وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي الثلاثاء، إنّ نحو 3 ملايين يمني في تعز يعانون من نقص حاد في الاحتياجات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء والماء والصحة، إلى جانب المخاطر التي يواجهونها بسبب عمليات القصف والاشتباكات المتكررة، والصعوبات البالغة أثناء التنقّل بين أحياء المدينة.
ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الانخفاض الملحوظ في وتيرة النزاع في اليمن لم يشمل تخفيف أو إنهاء القيود التي تفرضها جماعة الحوثي على حركة الأفراد والبضائع في تعز، إذ ما تزال الجماعة تحاصر المدينة من الخطوط الرئيسية -خط الستين شمالًا وخط تعز الحديدة غربًا وخط الحوبان شرقًا وجنوبًا، وتسيطر على أهم المراكز الاقتصادية والتجارية، وتعرقل تدفق السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى المدينة.
وشدّد المرصد الأورومتوسطي على أنّ حصار تعز يعد شكلًا من أشكال العقاب الجماعي ضد المدنيين، وقد يرقى إلى جريمة حرب بموجب القوانين الدولية ذات العلاقة، إذ يحظر القانون الدولي الإنساني استخدام الأطراف المتحاربة أسلوب الحصار العسكري سوى في حدود ضيّقة ومحددة لا تنطبق على الوضع في مدينة تعز.
ووفق إفادات متنوعة جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي من عدد من الأشخاص في تعز، يكافح السكان للحصول على المواد الغذائية في ظل شح وجودها والارتفاع الكبير في أسعارها، كما تسبب الحصار في تقطيع أوصال بعض العائلات، إلى جانب مضاعفة معاناة المرضى الذين يضطرون لسلوك طرق جبلية وعرة وخطيرة للوصول إلى مرافق الرعاية الصحية.
أبلغت المحامية "معين العبيدي" والتي تسكن في مدينة تعز فريق المرصد الأورومتوسطي: "معاناتنا مستمرة ولا شيء تغيّر منذ فرض الحصار وحتى الآن. على المستوى الشخصي، حُرمت لنحو ثلاث سنوات من الاجتماع الطبيعي بطفلتي بعد نزوح عائلتي إلى قرية مجاورة. مكثت أنا داخل المدينة بسبب عملي، وكنت أضطر لسلوك طرق وعرة وبعيدة للوصول إلى القرية ورؤية ابنتي. خلال مروري من الطرق المغلقة، كنت أتعرض مع المسافرين الآخرين للإذلال والإهانة والاحتجاز ونيران القنّاصة في كثير من الأحيان. لا يوجد استثناءات، فحتى أصحاب الأمراض الخطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي يضطرون إلى خوض هذه الرحلة الصعبة للوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية لتلقي العلاج".
وفي إحدى الحالات التي وثّقها فريق المرصد الأورومتوسطي، توفّي مريض أثناء نقله إلى المستشفى بسبب التأخير الناتج عن ازدحام ووعورة الطرق الجبلية البديلة التي يضطر السكان لاستخدامها للوصول إلى المرافق الصحية.
في إفادتها لفريق المرصد الأورومتوسطي، قالت "تسنيم حامد"، شابة يمنية تسكن في مدينة تعز: "صعد في الباص الذي كان يقلّني على طريق "هيجة العبد" من عدن إلى تعز شخصان، كانت تبدو على أحدهما ملامح الإعياء والمرض. وبينما كنت أحاول التغلّب على الغثيان والدوار الذي أصابني بسبب المنعطفات في الانحدارات الشاهقة بالطريق، انتشرت حالة من الفوضى في الباص بسبب تدهور حالة الرجل المريض، إذ أُصيب بأزمة تنفّس وبدا بحالة سيئة للغاية. توقّف الباص على حافة أحد المنحدرات وحاول الركّاب إسعاف المريض بالطرق البدائية لكنّ حالته كانت تزداد سوءًا".
وتابعت: "قرّر السائق التوجه لأقرب مستشفى ولكنّ ذلك لم يكن ممكنًا عمليًا بسبب طابور المركبات الطويل الذي كان أمامنا، والمسافة الطويلة التي كان يجب أن نقطعها بسبب إغلاق الطرق الرسمية. وبعد وقت قصير، توقّف نفس الرجل المريض وفارق الحياة، واستغرق الأمر بضعة ساعات حتى استطعنا نقل جثمانه لأقرب مستشفى".
وفي الوضع الطبيعي، تحتاج المركبات نحو ساعتين لقطع المسافة بين عدن وتعز، لكنّها باتت تستغرق مع إغلاق الطرق سبع ساعات على الأقل، ويزداد التأخير في كثير من الحالات بسبب وجود نحو 50 نقطة تفتيش على تلك الطرق، يضطر فيها سائقو المركبات -خصوصًا شاحنات نقل البضائع- إلى التوقف المتكرر، وتخضع البضائع للتفتيش على خمسة نقاط على الأقل، ما يؤخر وصول السلع والبضائع إلى تعز، ويرفع بشكل كبير من أسعارها تبعًا لارتفاع تكاليف النقل.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ هدوء أصوات المدافع لا يجب أن يلفت الأنظار عن معاناة ملايين المدنيين الذين يموتون ببطء جراء الحصار المفروض على مدينة تعز منذ سنوات، إذ يجب أن تكون مسألة إنهاء حصار تعز حاضرة في مقدمة أي مباحثات بين أطراف النزاع.
وأوضح أنّ سنوات الحصار الطويلة أضعفت السكان على نحو غير مسبوق، لافتًا إلى أنّ كل تأخير في رفع التدابير التعسفية على المدينة يعني تعميق معاناة المدنيين، وإضافة مزيد من الضحايا إلى السجّل الطويل من الأشخاص الذين فقدوا حياتهم بسبب الأسباب المباشرة وغير المباشرة للحصار.
وبحسب إحصائيات للسلطات المحلية التابعة للحكومة اليمنية في مدينة تعز، تسبب حصار المدينة بتدهور حاد في الأوضاع الإنسانية، إذ كانت تبلغ كمية المياه التي تصل لخزانات المؤسسة العامة للمياه قبل الحصار (6,120,000) متر مكعب في العام الواحد، لكنّها انخفضت بعد الحصار لتصل إلى (648,000) متر مكعب فقط، ما سبّب أزمة مياه كبيرة.
ووفق الإحصاءات، تسببّت إجراءات الإغلاق في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مدينة تعز بنحو 35% عن معدلاتها في المدن اليمنية، كما أغلقت 31 مدرسة أبوابها، وأثّر ذلك على ممارسة أكثر من 32 ألف طالب لحقهم في التعليم.
وإلى جانب ذلك، تضررت نحو 50% من شبكات الطرقات التي تربط تعز بالمحافظات الأخرى، وتضاعفت تكاليف نقل الأفراد والبضائع من وإلى المدينة، كما توفي أكثر من 370 مدنيًا في حوادث سير بسبب وعورة وخطورة الطرق الجبلية البديلة.
وطالب المرصد الأورومتوسطي المبعوث الأممي إلى اليمن "هانس غروندبرغ" بالعمل مع جميع الأطراف، لا سيما جماعة الحوثي، لرفع جميع القيود المفروضة على مدينة تعز، بما يشمل فتح جميع المنافذ المؤدية إلى المدينة والطرق الداخلية، والسماح بتدفق السلع والمساعدات الإنسانية إلى المدنية دون أي اشتراطات.
وحثّ المرصد الأورومتوسطي أطراف النزاع في اليمن على تحييد المدنيين عن الحسابات العسكرية والسياسية، والالتزام بقواعد القانون الدولي الإنساني في هذا الإطار، والتراجع عن جميع الإجراءات التي قد تتسبب بتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد.