وألقت القوات الحوثية القبض على الستة المصريين مع عشرة آخرين في صيف 2015، ثم حوكموا بتهمة "التخابر مع العدو" و"نشر أخبار مغرضة" تزامنا مع بدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية التي تقودها السعودية على اليمن.
تحدث من القاهرة الصحفيين وهم هشام اليوسفي وهيثم الشهاب وهشام طرموم وعصام بلغيث في لقاءات نشرها موقع بي بي سي وكشفوا ملابسات القبض عليهم وواقع الصحافة اليوم في اليمن ومصير زملائهم الأربعة الآخرين الذين ما زالوا في السجن والمحكوم عليهم بالإعدام رميا بالرصاص.
يقول هيثم الشهاب: "كنا نغطي الأوضاع في اليمن بعد أن غادر معظم الصحفيين خوفا من بطش الحوثيين الذين استولوا على العاصمة في سبتمبر/ أيلول 2014. لكن في السادس والعشرين من مارس/آذار 2015، بدأت مطاردات الإعلاميين والصحفيين من قِبل الحوثيين مع بدء قوات التحالف الذي تقودها السعودية في قصف العاصمة".
ويضيف الشهاب أنه بسبب انقطاع خدمة الإنترنت والكهرباء جرّاء القصف، لجأ هو وزملاؤه التسعة إلى أحد فنادق العاصمة صنعاء للعمل حتى ألقي القبض عليهم.
ويرى الشهاب أن القبض عليهم جاء رغبة من الحوثيين في "التعتيم على ما يجري في العاصمة بعد السيطرة عليها".
وأحيل الصحفيون العشرة للمحاكمة وواجهوا اتهامات تشمل "نشر أخبار مغرضة تكدر السِلم والصفو العام والعمل لصالح العدو"، وفقا لما جاء في لائحة الاتهامات التي أنكروها جميعا.
وبينما تم الإفراج عن الصحفيين الستة في أكتوبر/تشرين الأول، لا يزال زملاؤهم الأربعة الآخرين المحكوم عليهم بالإعدام، وهم: عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري يواجهون مصيرا مجهولا.
داخل السجن
ونوّه عصام بلغيث إلى أنه يتلقى الدعم النفسي والرعاية الطبية في القاهرة.
وأشار بلغيث إلى أنه ورفاقه خلال فترة سجنهم تنقلوا بين ستة سجون كان أسوأها، على حد قولهم، سجن الأمن السياسي أو ما يعرف الآن بجهاز الأمن والمخابرات.
ويقول بلغيث "لاقينا سوء المعاملة في تلك السجون جميعها وتعرضنا للتعذيب والحرمان من الطعام والإيهام بالتصفية الجسدية".
ويضيف بلغيث "كان الهدف من القبض علينا ومحاكمتنا إرسال رسالة تهديد لقمع الصحفيين ومنعهم من تأدية واجبهم، سمعنا أنه كانت هناك لائحة مطلوبين أمنيا لدى الحوثيين تضم نحو مئة صحفي، فرّ معظمهم إلى خارج البلاد".
وكانت لجنة حماية الصحفيين قد أعربت عن قلقها في مارس/آذار 2015، بشأن سلامة الصحفيين اليمنيين وسط تصاعد العنف في البلاد، وذكرت اللجنة حينها أن "قوات تابعة للحوثيين داهمت نوافذ إعلامية واحتجزت صحفيين وحجبت مواقع إخبارية".
يحكي بلغيث "أضربنا عن الطعام لمدة 43 يوما احتجاجا على احتجازنا وكنا على مشارف الموت ولكن ذلك لم يثنهم عن الاستمرار في حبسنا، بل ونقلونا إلى زنازين انفرادية عقابا لنا على الإضراب عن الطعام".
"أخطر من الخونة والمرتزقة"
من جانبه، يشير اليوسفي إلى جو التحريض الذي كان سائدا في تلك الفترة والذي أدى إلى سجنهم، قائلا "في خطابه الشهير الذي ألقاه في سبتمبر/أيلول 2015، قال عبد الملك الحوثي-زعيم جماعة أنصار الله- إن من فئة الإعلاميين من هم أكثر خطرا على هذا البلد من الخونة والمرتزقة الأمنيين المقاتلين".
ويضيف زميله بلغيث: "كنا دائما نتلقى التهديدات داخل السجن، كان الحوثيون يقولون لنا إننا سنلقي مصير عبد الله قابل والعيزري".
وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" قد حمّلت جماعة الحوثي المسؤولية عن مقتل الصحفيَين عبد الله قابل مراسل قناة شباب اليمن وقناة بلقيس، ويوسف العيزري مراسل قناة سهيل، بعد أن احتجزتهما في مخزن للسلاح الذي تعرّض بدوره للقصف من قبل قوات التحالف العربي في منطقة ذمار جنوبيّ البلاد في عام 2015.
صفقة الخروج
بالرغم من تبرئتهم من قِبل المحكمة الجزائية التابعة للحوثيين في أبريل/نيسان 2020، لم يخرج الصحفيون الستة إلا في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته ضمن صفقة بين حكومة عبد ربه منصور هادي والحوثيين، تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، شملت تبادل ما يزيد على ألف سجين وأسير بين الجانبين.
ويقول الصحفيون الأربعة إنهم نُقلوا جوا إلى مطار سيئون في حضرموت ضمن الصفقة.
كما يؤكدون أنهم اضطروا إلى التوقيع على أوراق رسمية بعدم ممارسة العمل الصحفي مرة أخرى للإفراج عنهم.
مناشدات للإفراج عن زملائهم
وناشد الصحفيون المفرج عنهم الأمم المتحدة بالتدخل من أجل الإفراج عن زملائهم الأربعة.
وفي رسالة وجهها الصحفيون إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومبعوثه الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، قالوا "نكتب إليكم هذه الرسالة ونحن نتردد كل يوم على المستشفيات والعيادات الطبية في مصر للعلاج مما لحق بنا في فترة الاختطاف، في الوقت الذي يواصل الحوثيون اختطاف ومحاكمة أربعة من زملائنا الصحفيين".
وأشار الصحفيون إلى أن الحالة الصحية لزملائهم متدهورة بسبب ما أسموه "التعذيب الذي ما زالوا يتعرضون له في ظل إهمال متعمّد للرعاية الصحية من قبل الحوثيين".
من جانبه، حذّر هشام طرموم من أن حارث حميد على وشك أن يفقد بصره في محبسه بعد أن مُنعت عنه نظارته الطبية، وفقا لما ذكره.
ويؤكد الصحفيون الأربعة أن مصيرهم أصبح مجهولا، حيث أنهم لا يستطيعون العودة إلى بلادهم الأم "خوفا من القتل" على يد جماعة الحوثي، ولا يحبذون في الوقت ذاته الاستقرار في مصر حيث لا وظائف ولا رواتب، ويعتبون على الحكومة اليمنية تقصيرها في حقهم وحق ذويهم الذين خلفوهم وراءهم في اليمن.
وفي ظل تلك الظروف الصعبة، يدرس الصحفيون فكرة اللجوء السياسي إلى إحدى الدول الأوروبية بعد أن تقطعت بهم السبل في القاهرة.