هكذا تنهب مؤسسة خليفة الإماراتية الثروة السمكية في سقطرة وتقرض الصيادين غذاء أطفالهم

حزيران/يونيو 02, 2024

على شواطئ جزيرة سقطرى، حيث تلتقي أمواج البحر المتلاطمة بِرمالها البيضاء، يقف "علي"، الشاب الذي تعلو وجهه الأسمر التجاعيد، وتخبِّئ عيناه حكايات من كفاح لا ينقطع، حيث يبذل جهدا إضافيا في صيد الأسماك بشباكه البسيطة، يسابق الزمن لتوفير حاجة أسرته من الغذاء والمال، قبل أن يحين موعد إغلاق الملاحة البحرية مع هبوب الرياح الشديدة، التي تسبب هيجان البحر، خلال موسم الخريف، الذي يبدأ منتصف شهر يونيو القادم، ويستمر لأربعة أشهر، وتنقطع الجزيرة عن عالمها الخارجي.

مع حلول موسم هيجان البحر، يبدأ القلق يراود مواطني جزيرة سقطرى، البالغ عددهم 44,120 نسمة، بحسب آخر تعداد سكاني عام 2004.

تتحول أمواج البحر الصديقة إلى عدو هائج، يقطع على السكان طريق رزقهم، ويحاصرهم في بيوتهم البسيطة في قلب الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، فيما ينتظر صيادو الجزيرة بفارغ الصبر عودة هدوء الأمواج ليستمروا في كسب رزقهم اليومي البسيط من خلال مهنتهم الوحيدة.

تقع جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي، وتتميز بتنوِّعها البيئي الفريد، وجمال طبيعتها الخلابة، لكنها تواجه تحدِّيات كبيرة، خاصة خلال موسم هيجان البحر، حيث تتحول الحياة فيها إلى كابوس متكرر، حيث يقطع على السكان جميع سبل التواصل مع العالم الخارجي، ويحرمهم من أبسط احتياجاتهم الضرورية من خارج تراب الجزيرة، أو التواصل مع الجزر المحيطة التابعة لمحافظة سقطرى (جزيرتا سمحة وعبد الكوري).

يقول مدير هيئة المصائد السمكية في الجزيرة "إن تأثير موسم الرياح يحرم أكثر من 5000 صياد وصيادة يمتهنون الصيد كمصدر رزق وحيد وأساسي، ويمنع الطقس المضطرب المحركات البحرية، التي يبلغ عددها حوالي 4500 محرك، وقوارب الصيد، البالغة عددها 1300 قارب صيد متعددة الأحجام، من العمل، كما تتوقف أيضا الجمعيات السمكية، البالغ عددها 32 جمعية موزعة على ستة تجمعات سمكية في المحافظة اليمنية".

ويضيف عثمان -مدير هيئة المصائد السمكية في البحر العربي ومحافظة سقطرى- لـ "بلقيس": "تأثير موسم الرياح كبير بشكل خاص على الصيادين من أبناء الجزيرة، حيث يتوقفون عن عملهم اليومي، الذي يعتمدون عليه بشكل يومي لتوفير لقمة عيش أسرهم، بالإضافة إلى توقف الحركة التجارية البحرية والعمل في البحر بشكل كلي".

وأوضح عثمان أن "ذلك التوقف يُجبر الصيادين على استلاف المال لتوفير احتياجاتهم من الغذاء خلال موسم توقف عملهم".

وتابع: "يستلف الصيادون المال من تجار الأسماك، الذين يبيعونهم أسماكهم خلال مواسم الصيد".

وأشار إلى أن "هذه تعد مشكلة كبيرة يعاني منها الصيادون خلال فترة توقف الصيد؛ بسبب البحر والرياح العاتية، والخطرة على حياتهم".

- لا بدائل اقتصادية

يقول عثمان إن "الصيادين ليس لهم بدائل اقتصادية متعددة يمكنهم العمل فيها خلال موسم توقف الصيد بشكل عام، لكن هناك عدد محدود جدا من الصيادين قد يتحولون إلى رعي الأغنام، أو إلى العمل في المزارع المحدودة".

وأوضح عثمان أن "الصياد السقطري معروف بالضعف الاقتصادي، ويعيش على مستوى متدنٍ جدا اقتصاديا، وضعف في معدات الصيد التقليدية، التي يعتمد عليها".

وأرجع عثمان ذلك إلى "غياب التنافس في شراء الأسماك، وتدنِّي أسعار الأسماك، مقارنة بالمحافظات اليمنية الساحلية الأخرى".

تغيب في سقطرى أسواق بيع الأسماك، وأيضا الشركات المتنافسة في شراء الأسماك، إما للتحضير والتعليب أو للتصدير وغيرها (في سقطرى شركة تجارية واحدة فقط "إماراتية" توجد لشراء أسماك الصيادين).

"وذلك يحدُّ من وصول المستثمرين في مجال الأسماك، بالإضافة إلى أن المستثمرين من خلال العبَّارات الصغيرة لا يستطيعون الوصول إلى الجزيرة؛ بسبب الفيضانات والأعاصير أحيانا، والتغيرات المناخية المباغتة أيضا، وهذا يؤثر على عدم أمان الصياد على بيع كميات الصيد لديه بشكل دوري ومستمر، فهناك مؤثرات متعددة على الصيادين السقطريين" -بحسب عثمان.

-الاستجابة للمساعدة

هيئة المصائد السمكية تعمل جاهدة -بحسب عثمان- على مساعدة الصيادين خلال المشكلة البيئية، وتغيرات المناخ في البحر، التي تحرمهم من الاستمرار في الصيد، حيث تعمل الهيئة على التنسيق مع منظمات داعمة لتقديم السلال الغذائية، وبعض الاحتياجات المحددة، لبعض الصيادين من الأشد احتياجا، رغم عدم نجاح هذا الجهد، وعدم الاستجابة حتى الآن على الأقل.

وأكد عثمان أن "هيئة المصايد السمكية تواجه تحدِّيات كبيرة جدا في مهامها في جزيرة سقطرى، خصوصا في ما تخلِّفه العواصف والفيضانات التي تشهدها محافظة سقطرى، حيث تخلِّف أضرارا على قوارب الصيادين دون وجود بديل".

وبحسب عثمان: "حتى الآن يوجد 50% من الصيادين المتضررين لم يحصلوا على تعويض؛ جراء تضررهم بإعصاري تيج وتشابلا اللذين ضربا الجزيرة سابقا".

- غياب البنية التحتية

بالإضافة إلى ذلك، لا توجد في سقطرى بنية تحتية للقطاع السمكي وتغيب القنوات الرسمية للتسويق التي تعمل على الحفاظ على الأسعار المناسبة، بخلاف ما يحدث اليوم من سعر واحد للأسماك، يتحكم به سوق محلي واحد، وتجار معدودون.

وتغيب مصانع الثلج، وكواسر الأمواج والألسنة البحرية، وتغيب غرفة الإنذار المبكر للتوقع بالكوارث، وأخذ المحاذير قبل وقوع الكوارث.

- سفن أجنبية وصيد جائر

مشكلة الصيد الجائر تواجه الهيئة في سقطرى، حيث تقوم سفن أجنبية بجرف الأسماك بشكل عشوائي وغير قانوني، وخاصة خلال موسم هيجان البحر، بالإضافة إلى الأوقات الأخرى خلال العام؛ كونها سفنا عملاقة لا تتأثر بما تتأثر به القوارب الصغيرة؛ مستغلة خلو البحر من أي صياد، أو تحرك في البحر القريب من الجزيرة.

- خفر سواحل مشلول

وأشار عثمان إلى أن "قوات خفر السواحل اليمنية في الجزيرة تفتقر إلى السفن الأمنية والقوارب، التي تمكِّنها من مطاردة وملاحقة سفن الصيد الأجنبية في المياه اليمنية في جزيرة سقطرى، بالإضافة إلى افتقار هيئة المصائد السمكية إلى الدعم والأجهزة الرقابية بما فيها القوارب البحرية والأجهزة المتطورة بهدف حماية الثروة السمكية من الصيد الجائر، سواء من البواخر الأجنبية أو من الصيادين اليمنيين الوافدين من خارج الجزيرة، وكذا من بعض الصيادين المحليين في الجزيرة.

- تأثيرات على السكان

يقول مدير فرع وزارة الصناعة والتجارة في الحكومة الشرعية بمحافظة سقطرى، سعيد سعد فرحان: "خلال فترة الخريف ينقطع وصول السفن وعبّارات النقل البحرية لنقل الغذاء واحتياجات السكان في محافظة أرخبيل سقطرى؛ نتيجة الرياح الموسمية الشديدة، التي تمنع السفن الصغيرة وقوارب الصيد من العمل طوال الموسم".

وأضاف: "نتيجة لذلك، يقوم مكتب الصناعة والتجارة والمكاتب الحكومية المرتبطة لمناقشة الخطة التموينية، والاتفاق على مدة وكيفية تنفيذها، ثم إنزالها وعرضها على التجار والمستوردين إلى الجزيرة، والاتفاق على تنفيذها بإشراف لجان مراقبة الأسواق المحلية، عملا بالقوانين اليمنية السائدة في باقي محافظات البلاد؛ لمراقبة التلاعب بأسعار الغذاء، أو التحفظ على كمياتها خلال الموسم".

وأوضح فرحان أن "اللجنة المكلفة تعمل أيضا على توزيع المواد الغذائية والاستهلاكية من مخازن المورّدين على كل تجار الجملة أولا، وحسب قدرة كل تاجر المالية، واحتياج تغطية تجارته المعتادة لتجار التجزئة".

-استدانة الغذاء

وفي الوقت الذي يعتمد فيه جزء كبير من سكان الجزيرة على مهنة الصيد اليومية لتوفير لقمة عيش أسرهم، تتوقف مهنة الصيد -خلال موسم الخريف- بفعل هيجان البحر، يقول فرحان إن "السلطة المحلية ومكتب الصناعة والتجارة يعملان بشكل دوري على التوسط بين التجار والمواطنين لدفع التجار نحو التعاون مع المواطنين والموظفين الحكوميين بهدف استدانة المواطنين احتياجاتهم الأساسية بالدَّين الآجل حتى ينتهي الموسم، ويبدأون بسداد المديونية خلال أشهر عملهم بعد انتهاء موسم الرياح".

- مؤسسة إماراتية ودين الصيادين

"الموظف الحكومي في الجزيرة تقدم له الاحتياجات الأساسية من التجار بالدين الآجل، عن طريق رسالة من موقع عمله الحكومي"، بحسب فرحان.

وأضاف: "مؤسسة خليفة الإنسانية، التي تعمل على شراء الأسماك في الجزيرة، تقدم المؤن للصيادين دينا عبر الجمعيات التابعة لها، ويتم بعدها خصم المبالغ من إنتاج الصياد بعد فترة الخريف (موسم الرياح وهيجان البحر)".

ورغم أن جزيرة سقطرى اليمنية لم تتأثر بميدان الحرب، التي لم تصل أراضيها، إلا أنها تأثرت بتبعات الحرب الدائرة في البلاد، منذ تسع سنوات؛ من خلال التأثير الاقتصادي بشكل أكبر وأوسع، وكذا تأثير سيطرة قوى خارجية إماراتية - سعودية على الجزيرة، وسكانها البسطاء.

 

Additional Info

  • المصدر: نقلا عن تلفزيون بلقيس
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro