في قرية “ذي عنقب” الواقعة في جبل صبر بمحافظة تعز، تخرج هدى كل صباح مع أول ضوء للشمس، وتبدأ يومها من محل بيع الغاز الوحيد في المنطقة. بانتظار وصول الشاحنة المحمّلة بنحو 110 أسطوانة، تتولى إنزالها وترتيبها، ثم تبدأ مهمة أصعب: إيصال الأسطوانات إلى منازل المواطنين عبر طرق جبلية وعرة، حاملة كل واحدة على رأسها، رغم أن وزنها يتجاوز 25 كيلوغراماً.
لا تكتفي هدى بذلك، بل تعود لتحمل الأسطوانات الفارغة من المنازل إلى المحل، تمهيداً لنقلها إلى محطة التعبئة. وفي نهاية اليوم، بالكاد تكون جمعت ما بين 1000 إلى 1500 ريال يمني (أقل من دولار واحد) مقابل كل أسطوانة. تقول: “المشقة كبيرة، لكن لا مجال للتراجع… هذا العمل هو مصدر رزقي الوحيد”.
تمتد ساعات عملها من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، دون كلل. وبراتب شهري لا يتجاوز 70 ألف ريال يمني (أقل من 30 دولاراً)، تدير شؤون أسرتها وتحاول تأمين احتياجات أبنائها. أحد أبناء القرية منحها منزلاً بسيطاً تقيم فيه مع أطفالها، لكن مصاعب الحياة لا تزال ماثلة أمامها يومياً.
“أضطررتُ إلى حياة لا تشبه حياة النساء”، تقول هدى، مضيفة: “لكنني أعيش بكرامتي، ولا أمد يدي لأحد. كل أملي أن أربي أطفالي ليكونوا سنداً لي حين أعجز”.
ابن قريتها محمد بسام يصفها بـ”المرأة الحديدية”، ويقول: “هدى تقدم درساً نادراً في الكفاح والصبر، وهي نموذج ملهم لكل من يواجه الحياة منفرداً. نحن ننظر إليها بتقدير كبير، فهي لا تطلب المساعدة، بل تصنع الحياة كل يوم بعرق جبينها”.
في مجتمع يقيّد المرأة بالعادات، كسرت هدى القيد، لا بتمرد صاخب، بل بجهدٍ صامت. أثبتت أن الإرادة لا تعرف النوع، وأن كرامة الإنسان تُصان بالعمل مهما كانت طبيعته.