في بيان صدر عن عدد من أهالي العزلة، عبروا فيه عن استيائهم وغضبهم الشديدين إزاء الوضع القائم. وجاء في البيان: "الكسارة أصبحت لعنة على منطقتنا، مصدرًا يوميًا للغبار والموت البطيء. لا المياه التي يرشها الأخ نبيل، ولا الأعذار المكررة، يمكنها أن تخفي حجم الكارثة التي نعاني منها. الغبار يخنقنا، يقتل أطفالنا ببطء، ويحوّل هواءنا إلى سمّ متنقل. كفاكم استهتارًا بأرواح الناس."
يصف الأهالي معاناتهم اليومية مع أمراض الربو والتهابات الصدر وحالات الاختناق التي تجعل لياليهم بلا نوم ولا راحة. ويؤكدون أن الكسارة لم تجلب لهم سوى الألم والمرض، وأن استمرارها في العمل هو "جريمة بحق المجتمع".
مطالب بالإغلاق
لم يعد الأهالي يطيقون الوضع، ومطلبهم بات واضحًا وصريحًا: "إغلاق الكسارة بشكل نهائي وفوري. لا حلول مؤقتة، لا مسكنات، ولا وعود كاذبة." ويشددون على أنه "أمام صحة الناس لا توجد مساومات"، مؤكدين أنهم سيلجؤون للقضاء ويفضحون كل مسؤول متواطئ وسُيصعدون بكل الوسائل المشروعة حتى يتم إنقاذ منطقتهم من هذا الخطر القاتل.
يقول الأهالي في لهجة حازمة: "إما أن تُغلق الكسارة، أو سيكون لنا موقفا لا رجعة فيه، ولن يُوقفنا أحد. صبرنا نفد، والحقوق لا تُمنَح، بل تُنتَزع." ويصفون الكسارة بأنها "جريمة يومية ترتكب في حق أهل المنطقة، وغبارها قصفٌ بطيء لأجسادنا، لأطفالنا، لكبارنا، لكل نفسٍ نتنفسه."
الدكتور قاسم علي العزعزي، وهو شاهد عيان على الوضع، انتقد بشدة التبريرات التي يسوقها البعض، قائلًا: "هذا القول المكرر الذي يقول: خلو الرجال يطلب الله٠ ولا يهم يطلب الله ع حساب خلق الله. يمرضون عادي يموتون عادي يجوعون عادي المهم يطلب الله. يطرشون دما لا يهم."
وأشار إلى خطورة سحب الغبار الكثيفة التي تنطلق من الكسارات وتصل إلى القرى المجاورة، محذرًا من انتشار أمراض الربو والأمراض الصدرية.
وناشد السلطة المحلية بعدم غض الطرف عن هذا الموضوع الخطير، مؤكدًا أنه إذا لم يتم التحرك، "سيتصرف المواطنين بأنفسهم وستكون النتيجة خطيره."
مناشدات عاجلة
في مطلع شهر مايو الجاري، نشر المهندس عبدالسلام العزعزي مقطع فيديو على منصة "فيسبوك" عبر مجموعة "منتدى شباب العزاعز"، سلط فيه الضوء على التأثيرات الصحية المدمرة للغبار الناتج عن الكسارة. وناشد المعنيين والعقلاء للتحرك العاجل ووضع حلول لحماية الأهالي.
وقال المهندس عبدالسلام، إن الأرض التي تقع عليها الكسارة مملوكة لوالده وأعمامه وشركائهم، وأنهم قاموا بتأجيرها لـ نبيل العزعزي، صاحب الكسارة الحالية، منذ ست سنوات.
وأوضح أن هذا التأجير خلف مشاكل بيئية وصحية كبيرة، خاصة على الأطفال والنساء الذين يعيشون في منازل قريبة من موقع الكسارة. وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية ربما دفعت بعض الأهالي للصمت مقابل "عطايا مالية أو تخازين" من مالكي الكسارة.
وذكر عبدالسلام أنهم واجهوا في السابق ادعاءات من مالكي الكسارة بتقديم حلول مثل وضع فلاتر أو هناجر، لكنها لم تتحقق على أرض الواقع. وأوضح أن ست قرى تتضرر بشكل كبير من الكسارة، هي الميدان، الدركمه، القحفه، الضعى، الكريث، والأسلم، حيث أصيب عدد كبير من سكانها بأمراض الربو ويستخدمون الأدوية بشكل مستمر.
ونقل المهندس عبدالسلام عن والدته معاناتها من الغبار الذي يتسلل إلى داخل المنازل المغلقة، قائلة، إنها تنظف المنزل قرابة أربع مرات في اليوم دون جدوى.
شكوى رسمية
في خطوة تصعيدية، تقدم المتضررون بشكوى رسمية إلى عدد من الجهات المختصة، بما في ذلك الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة الصحة العامة والسكان ومكاتب البيئة والصحة في محافظتي عدن وتعز.
وطالب المتضررون في شكواهم بفتح تحقيق عاجل وشامل بشأن الأضرار الناتجة عن كسارة الأبراج، ونقل الكسارة إلى موقع بعيد عن السكان، أو توفير حلول تقنية للحد من انبعاث الغبار، وفرض رقابة صارمة على نشاطها، وتحديد مدة زمنية ملزمة لاتخاذ الإجراءات اللازمة مع الإيقاف الفوري للنشاط لحين التنفيذ.
محاولات للتحسين وإنكار للأضرار
بعد انتشار مقطع الفيديو على "فيسبوك"، لوحظ تحرك من قبل القائمين على الكسارة لجلب شاحنات مياه لرش المنطقة بهدف تخفيف الغبار.
من جانبه أنكر مالك الكسارة، نبيل محمد العزعزي، في حديثه لـ تعز تايم، وجود أي أضرار على الآخرين وقام بتصوير مقطع فيديو يظهر فيه الكسارة وهي تعمل دون انبعاث غبار ملحوظ – وهو ما اعتبره البعض محاولة لتحسين صورته بعد الحملة.
وادعى نبيل العزعزي، أن القضية تتعلق بابتزاز من ملاك الأرض لرفع الإيجار، وأن رفضه لهذا الطلب هو سبب هذه "الإشكالات".
ردًا على ذلك، أكد المهندس عبدالسلام أن مسألة الإيجار تخص ملاك الأرض ولا علاقة لها بالمتضررين الآخرين، ودعا إلى اتخاذ تدابير واحتياطات لحماية صحة الناس. داعيًا مالك الكسارة إلى تشكيل لجنة للنزول والكشف عن أماكن تضرر المنازل والتحقق من حقيقة الأضرار.
في السابع من شهر مايو الجاري، نشر المهندس عبدالسلام العزعزي بلاغًا للرأي العام والجهات الأمنية يفيد بتلقيه تهديدًا مباشرًا بالتصفية الجسدية من مالك الكسارة، نبيل محمد علي فارع، على خلفية منشوراته حول أضرار الغبار والسرطانات التي قد يسببها.
وأوضح عبد السلام، أن التهديد وصله عبر أرقام غير معروفة ويتضمن عبارات صريحة تدعو للقتل أو التصفية. وحمّل المهندس عبدالسلام مالك الكسارة المسؤولية الكاملة عن أي ضرر قد يلحق به، وطالب الجهات الأمنية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحمايته والتحقيق في الواقعة.
من خلال متابعة الموضوع ومشاهدة مقاطع الفيديو، تبين أن الكسارة تنتج مخلفات ضارة من غبار وأتربة دون وجود أي إجراءات احترازية فعالة. وفقط بعد الحملة، بدأ القائمون على الكسارة في جلب شاحنات المياه للرش.
يطالب الأهاليبتقديم التزامات وضمانات واضحة لاتخاذ إجراءات واحترازات لحماية الأهالي، بينما يصر القائمون على الكسارة على الإنكار والادعاء بأن الموضوع يتعلق بخلاف حول الإيجار.
يبقى مصير أهالي العزاعز معلقًا بين مطالباتهم بحياة صحية وبيئة نظيفة، وبين استمرار "كسارة الموت" في عملها، مهددة أرواحهم وصحتهم في ظل صمت الجهات المعنية وتجاهلها لصرخاتهم المتصاعدة.