في الحرب الحالية، خُنقت تعز بحصار اقتصادي طويل الأمد استمر لعشر سنوات، عانى خلالها أبناؤها من الويلات. يتساءل اليوم المواطن التعزي البسيط: لماذا هذا الانتقام شمالًا وجنوبًا من تعز؟ أليس من الأفضل أن ينحصر الصراع بين الشمال وشمال الشمال (صنعاء وما يليها) وتستقر بقية المحافظات؟ لكن الواقع يشير إلى أن الصراع القائم في العاصمة مرتبط بالسلطة والثروة، وموقع تعز يجعلها محورية لأي سلطة تحكم في صنعاء. لذلك، كان من الضروري إخضاع تعز، كما حدث مع الحديدة، لدفع الضريبة والإتاوات.
تشبث تعز بالكرامة والاستقلال أمر مرفوض من قبل قوى سلطة صنعاء الحالية، ويجب معاقبة كل من يرفض تقديم فروض الطاعة. لذا، فإن الحصار والقنص والتدمير السياسي والجغرافي لتلك المدينة كان نتيجة مباشرة لهذا الرفض. ومع ذلك، فإن الحراك التعزي ليس دعوة انفصالية، بل هو عملية إصلاح سياسي في صلب النظام السياسي والقانوني للدولة، وهو بحث عن صيغة جديدة تضمن حقوق الأقاليم، ومنها تعز وحضرموت ومأرب في الثروة والسلطة دون الإلحاق أو الضم.
اليوم، يجب أن يكون الصوت التعزي مع بقية الأقاليم حاضرًا ليقرر شكل المعادلة، ويحدد من يحكم من أبنائه دون وصاية. هذا القرار يشمل المدن والقرى، ويحق له مراقبة ومحاسبة كل من قصر في خدمتها. باعتقادي، انتزاع الحق السياسي في الاختيار والإدارة والتنمية سيحد من تأثير القوى المتسلطة باسم السلطة أو الخارج، وسيخلق توافقًا محليًا حول الكفاءات، ويقلل من تأثير الأيدي الخارجية التي ترى في تبعية تعز مصدر قوة لها. كما سيعيد العقل التعزي المهاجر داخليًا أو خارجيًا إلى الداخل للمشاركة في تقديم فروض الطاعة للمحافظة الأم.
هذا الحراك اليوم مهم جدًا من أجل المستقبل. السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين سيضع الحراك السياسي الجاري تعز؟ بين فكي ثلاثية الأبعاد: الحوبان، المخا، وعدن. هل قدر التعزي إذا أراد السفر إلى الخارج أن يذهب تحت حماية الحوثي في الحوبان، أو الانتقالي في عدن، أو طارق في المخا؟ أين السيادة المحلية؟ ولمن تذهب إيرادات هذه المنشآت؟ يجب أن يكون الحراك التعزي حاضرًا في أي تفاهمات مستقبلية، لأن الوضع الحالي يقود إلى تبعية متشظية برضا وإشراف قيادات تعز، رشاد العليمي وسلطان البركاني، وجميع النواب وقيادات الأحزاب التعزية. حتى ميناء المخا أصبح تحت الوصاية الشمالية، تحت مظلة الرئاسة وإشراف أبوظبي.
خنق تعز من خلال مشروع لا هوية له ولا لون إلا خدمة للخارج سوف يضع تعز ومستقبلها في قلب التجاذبات العسكرية والنزاعات الدولية، ويحرم تعز من استثمار موقعها في النهوض بالمحافظة وتنميتها. لا تغرنا بعض المشاريع على الأرض، فمشروع المخا المستقبلي سيقود تعز واليمن نحو العالمية، ويوفر حركة تنموية نشطة ضمن مشروع النهوض باليمن.
في الماضي، عندما كانت تعز حاضرة تاريخيًا في ساحل المخا، كانت تُصدّر الكيف التعزي إلى العالم، ولا يزال اسمه مدونًا في قوائم البوفيات الأوروبية والشرقية كـ"قهوة موكا". لقد كنا يومًا ما جزءًا من حياة هذا العالم الكبير، والعالم يدين بالكثير لهذا الكيف التعزي الخالد. لكن اليوم، عندما حضر النازيون من الكهوف، قدموا للعالم من السواحل التهامية الموت والحصار والدمار، وأصبحت المخا مرتبطة اليوم بالقرصنة والابتزاز. لذا، أصبح الحراك التعزي ضرورة للعالم، ينطلق من التاريخ الثقافي والتجاري، ويجعل الجغرافيا والتاريخ والشخصية التعزية محورها.
العالم يعرف اليمن عامة، وتعز خاصة، من خلال المخا الاقتصادية. أهملت هذه المدينة في عهد عفاش حتى تحولت إلى قرية، وسلمت للمهربين وقطاع الطرق، واليوم يعاد العبث بها لأجل مشاريع خارجية. المخا يجب أن تبقى تعزية ضمن مشروع الحق التعزي في السلطة والثروة. عسكرة المدينة والعبث بأراضيها بعقلية الفيد يجب أن يتوقف. على المتواطئين من أبناء تعز مع هذا المشروع، بعلم أو بلا علم، أن يفيقوا. إنه عار أن تتحول المخا إلى حديقة خلفية للطامعين وكأنها تركة بلا مالك. يجب أن يرتفع صوت سياسي مدني لوقف كل هذا العبث وإعادة الهوية الاقتصادية للمدينة.
المخاوف حول المشروع التعزي لا مبرر لها. التحدي الأكبر هو البدايات، والتعويل على شباب تعز، الذين يشكلون اليوم القوة الحقيقية في المعادلة. الاستقطاب الحاصل للشباب إعلاميًا وثقافيًا وسياسيًا يهدف إلى إضعاف هذه القوة وشلها. الشباب التعزي يجب أن يتحرروا من التبعية، ويكسروا الطوق الذي يحاول الكثيرون لفه حول رقابهم، لكي لا يمارسوا عليهم نفس السلوك الذي مارسه السابقون مع السياسيين. الشباب التعزي والمرأة التعزية يجب أن يكونوا صانعي الحدث، ويمنحوا هذه المحافظة معنى سياسيًا وجغرافيًا مختلفًا. إذا أرادوا مصلحتهم، فإن المشروع التعزي سيجلب الكثير لهم، وهو المشروع الذي يصالح بين الجبل والساحل.
الساحل التعزي وجبله ليسا مجرد تراب، بل كنز جيوبوليتيكي اقتصادي، قادر على تغيير شكل تعز والمنطقة كلها. لم نتساءل يومًا: لماذا أهملت المخا وربطت بالعريج؟ لماذا ترك أجدادنا السواحل فارغة للمهربين وصعدوا الجبل؟ من الذي شجع المهربين ومدهم بالسلاح؟ لم يكن يراد لتعز أن تنهض، بل خُطط لها أن تتمدد شمالًا، وتترك الغرب لمن يتربعون اليوم فوق سواحلها.
يكفي أن تعز رهنت 33 عامًا، وحان الوقت للإيمان بذاتنا الجمعية