هناك سؤالان رئيسيان هما: ما سرعة انتشار متحور أوميكرون؟ وما مدى خطورة الإصابة الناجمة عن المتحور الجديد؟
إذا عرفت الإجابة عن هذين السؤالين، ستقف على مدى التهديد وحجم التحدي الذي يشكله أوميكرون.
في هذه الأثناء، يخطو الباحثون حول العالم أولى الخطوات في رحلة البحث عن إجابة شافية لهذين السؤالين وتقديم نبذة عما يحدث.
والثابت أن المناعة حصن حصين ضد أوميكرون الذي لا يبدأ صناعة الوباء من العدم.
لكن عدم اليقين لا يزال يكتنف كل شيء، والإجابات القاطعة تبدو بعيدة - على مسافة أسابيع على الأقل.
الإجابة هي إن أوميكرون يبدو سريع الانتشار. وتسري هذه الإجابة حتى على الأماكن التي اكتسبت مستويات عالية من المناعة، سواء عبر التلقيح، أو عبر انتشار موجات سابقة من كوفيد.
وكانت جنوب أفريقيا قد انتهت من موجة دلتا، عندما كانت تسجل نحو 300 حالة بمعدل يومي قبل نحو شهر. والآن تسجل جنوب أفريقيا أكثر من 10 آلاف إصابة ناجمة عن أوميكرون الذي يبدو القوة المحركة وراء الموجة الرابعة.
وتشهد المملكة المتحدة أيضًا تفشيًا للمتحور أوميكرون.
ويتعرف الباحثون على أوميكرون من بصمته الوراثية المميزة بفقدان الجين S. وكانت نسبة وجود هذه البصمة في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم لا تزيد عن 0.1 في المئة من فحوصات الكشف عن كوفيد، لكنها الآن تزيد على خمسة في المئة - أي حوالي 2,500 حالة يوميا.
ولا تعدّ هذه طريقة معصومة من الخطأ في قياس مدى سرعة انتشار أوميكرون، لكنها تعطي نتيجة سريعة لا تحتاج انتظارًا للحصول على تحليل جيني كامل للعيّنات الفيروسية.
وتشير هذه التقديرات المبكرة -ولا تزال الصورة يكتنفها شيء من الغموض- إلى أن حالات الإصابة الناجمة عن أوميكرون ربما تتضاعف أعدادها كل ثلاثة أيام في المملكة المتحدة.
وبهذا، يكون متحور أوميكرون أسرع انتشارًا من دلتا في المملكة المتحدة. وربما يعادل أوميكرون في سرعة انتشاره الفيروس الأصلي إبان ظهوره أوائل عام 2020 عندما لم تكن هناك أية مناعة قد تكوّنت ضده.
ويمكن أن يُعزى ذلك جزئيًا إلى قِصر المسافة الزمنية بين الإصابة بعدوى الفيروس ونقْلها إلى شخص آخر.
وأخطرُ ما في الأمر، أن عددًا صغيرا من الإصابات يمكن أن يتحول بسرعة إلى عدد كبير - ويمكن لنحو 2,500 إصابة يومية أن تصير بعد شهر أكثر من 100 ألف إصابة يومية حال تضاعف عدد الإصابات كل ثلاثة أيام.
لنفترض قدوم موجة من الإصابات الناجمة عن المتحور أوميكرون؟ ما معنى ذلك بالنسبة لأحدهم؟
ما يقلق الباحثون منذ اللحظة الأولى التي وقفوا فيها على قائمة التحورات التي مرّت بها سلالة أوميكرون هو أن هذه التحورات تجعل اللقاح أقل فعالية في التصدي للفيروس.
إن أوميكرون يبدو كما لو كان فيروسًا مختلفا عن الفيروس الأصلي الذي صُمّمت اللقاحات لمقاومته.
ولدينا الآن بيانات أولية عن مدى صمود مناعتنا أمام المتحور الجديد، في ضوء تجارب استخدام أجسام مضادة محايدة، والتي تلتصق بسطح الفيروس في محاولة لمنعه من إصابة الخلايا.
وتشير الدراسات إلى تراجعٍ تتراوح نسبته بين 20 و 40 ضِعفًا في قدرة الأجسام المضادة المتولدة عن تلقّي جرعتين من اللقاح على مقاومة الفيروس.
ونكون متسرّعين إذا أصدرنا حكما فاصلا فيما تعنيه الدراسات المعملية في العالم الواقعي حاليا، لكن ضَعف قدرة الأجسام المضادة في مواجهة الفيروس ينذر بارتفاع خطورة الإصابة الناجمة عن أوميكرون.
لكن أخبارًا طيبة زفّها الخبراء المطورون للقاح فايزر-بيونتيك مفادها أن الحصول على جرعة ثالثة من اللقاح تعزز مستويات الأجسام المضادة المحايدة.
ويرى الخبراء أن ثلاث جرعات تُجدي في التصدي لمتحوّر أوميكرون، بنفس جدوى الجرعتين في التصدي للسلالة الأصلية من الفيروس - والتي كانت جيدة جدا.
ووصفت إليانور رايلي، الباحثة من جامعة إدنبره، البيانات بأنها "مطمئنة؛ إذ يوحي ذلك بأن جرعة معززة من اللقاح كفيلة بتوفير مستويات أعلى من الحماية ضد العدوى وشدة الإصابة الناجمة عن أوميكرون".
ولا زلنا لا نملك إجابات شافية عن مدى شدة الإصابة الناجمة عن أوميكرون.
لكنّ تلقّي أحدهم جرعتين من اللقاح، أو إصابته بعدوى في السابق، يعني أن جهاز مناعته في وضْعٍ أفضل للتصدي لكوفيد مقارنة بما كانت عليه الحال إبان ظهور الفيروس.
وتعدّ الأجسام المضادة المحايدة عنصرًا مُهمًا في دفاعات الجسم، وهي في حاجة إلى معزّز، لكنها تظلّ مكونًا واحدًا من مكونات جهاز المناعة المتعددة والمتشابكة.
أما الخلايا التائية، والتي تفعل مفعولها فور الإصابة بالعدوى، فهي أقدرُ على رؤية الفيروس من الأجسام المضادة المحايدة - ومن ثمّ فهذه الخلايا أقل تضررًا من السلالات الجديدة.
لكن الأمر يتطلب وقتا، ومراقبةً لمعرفة مَن تنتهي به الإصابة إلى المستشفى قبل إصدار إجابة شافية عن مدى شدة الإصابة الناجمة عن متحور أوميكرون.
هناك مجالٌ أمام كل من أوميكرون واللقاحات، والتي قد تساعد بصورة جيدة في الحيلولة دون تردّي حالة كثير من المصابين.
وحتى إذا كان "معظمنا" في حال جيدة، فالقضية هي أننا لسنا "جميعا" كذلك؛ فالبعض مناعته ضعيفة، والبعض بلا مناعة، وهناك مَن لا يستطيع الحصول على لقاح، وثمة من اختار عدم الحصول عليه.
ونشهد حاليا، في ظل تفشّي سلالة دلتا، أن عددا من الناس لا يزالون في حاجة إلى الحصول على رعاية في مستشفى للعلاج من كوفيد. وإذا ما وفدت موجة حادة مفاجئة فقد تترك كل هؤلاء في حاجة إلى علاج في وقت واحد.
لكن حتى الآن لا توجد أرقام متفّق عليها حول مدى سرعة انتشار أوميكرون، ولا عن مدى شدة الإصابات الناجمة عنه، ولا عن مدى قدرته على مراوغة اللقاحات المتوفرة.
وعليه، فإن الأسابيع المقبلة قد تشهد وجهة نظر مغايرة تماما، وفقًا لأعداد الإصابات الناجمة عن المتحور الجديد.