منذ بداية تفشي الموجة الأولى لفيروس كورونا، في إبريل/نيسان الماضي، بعثت المنظمات الدولية والمحلية والسلطات الرسمية والقنوات والإذاعات، رسالة توعوية واحدة هي "السلام (المصافحة) نظر"، حتى سمعها المواطن اليمني بكل اللهجات المحلية، ومن شخصيات بمختلف الفئات العمرية؛ رجالاً ونساء.
أدت الرسائل التوعوية إلى نتائج عكسية، وخصوصاً لدى جماعة الحوثيين. أنكرت الجماعة في بادئ الأمر وجود الفيروس، وقالت إنه مؤامرة أميركية إسرائيلية، إذ جعلت الناس يتمسكون بالسلام الممنوع، وسمحت لهم بإحياء المناسبات والطقوس التي تشهد كافة فنون المصافحة والتقبيل، ودعتهم لحضور مهرجانات جماهيرية لإحياء مناسبات تم اختراعها وتحضر فيها عبارات السلام. لكنها رفضت في المقابل السلام المنشود، وذهبت لإشعال معارك جديدة وشن عدوان على مأرب.
مطلع فبراير/شباط الماضي، أعلنت الأمم المتحدة حالة طوارئ عقب إدراج الإدارة الأميركية جماعة الحوثيين في قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية. قالت المنظمة الأممية إنّ التصنيف سيعقّد مسار السلام، وبعد إلغاء هذا التصنيف اعتبرت المنظمة الإجراء خطوة مهمة نحو السلام، وبعدها دارت عجلة المبعوثين في دول الخليج، وحضر السلام في البيانات الرسمية ووسائل الإعلام، لكنه في نظر الحوثيين لا يزال خطاً أحمر.
لا وجود للسلام في قاموس الحوثيين، وربما تصاب الجماعة بنوع خطير من الفوبيا عندما يتم ذكره. الجماعة التي تسترخص الدم اليمني وتعتبره مثل الماء، لا يمكن أنسنتها وترويضها بعيداً عن لغة القتل والعنف والدمار.
خلال ثلاثة أسابيع من معارك مأرب، زجّ الحوثيون بآلاف الشباب، وغالبيتهم بشكل إجباري، في محارق الموت، تحت صواريخ الطيران وقذائف المدفعية في جبال مأرب. دفعت الجماعة بأمواج بشرية من أجل التقدم مجرد كيلومتر واحد في جبل البلق المطل على سد مأرب، وأوهمت الشباب بأنهم يقاتلون بتوجيهات إلهية.
المشاهد التي تم تناقلها لجثث مترامية في الشعاب وسفوح جبال مأرب، كانت مروّعة. ومع ذلك، هؤلاء ليسوا أولاد القياديين الحوثيين حتى يحزنوا لأجلهم، بل أرباب أسر فقيرة تم اختطافهم والزجّ بهم في معركة عبثية. وحتى لا يقوم الناس بنقل حقائق المجازر التي ترتكبها الجماعة بحق اليمنيين، تلجأ السلطات الحوثية لشل خدمة الإنترنت، كما حصل في اليومين الماضيين.
يتحدى الحوثيون الدعوات الدولية كافة لوقف معركة مأرب؛ سواء جاءت من واشنطن أو من مجلس الأمن، وتمضي الجماعة في هجماتها العدائية التي تهدد مصير عشرات الآلاف من النازحين.
يدعو المجتمع الدولي، المليشيا الحوثية لوقف هجمات مأرب حفاظاً على أرواح المدنيين، فيظهر قادتها للإعلان عن أنهم سيمضون إلى ما بعد مأرب، وأنّ المحافظة النفطية ستكون نقطة لتحرير كل شبر في اليمن، الذي حولته إلى مكان "غير قابل للحياة" كما وصفته الأمم المتحدة، الأحد الماضي.
ما لم توجد خطوات صارمة تكبح عنف الحوثيين، فلن يكون للتحركات الدولية أي جدوى في إنقاذ اليمنيين من جماعة لديها استعداد للقتال حتى آخر صاروخ إيراني من طراز "ذو الفقار"، وآخر شاب يمني يعول عدة أطفال، تختطفه من منزله وتصفه بالمتطوع، ثمّ تقوده بعد ذلك مباشرة إلى جبهات القتال من دون تدريب، ليكون درعاً بشرية تحمي قادتها المدربين من النيران في الخطوط الأمامية.