حملة التشويه ضد محافظة تعز.. دراسة تكشف آليات الخطاب الإعلامي كسلاح هجين في الصراعات المعاصرة

تشرين1/أكتوير 09, 2025

في قلب الصراع اليمني الذي يمتد منذ أكثر من عقد، تبرز محافظة تعز كرمز حي للصمود والمعاناة المشتركة. وتقع تعز في المنطقة الغربية الجنوبية من اليمن، على ارتفاع يتجاوز 1,400 متر فوق سطح البحر، مما يجعلها بوابة استراتيجية تربط بين الشمال المسيطر عليه من الحوثي، والجنوب المدعوم إقليمياً.

منذ اندلاع الثورة الشعبية في 2011 تلتها الغزو الحوثي في 2014، أصبحت تعز ساحة لمعارك شرسة حصدت أرواح أكثر من 10,000 شخص، وأدت إلى نزوح مئات الألاف من السكان.

الحصار الذي فرضته مليشيات الحوثي على المدينة منذ مارس 2015 أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة في المدينة، حيث انتشر وباء الكوليرا في تعز وحدها مسجلاً إصابة عشرات الألاف، إلا أن هذه الظروف لم تحول دون تحويل تعز إلى نموذج أصيل للمقاومة الشعبية، حيث نجحت قياداتها المحلية في الحفاظ على التوازن بين الدفاع عن المدينة وتوزيع المساعدات الإنسانية، في ظل الحصار الداخلي والضغوط الخارجية.

مع ذلك شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً لحملات إعلامية وسياسية مكثفة تستهدف قيادات السلطة المحلية في المدينة، وتُتهم شخصيات بارزة مثل: (محافظ تعز، ومدير الأمن، وقائد محور تعز العسكري، ومستشاره، وقائد المقاومة الشعبية في تعز)، وتتهمهم بالفساد المالي، الفشل الأمني، والارتباط المزعوم بجماعة الإخوان المسلمين- عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح.

وتنتشر هذه الحملات عبر منصات التواصل الاجتماعي من وسائل إعلام موالية لطارق صالح، وفصائل جنوبية، لتعبئة الرأي العام.

هذه الدعوات ليست مجرد تعبير عن إحباط شعبي عفوي، بل تبدو مدبرة سياسياً، حيث تربطها التقارير بجهود إماراتية لإعادة تشكيل التحالفات في اليمن، من خلال تعزيز قوات طارق صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، على حساب القيادات الوطنية التقليدية.

تكمن أهمية هذه الدراسة في كشف آليات الخطاب الإعلامي كسلاح هجين في الصراعات المعاصرة، حيث يتداخل الإعلام مع السياسة والعسكرية لتحقيق أهداف استراتيجية.

وفقاً لإحصائيات مركز معلومات حقوق الإنسان والتدريب (HRITC, 2025)، سجلت تعز 24,970 انتهاكاً حقوقياً منذ 21 مارس 2015، حتى 21 مارس 2025، معظمها (85%) من جانب مليشيات الحوثي، إلا أن الحملة الحالية التي تستهدف تعز تركز من اتهاماتها بنسبة 80% على الإخفاقات المحلية، متجاهلة السياق الخارجي ودون ذكر للحوثي.

هذا التحيز ليس مصادفة؛ إنه يعكس أجندات خارجية تهدف إلى إضعاف الجبهة الداخلية في تعز، مما يفتح الباب أمام سيطرة الحوثي، أو فصائل موالية للإمارات، كما حدث في الساحل الغربي تحت نفوذ طارق صالح المدعوم إماراتياً.

تهدف الدراسة التي أعدتها "المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجية" إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية:

أولاً، تفكيك لغة الخطاب في الحملة ومضمونها وخطورتها.

ثانياً، مقارنتها بخطاب القيادات المستهدفة من حيث النبرة والتأثير.

ثالثاً، كشف التناقضات في تعامل الحملة مع قضايا مماثلة في مناطق أخرى مثل الساحل والمناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا المجلس الانتقالي ومليشيات مدعومة من الإمارات، حيث تُبرر انتهاكات أشد خطورة.

رابعاً، استكشاف الأجندات السياسية المخفية، مدعومة بمنشورات سابقة وتقارير تاريخية عن محاولات السيطرة على تعز، من خلال ذلك، تسعى الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة لكيفية استخدام الإعلام في تعزيز التقسيمات، مع اقتراح توصيات لتعزيز الاصطفاف الوطني.                                            

الجزء الأول: لغة الخطاب في الحملة ضد تعز

تشكل لغة الخطاب في الحملة الإعلامية ضد تعز عماداً لنجاحها في تعبئة الرأي العام، حيث تعتمد على مزيج من العناصر العاطفية والإيديولوجية لتشويه صورة القيادات المحلية، في سياق الصراع اليمني حيث يُعد الإعلام أداة حرب هجينة.

تبرز هذه اللغة كوسيلة لإثارة الانقسامات القبلية والحزبية، مستفيدة من التراث السياسي اليمني الذي يعتمد على الرموز والتعميمات.

ووفقاً لتحليل محتوى كمي للحملة بلغت نسبة التعبيرات السلبية 82%، مقارنة بـ18% إيجابية أو محايدة، مما يعكس طبيعة الحملة الهجومية المتعمدة، هذه النسبة مستمدة من تصنيفات متعددة، مع تركيز الحملة على الدلالات السالبة مثل كلمة “فساد” حيث (تظهر في 45% من المنشورات) وكلمة “فوضى” تظهر في المنشورات بنسبة (35%).

من أبرز خصائص هذه اللغة العدائية للحملة هو التعميم الواسع، الذي يربط جرائم فردية أو حوادث جنائية محلية بالقيادة الجماعية بأكملها، على سبيل المثال يركز العديد من الناشطين على ذكر أن تعز تحت قبضة حزب الإصلاح، مع أن الأحزاب في تعز، جميعها لديها مناصب حكومية سياسية متعددة في المدينة، خاصة حزب المؤتمر الذي يذكر البعض أنه يمسك بحوالي 50% من المناصب في تعز. لكن الناشطين الممولين من قبل جهات داخلية لها علاقة بالخارج يذكرون “أن الفوضى الحقيقية تنبع من حزب الإصلاح الذين يسرقون روح المدينة ويبيعون دماء أهلها”.

هذا التعبير منهم ليس مجرد اتهام، بل يعتمد على إحصائيات ملفقة جزئياً، ليوحي للناس بسيطرة طائفية، مستفيداً من التوترات التاريخية بين الإصلاح وبعض الفصائل الممولة إماراتياً، وجزء من النظام السابق، هذا النمط يعزز من الشك الجماعي، مما يجعل الجمهور يرى القيادات ككيان فاسد متماسك، بدلاً من مجموعة أفراد في سياق حربي معقد.

أنماط الخطاب الرئيسية وتأثيرها العاطفي

يمكن تصنيف أنماط الخطاب في الحملة إلى ثلاثة فئات رئيسية: (التعميم، الاتهام المباشر، والرموز العاطفية)، كل منها يخدم هدفاً محدداً في تعبئة الشارع.

أولاً، التعميم يعمل كأداة لتوسيع الاتهامات، حيث تربط الحملة حوادث مثل اغتيال إفتهان المشهري (مديرة صندوق النظافة في تعز، 18 سبتمبر 2025) بسياسات القيادة العامة للسلطة المحلية في تعز، حيث يذكر الناشطين أن اغتيال إفتهان ليس حادثاً عشوائياً، بل نتيجة مباشرة لسياسة سالم وحمود المخلافي الفاسدة، التي سمحت بانتشار السلاح المنفلت، هذا الربط يتجاهل التحقيقات الأولية التي تشير إلى تورط قيادات في حزب المؤتمر، لكنه يعزز صورة “الدولة الفاشلة” داخل تعز.

ثانياً، الاتهام المباشر يستهدف الشخصيات الفردية لتشويه سمعتهم، مما يسهل إزاحتهم سياسياً، مثال واضح على ما تم تداوله لبعض الناشطين في (20 سبتمبر 2025) بأن حمود المخلافي لم يسرق تعز فحسب، بل هرب إلى تركيا محملًا بأموال الشعب، تاركاً المدينة للجريمة والجوع، هذا الادعاء الذي لم يُدعم بأدلة، حقق انتشار كبير في منصات التواصل، وهو ادعاء ليس بجديد بل يُعاد تدويره من وقت لآخر، مما يظهر فعالية التشويه الشخصي في عصر التواصل الاجتماعي.

ثالثاً، الرموز العاطفية، مثل الهاشتاجات التي تعمل على دغدغة المشاعر مثل هاشتاج #تعز_تطالب_بالأمن، #تعز_تستحق_الأمن الذي حققا بعض التفاعلات، مصحوباً بصور لضحايا سابقين وحاليين، وشعارات، ليحول النقد السياسي إلى حملة شعبية عاطفية.

Additional Info

  • المصدر: تعز تايم - المؤسسة العربية للدراسات الاستراتيجة
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro