فعلى مدى سنوات، عانت الحكومة من فقدان السيطرة على مؤسساتها الإيرادية، إذ لم تلتزم معظم الجهات بتوريد أموالها إلى حساباتها الرسمية في البنك المركزي اليمني كما يقتضي القانون. وفي خطوة وصفت بأنها “غير مسبوقة”، أصدرت وزارة المالية تعميماً يلزم جميع الهيئات والمؤسسات والشركات العامة بإغلاق حساباتها في البنوك الحكومية والتجارية وشركات الصرافة، وتحويل أرصدتها بالكامل إلى البنك المركزي اليمني وفروعه. كما شدد التعميم على استخدام النماذج المالية الرسمية وإلغاء أي سندات خارج النظام العام، مع مطالبة تلك الجهات بتقديم مراكزها المالية وتقاريرها السنوية لعام 2024.
ويُنظر إلى هذا القرار كخطوة محورية نحو توحيد الوعاء الإيرادي للدولة، في ظل ضغوط محلية ودولية لتنفيذه، خاصة من قبل المانحين والمؤسسات التمويلية التي طالبت الحكومة بوقف الهدر المالي في أكثر من مئة هيئة ومؤسسة تعمل بمعزل عن الرقابة المركزية.
وأكد الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أن الحكومة مطالبة بوضع آلية تنفيذ واضحة لهذه الخطوة، مشيراً إلى أن التحدي الأكبر يكمن في مدى التزام المؤسسات الخاضعة لنفوذ محلي أو سياسي، إضافة إلى ضرورة التفاهم مع السلطات المحلية بشأن تغطية النفقات التشغيلية. وشدد نصر على أن نجاح الإصلاحات يتطلب إرادة سياسية قوية وآليات رقابية فاعلة تضمن توريد جميع الموارد إلى البنك المركزي.
من جهته، وصف الخبير الاقتصادي محمد علي قحطان الوضع المالي للحكومة بأنه “منفلت”، مشيراً إلى أن عدداً من المؤسسات الإيرادية تعمل خارج سلطة الدولة بأسلوب يشبه الكيانات المستقلة، داعياً إلى فرض الرقابة والمحاسبة الصارمة على الجهات التي تمتنع عن التوريد، باعتبار أن ذلك يمثل مدخلاً لإعادة الثقة بالنظام المالي للدولة.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، تراجعت الإيرادات الحكومية من 22.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى أقل من 12% في عام 2024، فيما تجاوز الدين العام 100% من الناتج المحلي، وارتفع عجز الحساب الجاري إلى نحو 11%. كما انخفضت الاحتياطيات الأجنبية إلى ما دون شهر من الواردات، رغم الدعم المالي السعودي الذي بلغ نحو ملياري دولار خلال عامي 2023 و2024.
ويرى مراقبون أن قرار وزارة المالية يمثل نقطة تحول لإعادة الانضباط المالي داخل مؤسسات الدولة وتوحيد الحسابات الحكومية تحت إشراف البنك المركزي، بما يعزز الشفافية والثقة بالاقتصاد الوطني ويمهد لتصحيح مسار المالية العامة في البلاد.










