وخلّفت حرب المليشيا الحوثية وحصارها المفروض على تعز، كارثة إنسانية وتسببت بمآسٍ وأزمات عديدة في مختلف جوانب ومجالات الحياة، حيث أزهقت المليشيا أرواح الآلاف، وعطّلت عجلة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحوّلت الحياة إلى معاناة يومية مستمرة في ظلّ نقصٍ حادٍ في الاحتياجات الرئيسية، وخلقت أزمات في المياه والتعليم والكهرباء والتنقّل، يعاني منها ما يربو عن 4 ملايين مواطن في المحافظة.
ومنذ بدء حربها على تعز، فشلت المليشيا الحوثية في إسقاطها عسكريًا رغم القوة التي تسلّحت بها لاقتحام المدينة، فعمدت إلى ممارسة أبشع الانتهاكات ضدها، ضمن مساعيها الفاشلة لإخضاعها ومعاقبتها.
وخلال النصف الأول من العام الجاري، ارتكبت المليشيا الحوثية عشرات الانتهاكات ضد تعز، ومن خلال اطّلاعنا على تقارير مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان Hritc، منذ يناير حتى أواخر يونيو، وجدنا أن المركز وثّق 76 انتهاكًا للمليشيا الحوثية في تعز.
وشملت الانتهاكات الحوثية، مقتل 19 مدنيا، معظمهم من الأطفال والنساء، وذلك برصاص القناصة الحوثية وبالألغام، وبالقصف المدفعي وقذائف الهاون. كما أصيب 33 مدنيًا، في حين طالت الانتهاكات الأخرى الممتلكات العامة والخاصة، بينها تضرر 15 منزلا جزئيا أو كليًّا، و7 مركبات، وانتهاكات أخرى.
إحصائيات
وتسبب حصار مليشيا الحوثي لتعز في تدهور الوضع الإنساني والمعاناة الشديدة للسكان، حيث يواجه السكان نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، بالإضافة إلى انقطاع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، كما يعاني السكان من انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، بما في ذلك القصف العشوائي والهجمات على المدنيين والاحتجاز والتهجير وتدمير البنية التحتية للمدنية، بحسب تقرير حقوقي صدر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، بعنوان (تعز تحت الحصار.. تسعة أعوام من الألم والصمود)، جرى نشره بالتزامن مع مرور تسع سنوات على الحصار الحوثي على مدينة تعز.
وأوضح التقرير أن مليشيا الحوثي قتلت 4,146 مدنيا بينهم 891 طفلا و466 امرأة، فيما وصل عدد المصابين إلى 18,065 مدنيا بينهم 2,176 طفلا و2,669 امرأة، وذلك خلال الفترة من 21 مارس 2015 وحتى 30 يونيو 2024 التي بلغت فيها الانتهاكات نحو 45263 انتهاكًا.
وأضاف أن عشرات الآلاف من الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي حصدت حياة نحو 781 مدنيا، بينهم 38 طفلا و23 امرأة، وأصيب 1,308 مدنيين بينهم 76 طفلا و30 امرأة. فيما بلغت حالات الاختطاف 504 حالة لمدنيين و175 حالة إخفاء قسري، و899 حالة احتجاز تعسفي، و102 حالة تعذيب أفضت العديد منها للموت أو الإعاقة الدائمة والشلل التام عن الحركة أو الجنون والحالة النفسية، و98 حالة اعتداء على مدنيين، و79 انتهاكا لحرية الرأي والتعبير.
وذكر التقرير أن إجمالي الممتلكات العامة التي طالتها الانتهاك بلغت 617 ممتلكا، حيث تم تفجير 11 من المباني وتدمير 87 مبنى ومنشأة عامة ولحق الضرر كليا بـ62 منشأة ومبنى، وجزئيا بـ379 أخرى، واقتحام ونهب 31 ممتلكا عاما، وتضررت 27 مركبة عامة، وبلغ إجمالي الممتلكات الخاصة التي طالها الانتهاك نحو 3,617 ممتلكا.
ووفق تقرير المركز، فجرت مليشيا الحوثي 169 منزلا ودمرت 224 منزلا ومنشأة خاصة وألحقت الضرر كليا بـ353 منشأة ومنزلا، وجزئيا بـ2,020 أخرى، وتم اقتحام ونهب نحو 53 منزلا ومنشأة، وتضررت 628 مركبة خاصة، ورصد 190 حالة انتهاك أخرى لممتلكات خاصة.
في ذات السياق، أصدر المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) تقريرًا جديدًا مطلع أغسطس الجاري، تحت عنوان "حصار تعز.. مأساة إنسانية"، وثّق فيه الانتهاكات الحوثية التي مارستها مليشيا الحوثي ضد تعز وسكانها، وذلك خلال الفترة من مارس 2015 وحتى ديسمبر 2023، على رأسها مقتل 3,455 مدنيًا، وإصابة 7,168 آخرين.
ووثّق التقرير أن الحصار الحوثي على تعز أدّى إلى نزوح 44,749 أسرة تتكون من 214,693 فرداً في 17 مديرية من مديريات المحافظة، بالإضافة إلى قيام مليشيا الحوثيين بتهجير 22 قرية في مديريات التعزية وجبل حبشي ومقبنة وصبر الموادم، ووثق في العام الأول من الحصار، وفاة 26 مدنياً نتيجة انعدام مادة الأكسجين من المستشفيات، منهم 9 أطفال و7 نساء.
وبحسب التقرير، شهدت المحافظة وبسبب إغلاق المنافذ الرئيسية من وإلى مركزها مدينة تعز، 561 حادثا مروريا في الطرق البديلة، أوقعت 1,241 ضحية، بينهم 434 وفاة، و807 إصابات، بالإضافة إلى تضرر 20,621 من طلاب الجامعات والمعاهد الفنية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية والأدوية بنسبة 500%، وأجور النقل للأشخاص والسلع بنسبة 1000%.
كما رصد الفريق الميداني للمركز الحقوقي، عرقلة الجماعة قوافل الإغاثة الإنسانية في 31 واقعة، حيث "قامت بمصادرة 22 شاحنة من الإمدادات الغذائية والطبية لسكان المدينة، وخصصتها للمجهود الحربي".
نموذج للمعاناة
وتعد منطقة "الشقب" في جنوبي محافظة تعز، نموذجاً للمعاناة الدائمة للاستهداف المباشر من قبل قناصي مليشيا الحوثي، إذ بلغ ضحايا القنص التي ارتكبتها قوات مليشيا الحوثي نحو 243 ضحية، عدد القتلى منهم (43)، و204 جرحى، وفق بيان أصدرته منظمة "سام" مطلع أبريل الماضي.
كما رصدت المنظمة مقتل مدنيين اثنين وإصابة سبعة آخرين، في ذات المنطقة، من قبل قناص حوثي، خلال الفترة الزمنية الخاصة بالبيان.
منع المياه
تعاني محافظة تعز من شحة المياه وخاصة المديريات داخل المدينة (القاهرة - المظفر - صالة)، حيث تقع مصادر المياه الرئيسية (الآبار) خارج المدينة وتحت سيطرة الحوثيين في مناطق (الحوجلة - الحوبان - الضباب)، والتي لم يستفد منها سكان المدينة، أما مصادر المياه (الآبار)، التي تقع داخل المدينة فتعتبر آبار إسعافية والتي تنتج حوالي 3000 لتر مكعب في اليوم والذي يمثل ما نسبته %16 من إجمالي الإنتاج اليومي المتوفر حاليا من جميع المصادر والبالغ (18,400) لتر مكعب باليوم. وتمثل الفجوة نسبة (91%) من الاحتياج الفعلي للمدينة والبالغ (35,000) لتر مكعب باليوم، وفق تقرير صادر عن مكتب التخطيط والتعاون الدولي بتعز، تناول فيه الوضع الإنساني وتقييم تدخّلات شركاء العمل الإنساني بالمحافظة خلال 2019 - 2020.
وفي يناير الماضي، قالت نيكو جعفرنيا، باحثة البحرين واليمن، قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن الوضع في مدينة تعز اليمنية مأساوي بشدّة، منذ فرضت عليها مليشيا الحوثي الحصار.
وأضافت جعفرنيا أن "هيومن رايتس ووتش"، وثّقت وقوع أربعة من خمسة أحواض مياه في تعز تحت سيطرة الحوثيين أو على الخطوط الأمامية للنزاع، ما يجعل الوصول إليها عسيرا لسكان تعز، مضيفة أن الحوثيين يسيطرون على حوضين منها، وقد أوقفوا تدفق المياه إلى مدينة تعز التي تسيطر عليها الحكومة، رغم معرفتهم أن سكان المدينة يعتمدون على هذه المياه.
كما يمنع الحوثيون المياه ويقيّدون الحصول عليها إلى كجزء من حصارهم للمدينة، ما يعيق دخول صهاريج المياه، التي يعتمد عليها سكان تعز غير المتصلين بشبكة المياه العامة منذ فترة طويلة، وفق الباحثة في هيومن رايتس ووتش.
حرب على التعليم
تبلغ عدد مدارس محافظة تعز 1527 مدرسة موزعة بين أساسي وثانوي، غير أن الحرب الحوثية ألحقت أضرارًا بكثير من هذه المدارس، ودمّرت العشرات منها كليًا، ضمن حربها الواسعة على العملية التعليمية في المحافظة واليمن.
وبحسب تقرير صادر عن مكتب التخطيط والتعاون الدولي في 2020، يبلغ عدد المدارس المتضررة جزئيا (97) مدرسة، بينما عدد المدارس المدمرة كليا (43) مدرسة، وبسبب حالة المدارس وعدم قدرتها على استيعاب هذا العدد، فإن التعليم في المحافظة يمرّ بأزمة كبيرة تحتاج إلى تقديم الدعم بشكل أوسع وكبير.
ومطلع العام الجاري، أفاد تقرير لمشروع "مسام" لنزع الألغام في اليمن، أن الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها مليشيا الحوثي الانقلابية، تسببت في تدمير 344 مدرسة في ست محافظات يمنية، موضحًا أن محافظة تعز كانت الأكثر تضرراً من الألغام الحوثية، حيث دمرت 85 مدرسة، منها 30 مدرسة بشكل كامل، و55 مدرسة بشكل جزئي، وأصيب 221 طالباً وطالبة بجروح متفاوتة.
الحصار مستمر
في 13 يونيو الماضي، فُتح طريق جولة القصر - حوض الأشرف، وأخذ المواطنون يتنقّلون بين مدينة تعز (تحت سيطرة الحكومة المعترف بها) ومنطقة الحوبان (تحت سيطرة الحوثيين)، وذلك عقب استجابة حوثية مفاجئة لفتح هذا المنفذ، بعد سنوات من الحصار الخانق، ورفض مختلف الدعوات المحلية والإقليمية والدولية بخصوص فتح المنافذ لتخفيف معاناة ملايين المواطنين.
ومع ذلك ما تزال مليشيا الحوثي تغلق خمسة طرق رئيسية في ذات الجهة الشرقية، وأكثر من عشرين طريقا رئيسية وفرعية شمال وغربي المحافظة، تحيط بها قناصاتها وألغامها وعبواتها الناسفة من كل اتجاه وزاوية.
ويتفق مراقبون ومحللون على أن الحرب والحصار الحوثي على تعز، والانتهاكات التي ترتكبها المليشيا ضد مواطني المحافظة، قنصًا وقصفًا وتفخيخا، والأضرار الواسعة التي ألحقتها هجماتها بالمدارس والمستشفيات والجامعات والمعاهد والمساجد والممتلكات العامة والخاصة، تكشف مدى قلقها من أن يستكمل أبناء تعز تحرير محافظتهم ذات الأهمية الإستراتيجية على مستوى اليمن، والتي يؤثر وضعها ومتغيراتها على البلد بشكل عام.