مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن يوهانس غروندبيرغ، هو أرفع مسؤول دولي حتى الآن يجري اتصالاً غير معلن مع رئيس المجلس الأعلى للمقاومة، في خطوة استكشافية على ما يبدو لتوجهات المجلس ومواقفه السياسية ورؤيته للسلام، وهو الاتصال الذي أفادت مصادر مقربة من رئيس المجلس الأعلى للمقاومة بأنه كان إيجابياً للغاية، وجاء في سياق تحرك طبيعي من مسؤول دولي على دراية بخريطة توزيع القوى والمؤثرين ومستقبل أدوارهم في إطار مهمة السلام التي يؤديها في اليمن.
قيادة المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية تتكون من ستة قادة ينتمون للأقاليم الستة التي يتشكل منها اليمن الاتحادي، بناء على مخرجات الحوار الوطني، وقد اختاروا الشيخ حمود سعيد المخلافي رئيساً للمجلس، إذ من المرجح أن يؤدي هذا المجلس وقادته دوراً مهماً في تقرير مصير اليمن خلال المرحلة المقبلة تأسيساً على إرادة اليمنيين وعلى الثوابت المتفق عليها، وفي مقدمتها وحدة اليمن ونظامه الجمهوري التعدد الديمقراطي، والتي تعرضت لتهديد خطير نتيجة الدور المتنامي للجماعات المسلحة المرتبطة بمشاريع انفصالية وأجندات طائفية، تحت رعاية مباشرة من اللاعبين الإقليميين.
بعد تسعة أعوام من الحرب والتطورات بالغة السوء التي هددت كيان الدولة اليمنية ونشوء كيانات انقلابية جديدة، يأتي تحرك المقاومة الشعبية اليمنية، في إطار من الالتزام بالهدف الأساسي المتمثل في إزاحة الانقلابيين في صنعاء وإنهاء أثرهم العسكري وخطرهم الطائفي، بعد أن كشفت تطورات المرحلة الماضية أن الحرب التي تقودها السعودية دعماً للسلطة الشرعية، لم تعد تُعنَى بالقضاء على هؤلاء الانقلابيين بل استنساخهم وإعادة تعريفهم كجماعة يمنية يتعين الانفتاح عليها وتفهم مطالبها، وهو الأمر الذي أثار مخاوف اليمنيين ودفعهم إلى خوض معركة متحررة من الهيمنة بكل أشكالها وصورها.
كان اللافت أن الإعلام الممول من الإمارات، كما الجماعات المتحالفة معها، هم أكثر من وجه سهام الانتقاد إلى المقاومة الشعبية بعد إعادة توحيدها تحت مظلة المجلس الأعلى، في حين أحجم الإعلام السعودي عن التعليق، بعد أن كانت المقاومة ورجالها طيلة السنوات الماضية هدفاً يومياً لإعلام التحالف والمعلقين المرتبطين بأجنداته، فيما كان المخطط حينها يمضي قدماً نحو التخلي عن هدف استعادة الدولة، وبدلاً من ذلك فرض قوى وتشكيلات عسكرية وميلشياوية، ومشاريع جرى أحياؤها لتبرر أطروحات إعادة تقسيم اليمن، ليبدو الأمر وكأنه استجابة منطقية لتطلعات المكونات المختلفة للمجتمع اليمني.
دُفع ببعض المكونات الحزبية قليلة الأهمية إلى إصدار بيان عن فروعها غير مرحب بتشكيل المجلس الأعلى للمقاومة، غير أن تلك الأحزاب هي الأخرى بدت أقرب ما تكون لإسناد المنظومة المرتبطة بالأجندة الإماراتية، وانبرى بعض المسؤولين في الحكومة لانتقاد المجلس، اعتقاداً منه أن ذلك يمكن أن يثير الارتياح لدى الجانب السعودي الذي لا يمكن حتى الآن معرفة موقفه من إعادة توحيد المقاومة تحت قيادة واحدة، والذي يأتي في إطار توجه واضح نحو خوض معركة لا يتم التحكم بمجرياتها ولا بمآلاتها.
أبدى المجلس الأعلى للمقاومة في بيان إشهاره مواقف تصالحية مع السعودية والتحالف وحتى مع المكونات التي لا يتفق معها في المشهد اليمني، ويرى أنها تتساوق مع الأجندات التخريبية والمعادية للدولة اليمنية، وركز بشكل خاص على عدو واحد هو جماعة الحوثي، وهذا ولَّدَ صعوبة على ما يبدو، لدى الأطراف الخارجية والداخلية التي اعتادت حرق المواقف والمبادرات بسهولة كبيرة، وحيدت مراكز قوى عن التأثير في المشهد اليمني طيلة السنوات الماضية.
ويعود التعقيد في مواجهة واستهداف التوجه الوطني لمقاومة الانقلابيين أولاً، إلى الموقف العقلاني للمقاومة تجاه المؤثرين الرئيسيين في المشهد اليمني تحت مظلة التحالف، بتركيزها فقط على عدو واحد هو جماعة الحوثي. وثانياً، هناك مخاوف من أن استهداف المقاومة الشعبية سيفند عملياً ادعاءات الأطراف التي تمضي في تخريب اليمن، بأنها إنما تسعى إلى إنهاء انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران، والذي استناداً إليه لم تتوقف ابتزاز الخط الوطني وإضعافه وتحييده طيلة الفترة الماضية.
وخلاصة القول هي أن المقاومة الشعبية، وهي تعيد ترتيب صفوفها وتوحيد موقفها تحت قيادة واحدة، تحدث الأثر الأهم في الجمود الراهن، وتعيد الأمل لليمنيين بأن المعركة لم تعد تسوية أرضية لأكثر الأطراف سوء في المشهد اليمني أو إعادة تصميم قسرية لخارطة جديدة للجغرافيا اليمنية، بل فعل وطني سيتحكم بها قرار مستقل ومنحاز للأولويات اليمنية، والتي تتصدرها عملية استعادة الدولة والحفاظ على وحدتها ونظامها الجمهوري.