هل ينجح أبناء حضرموت والمهرة في كبح طموح الانتقالي بالتمدد؟

كانون1/ديسمبر 08, 2022

بعد إحكام المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً قبضته على محافظات جنوبي اليمن، فإنه وجّه أنظاره باتجاه شرق البلاد، ولا سيما محافظة حضرموت، عبر التصويب خصوصاً على الجيش فيها، محاولاً الدفع لإخراجه من المحافظة لإحلال قواته مكانه.

غير أن جملة من التعيينات أصدرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، مساء الثلاثاء الماضي، في السلطة المحلية بوادي وصحراء حضرموت، كشفت عن اتجاه لتمكين أبناء المحافظة من حكمها. 

وجاءت هذه القرارات استباقاً لاعتصامات يخطط مناصرون لـ"المجلس الانتقالي" لتنظيمها في مدينة سيئون ابتداء من اليوم الخميس، للمطالبة بإخراج المنطقة العسكرية الأولى، ضمن حملة تصعيد بدأها قبل أشهر، ما ينذر بمرحلة جديدة من التوتر في المحافظة. 

وعيّن العليمي بقرار جمهوري، الشخصية القبلية والسياسية البارزة، الوكيل السابق للمحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء عصام حبريش الكثيري، وكيلاً لوزارة الإدارة المحلية لقطاع تطوير السياسات المحلية، وذلك بعد أشهر من إقالته من منصبه كوكيل لمحافظات حضرموت من قبل عضو مجلس الرئاسة، المحافظ السابق لحضرموت، فرج البحسني، إثر خلافات بين الرجلين. 

كما شملت القرارات تعيين عامر سعيد سالم العامري وكيلاً لمحافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء، التي تشكل الجزء الأكبر من مساحة حضرموت، وتمتد من حدود محافظة المهرة أقصى شرقي البلاد وصولاً إلى منفذ الوديعة البري. والعامري بحسب مصادر محلية مطلعة، ينتمي إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، وله علاقات واسعة مع مختلف الأطراف، وعلاقة وثيقة بالسعودية، الجار الأقرب للمنطقة التي تشترك معها عبر حدود واسعة ومنفذ بري. 

شملت التغييرات مناصب في المنطقة العسكرية الأولى التي يطالب "الانتقالي" برحيل قواتها من المحافظة 

وشملت التغييرات التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" بنسختها التي تديرها الحكومة، مناصب في المنطقة العسكرية الأولى التي تتمركز في مديريات الوادي الغنية بالنفط والحيوية للاقتصاد الوطني. وتأتي هذه التعيينات بالتزامن مع تصاعد تحركات "الانتقالي" المطالب برحيل تلك القوات على خلفية أصولها الشمالية، أو كما يطلق عليها "قوات الاحتلال اليمني"، ويتهمها بموالاة حزب الإصلاح ونائب الرئيس السابق علي محسن صالح، وهو ما تنفيه قيادة المنطقة. 

وعيّن العليمي العقيد الركن عامر عبدالله محمد بن حطيان، أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى، وهو كان سابقاً قائد الكتيبة الخاصة التابعة للنخبة الحضرمية المدعومة من الإمارات في المكلا. 

وفتح تعيين الرجل التكهنات حول ما إذا كانت التغييرات مقدّمة لتمكين "الانتقالي" من وادي حضرموت، كما جرى في شبوة حين أقيل المحافظ السابق محمد بن عديو وعُيّن مكانه عوض الوزير، والذي مكّن دعاة الانفصال من المحافظة في وقت لاحق. لكن مصادر محلية قالت لـ"العربي الجديد" إن "علاقات بن حطيان أوسع، وهو شخصية أقرب إلى الاعتدال". 

كما جرى تعيين العقيد الركن ناصر صالح محمد حسين الوادعي، أركان حرب اللواء 135 مشاة، التابع للمنطقة ذاتها. 

وقال مصدر حكومي مطلع لـ"العربي الجديد" إن قرارات العليمي "مدفوعة بضغوط سعودية، وبالنظر للشخصيات التي جرى تعيينها ففيها مخاتلة (مناورة) للجميع". وأوضح المصدر أنه "تمت إقالة يحيى أبو عوجاء من منصبه في أركان المنطقة العسكرية، وكذلك أقيل عصام الكثيري رسمياً من منصبه على رأس السلطة المحلية في الوادي، وهما المحسوبان وفق الانتقالي على حزب الإصلاح، وجيء بشخصيات حضرمية معروفة وعلى علاقة بمختلف التوجهات". 

ولفت المصدر إلى أن القرارات جاءت بعد أيام على لقاء تشاوري عقد في مدينة سيئون يوم السبت الماضي، دعا له قائد قوات التحالف في المدينة، المقدم ركن السعودي، ضيف الله المطيري، وضم قيادة السلطة المحلية وقائد المنطقة العسكرية الأولى وشخصيات سياسية وقبلية لتدارس المستجدات. 

بدا نشطاء وإعلاميو "الانتقالي" سعداء بإقالة يحيى أبو عوجاء من منصبه كأركان حرب المنطقة، إلا أنهم لم يبدوا ترحيباً بجملة القرارات. 

وأعلنت مجموعة تدعى "شباب الغضب"، وهي مكوّن يتبع "الانتقالي"، في بيان، "رفض أي حلول ترقيعية أو التفاف على تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض"، في إشارة إلى الاتفاق الذي رعته السعودية بين الحكومة والانتقالي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وطالبت المجموعة  "بإخراج المنطقة العسكرية الأولى بكافة أشكالها من دون استثناء". وتوعدت المجموعة بـ"التصعيد السلمي"، ابتداء من اليوم الخميس، بدءاً "بعصيان مدني شامل" مشيرة إلى أن "التصعيد سيستمر حتى تنفيذ كافة المطالب". 

من جهته، قال رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون التابعة لـ"الانتقاي" عبدالعزيز الشيخ، معلقاً على القرارات: "سياسة التضليل والخداع والمغالطة وذر الرماد في العيون ولى زمنها واندثر، والمعالجات لن تكتمل ما لم يتم تنفيذ بنود اتفاق الرياض، ومشاورات مجلس التعاون، هذه مطالب أبناء حضرموت وخلفهم أبناء الجنوب". وأضاف على "تويتر": "الوقت يمضي وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء". 

في المقابل، رحبت مكونات قبلية حضرمية، بما فيها "حلف قبائل حضرموت"، و"مؤتمر حضرموت الجامع"، و"تجمّع أبناء قبائل آل كثير"، وهي أبرز المكونات القبلية في المحافظة، بالقرارات. 

وقال الناشط الإعلامي الحضرمي ماجد الكثيري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه القرارات مرضية كمرحلة أولى، وبالنسبة لنا كحضارم نراها قرارات إيجابية كخطوة أولى في طريق تغيير أفضل لاحقاً". 

وأضاف أن التغييرات جاءت بعد اجتماع لحلف قبائل حضرموت في منطقة الحموم، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإصدار بيان "تضمّن المطالبة بتغيير قيادة المنطقة العسكرية الأولى بقيادات حضرمية، وفتح باب التجنيد للحضارم، وقطع الطريق على الانتقالي الذي يريد تصوير قوات الجيش وكأنها سبب المشاكل، ونقل الفوضى الحاصلة في عدن والجنوب إلى حضرموت". 

وتابع الكثيري: "الانتقالي بالطبع لن تعجبه تلك القرارات، فهو يريد إخلاء وادي حضرموت من قوات الجيش ليعبث فيها كما يشاء، لإثبات أن حضرموت لا يصح أن تكون محافظة مستقلة، وأنه الأولى بحكمها والاستحواذ على ثرواتها". 

ناشط حضرمي: "الانتقالي" يريد إخلاء وادي حضرموت من قوات الجيش ليعبث فيها كما يشاء 

ومنذ إحكام قبضته على محافظات جنوب البلاد وانتهاء بمحافظة شبوة التي سيطر عليها بقوة السلاح في أغسطس/آب الماضي، ركز "الانتقالي" أنظاره على وادي حضرموت ومناطق شرقي البلاد، التي يرى في مواردها الكبيرة حلاً لمشاكله الاقتصادية، وتوفير موارد ستمكّنه من حكم المحافظات الخاضعة له، وفرض مشروع الانفصال الذي يسعى إليه، وفق الكثيري. 

وقال الكثيري إن "السعودية تركز على محاربة الحوثيين، وفي اجتماعات ممثليها بالشخصيات القبلية في حضرموت يحرصون على توحيد الصف وتجنّب الصراع والخلاف الداخلي، وتوجيه السلاح نحو الحوثي، هذا هو طرح قيادة التحالف في سيئون". 

وأضاف: "تعمل السعودية على إطفاء الحرائق، وعند كل مرة يحصل فيها توتر من قبل الانتقالي تتدخّل قيادة التحالف لتهدئة الوضع، لكن في الاجتماعات التي عُقدت أخيراً وجّهت رسالة للانتقالي أن ما يفعله في وادي حضرموت والبيانات التي يهدد فيها بتوجيه السلاح نحو الجيش والأمن مرفوض". 

دور السعودية في حضرموت 

ويرى مراقبون أن النفوذ التاريخي للجارة السعودية في حضرموت، والتي ترتبط معها بمساحة حدودية واسعة ومنفذ بري، يمثل تحدياً أمام مشروع "الانتقالي". وبدأت الرياض بخطوات عملية دلت على رفض سيطرة "الانتقالي" على المحافظة. ومن أبرزها الاجتماعات التي عقدها قائد قواتها في سيئون أخيراً، إضافة إلى دعمها شخصيات قبلية بارزة ووازنة من آل كثير وآل التميمي وشخصيات من قبيلة الصيعر المنتشرة في المنطقة الحدودية. 

من جهته، قال أمين عام مرجعية قبائل حضرموت الشيخ جمعان بن سعد،  إن "الانتقالي يهدف إلى تمدد قواته على أكبر مساحة ممكنة من المحافظات الشرقية بعد أن تمدد في الجنوب، وهي الخطوة التي يعتبرها ضرورية لتمكينه من التفاوض بشان مستقبل المناطق الواقعة تحت سيطرته ومستقبلها السياسي". 

وعن موقف مرجعية قبائل حضرموت، وهي المكون القبلي الأقوى في المحافظة، قال بن سعد: "موقفنا واضح ومعلن، وهو رفض استقدام أي قوات من خارج المحافظة، والمطالبة بتمكين أبناء حضرموت من الكفاءات العسكرية لتولي زمام الأمور"، مضيفاً "كما ترفض المرجعية ملشنة الحياة وتؤكد ضرورة أن تكون أي قوات عسكرية ضمن إطار وزارتي الدفاع والداخلية". 

وحول الموقف السعودي، ذكر بن سعد أن "مندوب التحالف في الوادي أكد (في اجتماع يوم السبت الماضي) أنهم ضد أي دعوات لتفجير الوضع في الوادي، مؤكدين دور المنطقة الأولى في الحفاظ على الأمن والاستقرار". وأضاف: "موقف المملكة مرهون برؤيتها هي لما يحقق أمن حدودها، وحتى الآن الموقف المعلن هو الرفض التام لأي تحركات عسكرية خارج الإطار الرسمي للدولة". 

خطوط حمراء تمنع تمدد "الانتقالي 

من جهته، قال الناشط الإعلامي الحضرمي عمر بن هلابي،  إن "خطوطاً حمراء تضعها كل من السعودية وعُمان منعت تمدد الانتقالي في كل من حضرموت والمهرة، خلال الفترة الماضية، لذلك اتجه الانتقالي إلى محاولات التصعيد الشعبي والتجنيد وإثارة الفرقة بين القبائل، لكنه فشل". وتابع: "الناس تعي ذلك، والسعودية أدركت أيضاً وبدأت تدعم الصوت الحضرمي الذي يرفض الملشنة وانزلاق حضرموت إلى الفوضى وإلى وضع مثل وضع عدن أو شبوة". 

وأضاف هلابي: "أعتقد أن السعودية لن تسمح بتمدد الانتقالي أو أي قوة أخرى نحو حضرموت والمهرة، والقرارات دليل واضح على إرادة المملكة سحب الفتيل المشتعل"، متابعاً "أعتقد ان السعودية حسمت أمرها وبدأت تضع الأشقاء في الإمارات الداعمين للانتقالي تحت الأمر الواقع". 

وتوقع أن "يرتفع صوت الحضارم بعد هذه القرارات للمطالبة بإخراج لواء بارشيد التابع للانتقالي وإقالة قائد اللواء عبد الدائم الشعيبي، كضرورة لضمان استقرار المنطقة، وهذا سيقطع آمال الانتقالي بالتمدد نحو المحافظة، ويمكّن المجلس الرئاسي من إدارتها بشكل طبيعي". 

ومع استمرار الوضع متوتراً لا سيما في مدينة سيئون، نتيجة تصعيد "الانتقالي" مقابل تكثيف القوات الحكومية انتشارها في الآونة الأخيرة، لم يستبعد بن هلابي حدوث مواجهات، لكنها إن حدثت ستكون "عملية مدروسة لإخراج قوات الانتقالي الآتية من خارج المحافظة"، وفق قوله. 

 

Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro