مطلع الفجر، تتجه القرود على شكل تجمعات إلى مزارع المواطنين متلفة ما تصل إليه من ثمار، بعدها يتسلقون الجبال الوعرة حتى الظهيرة، يترقبون أي فرصة سانحة للانقضاض على أي شيء يمكن أكله.
- خسائر في المحاصيل
محمد حميد -أحد سكان هذه المناطق يقول إن القرود أتلفت عليه أشجار فاكهة "الفرسك"، وكسرت أغصانها؛ جراء محاولاتها الوصول إلى الثمار البعيدة، مشيرا إلى أنها تلاحظ بذكاء الأرض المحروثة حديثا فيسعون للبحث في التربة، وأخذ البذور وأكلها.
وأضاف: "في المدرجات الزراعية يعمد القرود إلى إسقاط أحجار المدرجات للبحث عن النمل وبيوضه وحشرة الأرضة؛ فيأكلونها في مواسم القحط والجفاف".
وأشار إلى أن "القرود يفتحون أغطية براميل ماء الشرب، فوق أسطح المنازل، ويقفزون للشرب والاغتسال بداخلها؛ لتبريد أجسامهم من الحر".
المزارعة المسنة "ثبات" تروي لنا تجربتها مع مواجهة القرود، كل يوم، حتى لا يصلون إلى اشجارها المثمرة، قائلة: "أبكِّر لهم من بعد الفجر، أرجم واصيح وأخوفهم، وفي يوم دخلت أخبز كنت أقول في نفسي قد هربوا، كنت أخرج الخبز من المافي أطرحه جنبي، واني آمن، وهم يمدوا أيديهم، ويسرقوه، واني أطرح الثاني، ويسرقوه، وما ركزت، ولا سمعتهم لما خلصوا الخبيز كله".
لا يختلف حال المسنة صفية عن ثبات في ملاحقة القرود، حيث تقول: "في ذات مرة خبزت الفطير وسيبته يشحط بالمأفى، حرام إنهم قفزوا مثل الجن، أبعدوا الفطير من شق المأفي، وسرقوهن، لا قدرت اتبعهم، ولا قدرت أمنعهم، يضاربوا وكأنهم بشر.. الله يزيلهم".
- خطر على الأطفال
"لم يكن تهديد القرود مقتصرا فقط على الأشجار، بل طال التلاميذ الصغار الذين يمشون من قرية إلى أخرى في رحلتهم للذهاب إلى المدرسة، فالقرود ذكية وتتمتع بالأذية والمواجهات عن قرب مع الناس، خاصة الأطفال، لذا فهم يعترضون طريق ذهابهم إلى المدرسة، ما يسبب الفزع للفتيات والأطفال الصغار".
يقول الناشط المجتمعي عمار هاشم: "كانت الأمهات تبقى تراقب الأطفال حتى يعبروا الأماكن التي تخلوا من البيوت بين القريتين (سائلة النمر وما حولها)".
وأضاف: "وأحيان كان القرود يسقطون أحجارا من فوق، لولا لطف الله كان ممكن توصل لعند الاطفال وتصيبهم بالأذى".
ويدعو عمار المجلس المحلي إلى التدخل لإنقاص عدد القرود، والحد من نموها المتزايد، فهي -حد قوله- ظاهرة خطيرة يجب مواجهتها بجدية، حيث إن خسارة المواطنين -نتيجة ما تحدثه القرود من خراب في مزارع المواطنين- تصل تكلفته إلى ما يزيد عن مليون ريال".
فيما يقول نائب عميد مركز الدراسات البيئية وخدمة المجتمع، وديع الشرجبي: "إن القرود تستهلك مجموعة واسعة من المحاصيل الزراعية والفواكه والخضروات، حتى إنها ممكن تهاجم نباتات زينة، وفي الأخير خسائر مالية كبير قد يتجرعها المزارعون في المنطقة؛ لأن كثيرا من المزارعين يعتمدون بشكل أساسي على تلك المحاصيل، وبالتالي قد يؤثر على الاقتصاد المحلي والأمن الغذائي كذلك".
وأضاف الشرجبي: "بعض السائحين، أو روّاد المنطقة، قد يقومون بإعطاء هذه القرود أكل بشكل مباشر، أو ما يتركونه بشكل غير مباشر، وهذا يشجع القرود أيضا على الانتشار في المنطقة للحصول على الغذاء بأي طريقة، وكونه لا توجد جهات يمكنها عمل معالجات مناسبة لهذه الظاهرة، تستمر هذه القرود بالتمادي، وربما يصل الحال إلى غزو المنازل وسرقتها، وغيرها من الأعمال التخريبية".
وختم حديثه بقوله: "من العوامل التي قد تشجع هذه القرود على غزو المناطق الزراعية هو التعدي على الأشجار، أو موائل تلك الحيوانات، حيث إن التعدي على مساكنها ومزارعها سيؤدي إلى انتقالها إلى أماكن أخرى للحصول على الغذاء، بالإضافة إلى طريقتها العدوانية في التعامل مع المحاصيل والممتلكات، فالواحد يتلف الكثير من المحاصيل، فكيف بمجموعة كبيرة منها، حتما سيكون حجم الضرر كبيرا، والخسارة على المواطن كبيرة أيضا".
من جهته، يرجع عبدالله الهندي -رئيس قسم الأحياء في كلية التربية، جامعة عدن- سبب تكاثر القرود في المناطق المذكورة إلى "أنها لم تجد في مواطنها الطبيعية ما يسد جوعها، لذا تلجأ إلى النزول إلى أقرب منطقة فيها غذاء مناسب، حتى لو كانت حقول المزارعين"، مستدلا في ذلك على ما حصل للنمور العربية، حيث نزلت من مواطنها الطبيعية في الجبال؛ بسبب الجفاف ونقص الحيوانات، التي تتغذى عليها، إلى القرى السكنية، وبدأت تهاجم حظائر الحيوانات الخاصة بالمواطنين، حد قوله.
- موقف السلطات
يقول مدير عام المديرية - رئيس المجلس المحلي في صبر الموادم، محمد عبد الرحمن الكدهي: "تنظر السلطة المحلية في المديرية إلى هذه المعضلة كأولوية قصوى، ويجب العمل اللازم لمكافحة تلك المشكلة، وتقديم الحلول المناسبة السريعة".
وأكد الكدهي أن السلطة المحلية في المديرية قامت بتنفيذ العديد من الاحترازات اللازمة لمنع وصول القرود إلى المناطق والمزارع كتنفيذ حملات لرفع القمامة والمخلفات؛ كون تلك المخلفات هي السبب الرئيسي لجلب القرود؛ بحثاً عن الأطعمة والفضلات، وتوعية المواطنين في المناطق بعدم رمي المخالفات أمام المنزل، والتقيد بوضعها بالأماكن المخصصة لها والمغلقة.
ما تخطط له السلطة المحلية في المديرية لمعالجة تلك المشكلة يتمثل بأشياء كثيرة منها تنظيم النباتات والأشجار في المناطق المأهولة؛ بحيث تتماشى مع البيئة المحلية، وتكون أقل جاذبية للقرود إلى جانب تنظيم المخلفات الزراعية، والتخلص منها بشكل صحيح لتقليل الجذب الذي يمكن أن يشكلها على القرود، واستخدام التقنيات المتطورة، مثل الأجهزة الصوتية عالية التردد والتحكم عن بُعد لإبعاد القرود، ومنع وصولها إلى المناطق والمزارع، بحسب قوله.
ووفقا للأمين العام للمجلس المحلي في مديرية صبر الموادم، صادق جامل، "فإن بلاغات وصلتهم من قبل المواطنين في عدة مناطق بالمديرية تشتكي وجود القرود بأعداد كبيرة، تمر على مجموعات يقومون بإتلاف المحاصيل الزراعية وأشجار الفاكهة، وتخريب جدران المزارع، وحفر التربة، حيث قمنا بإرسال مندوبين من قبلنا إلى المناطق للتحري والاستطلاع عن هذا الأمر، والنزول إلى مزارع المواطنين، فوجدنا تلفا كثيرا من المزارع وأشجار الفاكهة في مناطق، مثل: الكريفة، والقويع، والسوائل وحدة، ومناطق في الشعب والعدوف".
وأضاف: "من جهتنا كسلطة محلية، تم عمل حملة توعية للمواطنين عن كيفية التعامل مع هذه القرود، وذلك من خلال تشكيل لجان طوعية من الشباب، تعمل بالجانب التوعوي، وأيضا ملاحقة القرود، وعمل دوريات في أوقات الصباح الباكر ووقت الغروب حول مناطقهم حتى لا تتمكن القرود من الوصول إلى محاصيل وأشجار المواطنين، وتم استخدام السلاح الناري ضدهم؛ لكي لا يعودون مرة ثانية".
نقلا عن تلفزيون بلقيس