على مسافة تقدَّر بـ32 كيلو مترا عن مركز مدينة تعز، وعلى ارتفاع ثلاثة آلاف متر عن مستوى سطح البحر، عاشت أسرة "عفاف" في جو مليء بالطمأنينة والتفاهم، إذ يعمل الرجال في الزراعة، بينما تدير النساء شؤون منازلهن، وهو حال المنطقة المعروفة بخصوبة الأرض، ولطافة الأجواء، لكن كل ذلك تغيّر بعد ما حل بالأسرة، وبكثير من سكان تلك المرتفعات المطلّة على مدينة تعز، فقد زُرعت أراضيهم بالألغام الحوثية، واتُّخذت تلالهم منطقة لقناصي الحوثيين، وقذائفهم.
وصل فريق برنامج "حيث الإنسان"، الذي تنفذه وتدعمه مؤسسة توكل كرمان، إلى المنطقة التي ولدت وعاشت فيها "عفاف"، وكانت الخطة واضحة لتقديم العون، لامرأة بذلت حياتها من أجل أبناء أخيها، حيث دفعت بهم نحو المدرسة، وتعمل في دكانها الصغير، في انتظار رؤيتهم يحملون الشهادات، كما لو أن والدهم حاضرا، ولم يغبْ يوما عن البيت أو المزرعة القريبة.
شكت "عفاف" معاناتها بقولها: "هذا الدكان الصغير لا يكفيني، ولا يكفي لتحمُل مسؤوليتي الكبيرة، وأحلم بمشروع أكبر، حتى أستطيع العمل به، وأتمكن من علاج الأطفال، أو إذا مرضت أمي أستطيع الذهاب بها إلى الطبيب، وأخرج من هذه الأزمة".
إزاء ذلك أراد برنامج "حيث الإنسان" لـعفاف أن تقف مجددا أمام الحياة، بتحقيق حلمها، فقام بتجهيز مشروع خاص بها، وتوفير أكثر السلع رواجاً في المحل الوحيد بالمنطقة، كما حصلت على تدريب جديد في كيفية التعامل مع السوق، وكيفية إدارة مشروعها.
- قصة عفاف مع الإعاقة
تقول "عفاف": "عندما ذهبنا لجلب الماء؛ أني وابنة عمي دليلة، من خزان المياه الواقع تحت سيطرة الحوثيين، ولم نكن نعلم أنهم قد زرعوه بالألغام، وعندما وصلنا إلى الخزان كانت دليلة تمشي أمامي، وانفجر بها اللغم قبلي، ذهبت إليها، ولم أكن أعرف بأنه لغم، ظننت بأنها قذيفة، أو شيء آخر، ذهبت لإنقاذها وانفجر بي اللغم الثاني".
وتضيف: "سقطنا جريحتين معا، أنا ودليلة، وكنا نصرخ، ثم أتى عمي، والد دليلة، يركض باتجاهنا، وكان يصرخ من سينقذ ابنته، أم ابنة أخيه، ثم جاء أخي، الذي قُتل برصاص قناص حوثي، فقام بحملي، وعمي حمل ابنته، وكان الحوثيون يطلقون الرصاص عليهم لمنعهم من إسعافنا، إلا أنهم أنقذونا بصعوبة، وأوصلونا عبر طريق وعرة، وحملونا بالبطانيات بين الأشجار، بسبب قناصة الحوثيين".
حينها لم تكن عفاف وقريبتها تدركان ما إذا كانت الحياة المعتادة ممكنة بعد تلك اللحظة الفاصلة، إذ قالت: "مُزقت قدما دليلة الاثنتان، فيما أنا مُزقت قدمي اليسرى، وأُصبت بجروح في كامل جسدي، صدري غير موجود، وأُصبت بجروح في يدي وفخذي، وشُوّه وجهي".
مقتل أخيها "عبدالرزاق" برصاص قناص حوثي حدد مستقبلها، حيث رأت 5 بنات واثنين من الأبناء غير قادرين على تحمل شيء، فتذكرت ما كان يفعل أخوها لأجلها، دار في خاطرها طفولتهما معا، في قرية "الشقب" التابعة لمديرية صبر الموادم بمحافظة تعز.
بعد العلاج وتجربة السير مجددا، حاولت عفاف الوقوف، والحصول على ما يعينها لمواصلة شق طريقها، وحصولها على قدم صناعي، ساعدها على الخروج إلى العمل في الدكان الصغير الذي تملكه، إلا أنه كان لا يكفي لتوفير كل احتياجات الأسرة الأساسية.
فريق "حيث الإنسان" أعد كل شيء من أجل عفاف وأسرتها، وبعدما تسلّمت مفتاح دكانها الجديد، تقول عفاف: "بإمكاني الآن، من خلال هذا المشروع الجديد، أن أعول أسرتي وأبناء أخي، وأستطيع توفير كل طلباتهم".
وبابتسامة كلها أمل، اختتمت بطلة القصة حديثها لفريق البرنامج بالتعبير عن شكرها لمؤسسة "توكل كرمان"، وبرنامج "حيث الإنسان".