تكتيكية من قبل الحوثيين لأسباب تتعلق بما يتعرضون له من ضغوطات خارجية؟
لطالما كانت مدينة تعز نقطة الاحتكاك الأكثر شراسة بين القوات الحكومية والحوثيين، ومنذ مطلع العام 2015، انقسمت المدينة إلى قسمين، القسم الأكبر والأكثر كثافة سكانية تحت سيطرة الحكومة الشرعية، والآخر تحت سيطرة الحوثيين.
ومنذ ذلك الحين ظلت المدينة مقسمة الأوصال ومحاصرة، إذ أدت الحرب إلى قطع الطريق الرئيسي الذي يربط تعز بصنعاء، ما ضاعف معاناة السكان، وجعل التنقل بين طرفي المدينة مهمة محفوفة بكثير من المخاطر، وتحتاج لكثير من الأموال والوقت، فقط لقطع مسافة لا تتعدى بضع دقائق قبل الحرب.
فتح الطريق الذي يربط طرفي مدينة تعز، قوبل بقدر كبير من الترحاب والفرحة في أوساط سكان المدينة التي يقطنها قرابة 3 ملايين نسمة، لكنه قوبل بتوجس، لا سيما أنه ليس هناك ضمانات بعدم إعادة إغلاقه مجدداً.
وبالرغم من أهمية هذه الخطوة، وحالة الارتياح في الأوساط الشعبية، فإن الملاحظ غياب أي ترحيب دولي أو إقليمي بهذه الخطوة، الأمر الذي يعزز فرضية ارتباطها بعديد من الملفات المعقدة التي طرأت، وفي مقدمتها الصراع المالي، وهجمات الحوثيين البحرية.
ويربط عديد من الباحثين فتح الطرقات بمعطيات حالية عديدة، وفي مقدمتها الضغوطات التي تتعرض لها جماعة الحوثي مؤخراً، وخطوة تقييد التعامل مع البنوك، ومكاتب المنظمات العاملة في مناطق سيطرة الجماعة.
الحكومة اليمنية، وعبر هيئة التشاور والمصالحة، لم تُبدِ حماساً لهذه الخطوة، وقالت يوم الأربعاء 12 يونيو الجاري، إنها تدعم جهود السلام جداً، إلا أنها حريصة في الوقت نفسه على وجود إجراءات واضحة وقابلة للديمومة، في ظروف طبيعية تُبنى عليها خطوات جادة نحو الاستقرار.
وأضافت في هذا الصدد: "الدعوات لفتح الطرقات يجب أن تتم بقرار سياسي عقب إيقاف شامل لإطلاق النار، ومن خلال لجان متخصصة وبإشراف أممي".
وفي المقابل سوّق الحوثيون كثيراً لهذه الخطوات التي حظيت بتغطية إعلامية من قبلهم، وسط حالة من التوجس في أوساط الناشطين اليمنيين من نوايا وتوجهات الجماعة، وعادتها في نقض الاتفاقيات والتراجع عن الالتزامات.
يبدو أن جماعة الحوثي تسعى من وراء هذا التكتيك إلى تخفيف حدة الاحتقان مع الأطراف الداخلية، تحسباً لأي تصعيد أمريكي غربي ضد الجماعة على خلفية هجماتها في البحر الأحمر.
تعاطي الجماعة مع موضوع فتح الطرق الذي لطالما طرح في كل مناسبة وجولة مفاوضات بين طرفي النزاع، ينبع من أمرين اثنين، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور ناصر الطويل.
و يرى الطويل أن "الأمر الأول يتعلق بكون الجماعة واقعة تحت ضغوط بفعل السياسات التي اتخذتها الحكومة الشرعية، وخاصة نقل مراكز الرئيسية للبنوك، وسحب العملة القديمة، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية التي تجعلهم تحت ضغط إعلامي وربما سياسي واسع".
واستطرد قائلاً: "ربما أراد الحوثيون أن يصرفوا الأنظار عما يتصل بهذه القرارات وتداعياتها إلى موضوع آخر وهو فتح الطرق"، في حين يرى أن الأمر الثاني هو "أن الحوثيين يريدون أن يسوّقوا أنفسهم شعبياً.
وأضاف: "هم أرادوا أن يأخذوا زمام المبادرة، ويحاولون أن يحققوا نقاطاً على المستوى الشعبي، ولذلك بادروا في ظل هدنة ممتدة وطويلة على أن الأمر باقٍ في قبضتهم".
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء في حديثه أن فتح الطرق "لن يكون دائماً"، لافتاً إلى أن الحوثيين سيتحكمون فيه، وعندما يحدث تحوّل أو تتغير الظروف، وحينما يجدون أن من مصلحتهم إغلاق الطرقات، سيبادرون إلى إغلاقها.
واستطرد قائلاً: "فتح الطرق على أهميته، خاصة على المستوى الشعبي، سيخفف من معاناة الناس، لكن لا أظن أنه سيراكم شيئاً إضافياً لجهة تعزيز العلاقة، أو بناء العلاقة بين أطراف الصراع في اليمن".
كما أشار إلى أن أطراف الصراع "لا تقتنع بأن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، بل لا يزال كل طرف يعوّل على العمل العسكري لحسم النزاع، عاجلاً أم آجلاً".
وأوضح الطويل أن "هدف الحوثيين تحقيق نقاط شعبية، وتنفيس الضغوط، ومن ثم فإن فتح الطرقات لن يكون دائماً بل سيخضع للتحولات".
واختتم حديثه بتأكيد أن فتح الطرقات في اليمن "لا يعزز من الثقة بين أطراف النزاع؛ لأنه مرتبط بقضايا تكتيكية تتبناها هذه الأطراف، وليس الهدف منه مراكمة محصلة لبناء الثقة بين هذه الأطراف".