في الواقع ذاك بعض الحقيقة وليس كلها، ومنطق يأتي من باب (كلمة حق أريد بها باطل) .
فأن يترك الحوثي ومن معه من الموالين يفرون بفعلتهم ويستمر بفرض الحصار عن أكبر مدن اليمن وقراها، فذلك ليس وجهة نظر غريبة وحسب، ولكنه موقف مشارك بالجريمة، بل وبعضه أشد لؤما من الحوثي الذي لا يخفي توجهه الفاشي المعلن، فهو يحارب معظم سكان اليمن أي مناطق الوسط والجنوب والشرق والغرب بحجة أنهم (كفار تأويل)، وتلك قصة مشهورة ومستمرة لدى الرؤية المذهبية المجغرفة، ولا يخفيها الحوثي، فهو يطلق على مقاتليه من ميليشياته اسم المجاهدين، والآخرين الذين يقاتلهم هم (الكفار ).
وبالتالي أن يأتي من يشمت بالناس الضحايا ويفت من عضدهم بحجة أن موقف الحكومة سيء وأن تحالف الأشقاء متخاذل، فذلك تبرير أقبح من الفعل نفسه.
علينا أن نقف ضد جريمة حادثة مستمرة وتلك من خطايا الحوثي ومن تبعه، وستبقى وصمة في سجل التاريخ لا مفك من ذلك، و ندرك أن تخاذل الجميع وصراعهم وسوء تدبيرهم للأمور في تعز ومدعي نصرتها هي أخطاء مؤلمة ، وبين الأخطاء والخطايا يبقى من يدفع الثمن ويقف مع القضية هم الناس في داخل تعز وحواليها.
الذين يبررون موقفهم السلبي بفساد الجيش والحكومة وتخاذل التحالف، عليهم أن يدركوا أن الحصار والاجتياح الذي تقوم به ميليشيات الحوثي منذ 2014 وحتى الآن، ليس المقصود به إذلال التحالف العربي ولا الإنتقام من الحكومة، بل هو ضد المجتمع والناس، وأن من قاوم الحوثي ولازال يقاوم هو المجتمع والذي بدأ رفضه للحوثي وتابعيه السابقين واللاحقين قبل أن يوجد التحالف العربي وتظهر الحكومة الحالية، الناس رفضوا تمرد الحوثي وخطاب الكراهية والتشظي المعادي لقيم العصر والإنسانية فوقفوا ضده بتعز، منعوا تمدده نحو الجنوب والغرب، رفضوا أن تسقط الدولة بعد أن اعتقلت القيادات السياسية، وقامت معظم وحدات الجيش الحكومي السابق بتسليم الجمهورية للميليشيات بل بالاصح ( تملنشت)، الناس ادركوا بوعيهم الفطري بعد أن تبخرت الأحزاب والمؤسسات أن ذلك لا يمكن أن يمضي ولابد من وقف الانهيار .
بهذه الرؤية يجب أن ننظر لصمود تعز، وليس فقط حصارها.
هذا الصمود الذي يشعل ما تبقى من روح المقاومة لمشروع التمرد الحوثي على مستوى اليمن كله.
لهذا يجب أن يكون موقفنا من الحصار واستمرار اعتداء الحوثي واضحا ومتسقا مع المباديء الرافضة للحرب ورافضة للخطاب العنصري وتشظي المجتمع، أما الحجة في ترتيب أولويات الموقف بأن نبدأ بنقد سلييات الحكومة وتخاذل الأحزاب السياسية، وخدلان التحالف لتعز ،كلها مواقف تالية، تبرر للميليشيات الحوثية فعلتها ولا تقدم نقدا موضوعيا يتسق والموقف الأخلاقي والقانوني.
حيث يحتم واجبنا الأخلاقي الرافض للتمرد والرافض للنظرية الفاشية التي يعمد الحوثي ليل نهار على غرسها في اليمن يحتم أن نقف ضد ذلك، ونعمل على فك الحصار ، أما غير ذلك من حجج في استمرار استهداف تعز كمجتمع بحجة أن قيادات منها لم تقف معها أو لم تعمل لأجلها كما يجب، فهي حجة يتوارى خلفها كل مناصر لفاشية الحوثي وإن ظهر بعباءة المحايد والعميق الرؤية، فالحياد في قضايا مثل هذه أشد قسوة على الضحايا من الفاعل المعلن لارتكاب الجريمة.
الجانب الآخر الذي يطرحه البعض، ترى لماذا لم تتغلب مقاومة تعز المدنية وسكانها على الطوق العسكري المضروب حولها؟ ويذهب البعض للتقليل من كم الصمود والتضحيات، والكثير من العامة لا يعرف حقيقة هذا الطوق العسكري على تعز . فالأمر ليس وليد احداث 2015 بل هو تاريخ ممتد من اختلال الدولة في علاقتها بالناس، حيث كانت سياسة الدولة المركزية منذ السبعينات، تقوم على فلسفة تطويق المدن بالمعسكرات خشية تمرد الناس، تجد ذلك في صنعاء والحديدة مثلا، وفي تعز كان الأمر أكثر وضوحا وأشد قسوة فجل القوات التي قوامها جيش من مناطق بعيدة عن تعز وضعت في معسكرات محيطة بالمدينة وتقاطع جغرافيتها، من شواطئ الخوخة والمخاء وباب المندب مرورا بمعسكر خالد غرب تعز، وحتى قلب المدينة ومرتفعاتها، في محيط المطار القديم غربا ومرتفات الشرق والجنوب المحيطة بالمدينة، إلى أكبر تكدس للمعسكرات في مداخلها الشمالية والغربية، وقد وضعت قوات من الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والمدرعات والدفاع الجوي، والطيران وهذا غير معسكرات خاصة بالإذاعة والحرس الرئاسي والأمن المركزي والشرطة العسكرية، كل ذلك وتعد بالعشرات هو ما انجزته الأنظمة الحاكمة لتعز، وبقي منطق ضرورة تطويق المدينة والمحافظة بشكل عام من ساحلها إلى جبالها بشكل مستمر ومتنامي، لأنها ستتمرد يوما ما على المركز المقدس حسب ما كان يروج.
هذه حقائق يعرفها كل من عاش في تعز، ومن عاش في تعز ليس بالضرورة من أبنائها بل من كل اليمن يدرك ذلك ويرفضه حيث تشكلت مقاومة تعز من كل اطيافها التي تشكل اليمن كله.
فهذه المدن التي تشكل بوتقة للوطن تقلق كل دكتاتور وترفض كل خطاب مشحون بالكراهية والتعصب الضيق، إنها مثل كل المدن العابرة للقرية وسلوك القبيلة. الانتماء إليها انتماء حضاري، وذاك ما نعرفه عن عدن وصنعاء ومارب مثلا.
لهذا علينا أن ندرك صعوبة هذا الحصار المطبق وممارسة القتل اليومي على تعز، فهي تقاوم مشروع وفكرة موغلة في التخلف والقهر.
والانتصار لتعز يعني انتصار لمشروع الوطن، واليمن الكبير ورفض للتشظي وخطاب الكراهية برمته، وليس فقط مقاومة ضد جريمة حرب معلنة.