وتتمتع حضرموت بموقع جغرافي بالغ الأهمية، إذ تطل على بحر العرب، أحد الممرات البحرية الحيوية عالميًا، إلى جانب امتدادها الصحراوي الواسع الذي يربط بين عدد من المحافظات الشرقية، فضلًا عن احتضانها أهم الحقول النفطية وموانئ تصدير النفط ااخام اليمني.
وفي مطلع ديسمبر الجاري، صعّد المجلس الانتقالي من تحركاته العسكرية والأمنية باتجاه صحراء ووادي حضرموت، وصولًا إلى محافظة المهرة التي سيطر عليها بعد مفاوضات مع السلطة اامحلية بالمحافظة، مبررًا هذه التحركات بوجود عناصر إرهابية، وضرورة ملاحقتها، إضافة إلى أنه يدعي بسيطرته سيعمل على قطع خطوط التهريب ومنع وصول الإمدادات إلى مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة، وحركة شباي الصومال، وهو ما يدعيه المجلس، لكن الوقائع على الأرض تقول غير ذلك.
- تفكيك اليمن من الشرق
حيث تأتي سيطرة الانتقالي على حضرموت والمهرة على الحدوك السعودية وعمان، لتدق آخر مسمار في نعش مكونات الشرعية بمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، ولتضع البلاد وكافة قواها الحزبية والسياسية في واقع خروج محافظات الجنوب والشرق من سيطرة الحكومة.
ويسعى المجلس الانتقالي لتعزيز مشروع استعادة دولة الجنوب لما قبل 22 مايو 1990، وبسيطرته على حضرموت مؤخرًا تمثل له نفوذ كبير من حيث ماتمثله المحافظة من مساحة كبيرة، وغنية بمنابع النفط والغاز، كما يأتي بهدف تعزيز حضوره في محافظات اليمن الشرقية أمام أي مفاوضات سياسية أو دولية.
يقول المحلل السياسي اليمني عبدالواسع الفاتكي، إن حضرموت تمثّل محور ارتكاز في الصراع الدائر في اليمن بشكل عام ، وفي مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل خاص فالسيطرة على حضرموت ليست مجرد رغبة في التوسع الجغرافي بل هي في نظر المجلس الانتقالي الجنوبي معركة وجودية.
ويضيف الفاتكي أن المجلس الانتقالي الجنوبي يهدف من السيطرة الكاملة على حضرموت إلى تحقيق عدة أهداف فهو يرى أن مشروعه المسمى باستعادة دولة الجنوب العربي لا يمكن أن يتحقق ويكتمل طالما وهناك قوات في حضرموت غير تابعة له وخارج سيطرته ومحسوبة على قوى شمالية من وجهة نظره أو جهات يعتقد أنها لا تؤيد مشروعه.
ولذلك من خلال تمدده العسكري - وفقًا للمحلل السياسي- يسعى لضمان أن يكن القرار العسكري والأمني في الجنوب موحدًا تحت مظلته وقيامه بإحباط أي تحركات تهدف لجعل حضرموت إقليمًا مستقلًا أو كيانًا منفصلًا عنه وهو التوجه الذي تدعمه بعض القوى الحضرمية مثل حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع مؤخرًا.
- أطماع المجلس الانتقالي
تكتسب حضرموت أهمية مضاعفة من حيث المساحة والموقع، إذ تمثل أكثر من ثلث مساحة اليمن، ما يجعل السيطرة عليها مكسبا جغرافيا استثنائيا يحقق المجلس الانتقالي عبرها أطماعه التي ظل سنوات يحاول الوصول إليها.
كما أن إحكام النفوذ على حضرموت المحافظة الغنية بالثروات هي الأكبر في البلاد، يمنح المجلس الانتقالي حدودا مباشرة مع المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، إضافة إلى السيطرة على شريط ساحلي طويل ومفتوح على بحر العرب، أحد أهم الممرات البحرية الإقليمية، فضلًا عن موانئ التصدير الحيوية.
وأوجز المحلل السياس الفاتكي أطماع المجلس الانتقالي في حضرموت في ثلاثة جوانب رئيسة، وهي أولًا لما تمتلكه المحافظة من ثروة نفطية ومعدنية فريدة، فحضرموت بحسب الفاتكي هي خزان الثروة الأكبر في اليمن وأن السيطرة عليها تعني السيطرة على منابع النفط وموانئ التصدير ما يمنح الانتقالي استقلالًا اقتصاديًا، وموارد مالية ضخمة لتمويل دولته المنشودة، خارج إطار الدولة اليمنية.
أما الجانب الثاني فهو العمق الاستراتيجي والجغرافي للمحافظة، والتي تمثل أكثر من ثلث مساحة اليمن، والسيطرة عليها تمنح الانتقالي حدودًا مباشرة مع المملكة العربية السعودية ومع سلطنة عمان، بالإضافة إلى السيطرة على شريط ساحلي طويل على بحر العرب ما يعزز من خياراته الاستراتيجية وحضوره الإقليمي ويمنحه أوراق ضغط كبيره على المجتمع الإقليمي والدولي يكتسب من خلالها تراكم قوة لفرض مشروعه والاعتراف به.
- أسرار اندفاع الانتقالي نحو حضرموت
يطمح الانتقالي لتقديم نفسه كحامل وحيد للقضية الجنوبية وهذا لا يستقيم دون أن تكون حضرموت بثقلها التاريخي والثقافي والاجتماعي فضلًا عن السياسي والجغرافي والاقتصادي تحت قيادته لكسر حدة الاتهامات التي تصفه بأنه يمثل مناطق المثلث أي الضالع ولحج أبين فقط.
الجدير ذكره أن حضرموت تعد حجر الزاوية في مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، إذ ينظر إليها باعتبارها الروح التي لا يمكن لأي كيان سياسي جنوبي أن يقوم دونها، فغياب حضرموت يعني، عمليًا، غياب مقومات الدولة القابلة للحياة جغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا، في ظل محدودية الموارد والمساحة في محافظات عدن ولحج والضالع وأبين مقارنة بثقل حضرموت وشبوة والمهرة.
وهنا يؤكد الفاتكي أن المجلس الانتقالي يدرك أن ميزان التعامل الدولي يقوم على من يفرض سيطرته على الأرض ويمتلك الموارد، الأمر الذي يجعل السيطرة على حضرموت مدخلًا لفرض نفسه كلاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية مقبلة، وإجبار المجتمعين الإقليمي والدولي على التعامل معه.
وفي البعد الهوياتي، يشير عبدالواسع إلى أن هوية الجنوب تاريخيا ترتبط بحضرموت، إذ يدرك الانتقالي أن أي مشروع جنوبي يتجاهلها أو يصطدم معها سيظل مشروعا ناقصا ومهددا بعدم الاستقرار، وهو ماسعى إليه بقيادة عيدروس الزُبيدي.
ويرى مراقبون أن تحركات المجلس الانتقالي باتجاه حضرموت والمهرة لا يمكن فصلها عن مخطط أوسع يستهدف تفكيك الجغرافيا اليمنية، وضرب وحدة البلاد، عبر السيطرة على المحافظات الغنية بالثروة والمواقع الاستراتيجية، وتحويلها إلى أدوات نفوذ خارج سلطة الدولة اليمنية ومؤسساتها الشرعية.










