بعد سنوات من القتال في ظروف صعبة وتضاريس وعرة وتعرضهم لآلاف الضربات الجوية، يؤكد محللون أن الحوثيين لن يكونوا هدفا سهلا للأمريكيين الذين بدأوا نهاية الأسبوع حملة جوية ضد المتمردين المدعومين من إيران. و صمدت الجماعة، وهو الاسم الرسمي للحوثيين، التي أتت من جبال صعدة بشمال اليمن لأكثر من عقد من الحرب في مواجهة تحالف دولي تقوده السعودية لدعم القوات الحكومية، بعدما سيطر الحوثيون على أجزاء واسعة من اليمن بما فيها العاصمة صنعاء في عام 2014.
"تحدي هزيمة الحوثيين"
وباتت هذه الحركة السياسية-العسكرية المنتمية إلى الأقلية الزيدية الشيعية أكثر تجذرا، حتى أنها كانت تتجه نحو عملية سلام مع السعودية قبل أن تعلِّق حرب غزة المحادثات. تقول مديرة كلية غيرتون في جامعة كامبردج البريطانية إليزابيث كيندال لوكالة فرانس برس إنه "لا ينبغي الاستهانة بتحدي هزيمة الحوثيين"، واصفة إياهم بـ"المقاتلين الصامدين". وأسفرت الضربات الأمريكية السبت 15 مارس / آذار 2025 عن مقتل 53 شخصا وإصابة 98 آخرين، وفق الحوثيين، الذين قالوا إنهم ردوا باستهداف حاملة طائرات أمريكية في البحر الأحمر مرات عدة. وقال الأمريكيون إن تحركهم العسكري يهدف إلى وقف تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر، بعدما أعلن الحوثيون استئناف حملتهم التي استمرت طوال مدة الحرب في غزة وتوقفت مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حيز التنفيذ في 19 يناير / كانون الثاني 2025.
ويؤكد الحوثيون أن هجماتهم تأتي "تضامنا" مع الفلسطينيين، وأعلنوا في 11 مارس / آذار 2025 "استئناف حظر عبور" السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر امتدادا إلى بحر العرب، حتى "إعادة فتح المعابر" في قطاع غزة. وإذ تعهد الأمريكيون وضع حد لتلك الهجمات، ترى كيندال، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، أنه "لن يكون من السهل" هزيمة الحوثيين. وفي السابق وبعد أشهر من سيطرة الحوثيين على صنعاء في عام 2014 وإطاحة الحكومة المعترف بها دوليا، بدأ تحالف تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات حملة عسكرية على الحوثيين، في محاولة لوقف تقدمهم. ومنذئذٍ صمد الحوثيون في وجه "أكثر من 25 ألف غارة لقوات التحالف" على المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وفق كيندال. كما واجهت الجماعة على مدى العام الماضي 2024 ضربات أمريكية وبريطانية وإسرائيلية، ردا على هجماتها في البحر الأحمر.
وعورة التضاريس وصعوبة الاختراق
وبحسب الخبير في شؤون الدفاع في مركز "أتلانتيك كاونسل" أليكس بليتساس، فإن أسلحة المتمردين التي تشمل منصات صواريخ متنقلة، يصعب العثور عليها وتدميرها. وكتب بليتساس على موقع المركز الإلكتروني أن "قدرة الحوثيين على الصمود تنبع من انتشار أسلحتهم عبر تضاريس اليمن الوعرة، وهو ما يُعقِّد جهود الاستهداف". ورغم إضعاف العمليات الاستخباراتية لكل من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني -من خلال سلسلة اغتيالات إسرائيلية- فإن الحوثيين -الذين ينتمون إلى "محور المقاومة" نفسه الذي تقوده إيران في المنطقة- لم يتعرضوا لاختراق مماثل. ويقول الباحث في "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية" في لندن فابيان هينز إن اليمن -الذي لطالما اعتُبر "مشكلة إقليمية" للسعودية والإمارات- "لم يكن الأولوية الرئيسية لجمع المعلومات الاستخبارية".
ويتمتع اليمن بموقع استراتيجي يطل على الطريق البحري الحيوي الذي يربط بين أوروبا وآسيا، حيث يتمركز الحوثيون في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها. وغالبا ما يستخدم المتمردون اليمنيون في هجماتهم طائرات مسيرة وصواريخ محلية الصنع، ورغم أنها تعتبر بسيطة لكنها فعالة في التأثير على حجم حركة الشحن في البحر الأحمر بشكل كبير، بما أن شركات الشحن تتفادى المسار. وشن الحوثيون في الماضي هجمات متكررة على السعودية المجاورة لليمن، بما في ذلك المنشآت النفطية هناك، ومطلع عام 2022 شنوا ضربات على الإمارات، ما أسفر عن مقتل ثلاثة عمال نفط. وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في تشرين نوفمبر / الثاني 2024 إلى أن الحوثيين أصبحوا "منظمة عسكرية قوية" بفضل الدعم الخارجي "غير المسبوق"، خصوصا من إيران وحزب الله.
"إيران المصدر الرئيسي لأسلحة الحوثيين"
وأفاد التقرير بأن المتمردين اليمنيين نفذوا حملة تجنيد واسعة النطاق، مكَّنت من حشد قوة قوامها 350 ألف مقاتل في منتصف عام 2024، مقارنة مع 220 ألفا في عام 2022. وأدت إيران دورا أساسيا في تطوير قدرات الحوثيين الصاروخية المضادة للسفن وهي مصدرهم الرئيسي للأسلحة، بحسب هينز. وأوضح هينز لفرانس برس أن الحوثيين يملكون صواريخ بالستية وصواريخ كروز يصل مداها إلى ألفي كيلومتر، وطائرات من دون طيار يمكنها عبور مسافات طويلة. لكن رغم معدل الفشل المرتفع، يحذر هينز من أن "هناك دائما فرصة لنجاح" أحد الهجمات. وفي حين لا يمكن للمتمردين اليمنيين منافسة قوة الجيش الأمريكي، تقول كيندال إنهم "يستفيدون من الطبيعة غير المتكافئة للصراع". وتضيف أن مجرد استمرار الحوثيين في إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في البحر الأحمر -مهما كانت "بدائية"- "كفيل بتعطيل التجارة البحرية العالمية وحرية الملاحة".
وفي إطار الضغط المستمر الذي تمارسه الولايات المتحدة على إيران وحلفائها، فرضت واشنطن عقوبات على قادة حوثيين وأعادت تصنيف الجماعة "منظمة إرهابية أجنبية" مؤخرا. لكن كيندال تقول إن القضاء على الحوثيين الذين يُسيطرون على أراضٍ تُعادل مساحة لبنان بنحو 20 ضعفا ومساحة غزة بنحو 500 ضعف، لن يكون سهلا. ورغم إضعاف حماس وحزب الله إلى حد كبير، فإن القتال ضدهما تضمَّن هجوما بريا، كما يقول هينز، مضيفا أن "هذا لن يحدث في اليمن، لن يُرسل الأمريكيون قوات برية". ويُشير الشريك المؤسس لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي إلى أن إضعاف الحوثيين يتطلب "حرمانهم من إطلالتهم على البحر الأحمر والذي يعني أساسا حرمانهم من مستويين: العائد الاقتصادي الكبير والوصول إلى السلاح والقدرة على التهديد". ويضيف أن "هذه المعركة إذا انحصرت في الجو فلن تشكل تهديدا وجوديا للحوثيين، يمكن أن تزعزع شكل السلطة لديهم، ولكن من دون شراكة مع أطراف محلية يمنية تبقى هذه الجهود ناقصة".