تقديم تعز كما نحب ونعرف".
وحول دور الصحفيين في هذه المرحلة، أكد شوقي على أهمية "إعادة تعريف من هو الصحفي وأخلاقيات الصحافة والعمل على تأهيل الصحفيين وإعادة ضبط قيمهم الإعلامية والصحافية بمايتوائم مع الأفكار والمبادئ المهنية التي حملتها المؤسسات الاعلامية الدولية عبر التاريخ".
وقال إن "مسألة التدريب والتأهيل مهمة من أجل صقل مهارات الصحافي في مجال الصحافة ومجالات أخرى كالسياسة والثقافة. كي تكون نظرته أوسع ورافدا للوعي السياسي القائم".
كما تطرق إلى العصبوية الأخلاقية لمهنة الصحافة ودورها في توحيد الصحفيين رغم اختلاف انتمائاتهم وتوجهاتهم وتأثيرهم على المجال السياسي و أن يكونوا ـ الصحافيين ـ في حالة تكاتف فيما بينهم وان يكونوا في حالة فهم حقيقي لدروهما الطبيعي كمهنيين ودورهم في المرحلة الاستثنائية وينبغي أن يكون لديهم إيمان حقيقي بقضية تعز والانتصار لها بصرف النظر عن الانتماءات الحزبية أو الفئوية أو مناطقية أو شخصية. بل يجب أن يكونوا الرافد الاول فيما يتعلق بالدفاع عن استحقاقات ومشروع تعز".
مداخلات
تضمنت الندوة مداخلات لعدد من الصحفيين في مدينة تعز، حيث أشار الصحفي، زكريا الكمالي، في مداخلته، إلى أن الندوة التي أقامها صحفيو وإعلاميو تعز هي خطوة مهمة جدا من أجل لفت النظر إلى قضية تعز والتهميش الذي حصل لها رغم أنها تأخرت طويلا.
وقال، إن هناك تقييم خاص ونظرة خاصة للمجتمع الدولي للتعامل مع المحافظات اليمنية، والنظر إلى كل محافظة من خلال أوراق الضغط التي تمتلكها، فمثلا تعز لا يمكن أن تكون كحضرموت ويكون لديها مكون كمؤتمر حضرموت الجامع، أو أن يكون لديها كتلة برلمانية لأنها لا تمتلك ورقة كورقة النفط التي تمتلكها حضرموت.
وأضاف، أن الاهتمام الإقليمي أو الدولي لجماعة الحوثي، يأتي لأنها تمتلك ورقة تهديد لدول الجوار.
وتابع: في تعز يمكن أن يتم إعادة ترتيب الأوراق التي أهملت سابقا، ويفترض أن يكون هناك حامل مدني يعيد تذكير السلطات والوسطاء الدوليين والإقليميين باستحقاقات تعز التي يتم إهمالها أو تجاوزها وتهميشها.
وقال: يفترض أن يرفع صوت تعز وتقدم كافة مطالبها خصوصا في هذه المرحلة، وبالتزامن مع عودة المفاوضات السعودية الحوثية بوساطة عمانية بعد إجازة عيدالفطر.
الصحفي تيسير السامعي، اعتبر في مداخلته، أن أبناء تعز ينتصرون لكافة قضايا الوطن ماعدا قضيتهم، ويشعرون بالحرج عند الحديث عن قضيتهم العادلة.
وأشار إلى أن قضية تعز يجب أن لا تقل عن القضية الجنوبية، ولا عن أي قضية أخرى، ويفترض أن يكون لتعز حامل اجتماعي وسياسي يتبنى قضيتها العادلة، فتعز ليست أقل شأنا من أي محافظة أخرى، وتعرضت لأشد ما تعرضت له الجنوب أو أي مناطق أخرى، لكن أبناءها يحملون هم اليمن الكبير ويجهلون قضيتهم.
ويرى السامعي، أن تعز لها الحق في حكم اليمن، بناء على كفاءتها وتضحياتها وتبنيها لمشروع اليمن الكبير، وإيمانها بالدولة.
فيما قال الصحفي نجم المريري، في المداخلة الأخيرة في الندوة، إن اشكالية تعز في أنها النموذج المصغر للإشكالية اليمنية، مدينة مجزأة باعتبارها مرآة لبلد مجزأ، ظلت تعز عالقة في هذه المرآة ونجحت في تمثيل اليمن لكنها عجزت عن تمثيل نفسها.
وأضاف المريري، كنا نردد أن المعركة اليمنية ستنتهي مع تحرير تعز عدا أننا اليوم أمام تحدي صعب وانقلاب خطير في معادلة نظرنا إليها من جانب واحد إذ يبدو أن معالجة الأزمة اليمنية سيكون على حساب تعز جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وما إليه.
وأشار إلى أن تعز تمكنت باكرا من استعادة مؤسسات الدولة لكنها لم تجيد تمثيلها لأسباب غير مفهومة وغير منطقية، واظن ان أحدى الأسباب هي أن تعز مارست السياسة لوقت طويل خارج السلطة أو على الظل من السلطة.
واعتبر أن الحراك السياسي احتفظ بوهجه وتنوعه لكنه عجز عن تصدير خطاب سياسي يحترم تعز وتضحياتها ومشروعها، بشكل أوضح تجيد تعز صناعة البدايات دائما وتعجز عن صنع نهاية جيدة.
وقال: مع ذلك لم نبلغ خط النهاية بعد، وما يزال هناك متسع للحد من حجم الخسائر التي تلوح بها جميع السيناريوهات المحتملة للنهاية القادمة.