والأحد الماضي، أعلنت مليشيا "الحوثي" سيطرتها على مركز العبدية (وسط البلاد)، التي أخذ الصراع فيها صدى واسعا، وظل مثار اهتمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.
وواجه الحوثيون اتهامات من الحكومة اليمنية ومنظمات أممية بفرض حصار خانق على أكثر من 35 ألف مدني في العبدية، ومنعهم من الحصول على الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية.
النجاح الذي حققه الحوثيون في السيطرة على محافظة البيضاء (وسط)، وأجزاء من محافظة شبوة (جنوب شرق)، منح مسلحيهم دفعة للوصول إلى مديرية العبدية (نحو 90 كم جنوب مأرب) التي ظلت لسبعة أعوام بعيدة عن رحى المعارك.
أهمية رمزية
رغم بعد "العبدية" نسبيًا عن مركز محافظة مأرب مقارنة بمناطق المواجهات في مديرتي "الجوبة" (نحو 30 كم جنوبي) و"صرواح" (25 كم غرب)، إلا أن سقوطها في يد الحوثيين يمنحهم "دفعة معنوية" لمواصلة هجومها العسكري نحو مركز المحافظة.
كما تحظى المديرية بأهمية رمزية؛ كونها معقلا لقادة عسكريين كبار في الجيش اليمني منهم اللواء عبد الرب الشدادي، أحد أبرز مؤسسي الجيش، الذي قتل في معارك مع الحوثيين مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2016.
وعقب إعلان الحوثيين السيطرة على العبدية، نفت الحكومة اليمنية الأمر؛ قائلة "إن القتال في المديرية لا يزال متواصلا بين كر وفر".
كيف وصل الحوثيون العبدية؟
في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على بلدة "حريب" شرقي مدينة مأرب، المتاخمة لمديرية العبدية بعد معارك مع القوات الحكومية.
واستغل الحوثيون تراجع القوات الحكومية للاستمرار في الهجوم والضغط العسكري وصولا إلى "العبدية" التي انتشروا في محيطها وفرضوا عليها حصارا خانقا.
وفشلت القوات الحكومية في مد قواتها في العبدية بالعتاد والسلاح نتيجة تحكم الحوثيين بجميع المنافذ والمناطق المحاذية لها.
فالعبدية محاطة بمنطقة "قانية" التابعة للبيضاء جنوبا، وبلدة "عين" بشبوة غربا، ومنطقة "حريب" التابعة لمأرب شرقا، ومديرية ماهلية التابعة لمأرب أيضا شمالا، وجميع هذه المناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين.
مأساة إنسانية
أدى الحصار الذي فرضه الحوثيون على "العبدية" إلى خلق مأساة إنسانية في المديرية التي تضم أكثر من 35 ألف مدني، وفق الحكومة اليمنية ومنظمات محلية وأممية.
ففي 3 أكتوبر أعلن مكتب وزارة حقوق الإنسان اليمنية بمأرب في تقرير، وفاة 3 أشخاص في البلدة، بعد منعهم من الانتقال إلى مركز مأرب لتلقي الرعاية الصحية جراء حصار يفرضه الحوثيون على المديرية.
واتهم المكتب الحوثيين بشن قصف بالصواريخ والأسلحة الثقيلة والمدفعية على المديرية، أسفر عن إصابة 135 مدنيا، بينهم 31 امرأة، و17 طفلا.
والأربعاء الماضي، أعلنت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات (غير حكومية) أنها رصدت مقتل 9 مدنيين وإصابة 123 آخرين جراء قصف شنه الحوثيون على المناطق الآهلة بالسكان في العبدية منذ 23 سبتمبر الماضي، حتى 13 أكتوبر الجاري.
وعلى مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، أطلقت الحكومة اليمنية مناشدات عدة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتدخل والضغط على الحوثيين لفك الحصار عن سكان العبدية دون جدوى.
والخميس أعلنت السلطات الصحية بمحافظة مأرب المديرية المحاصرة من قبل الحوثيين منذ 3 أسابيع "منطقة منكوبة".
واتهم مكتب الصحة العامة والسكان في مأرب "مليشيا الحوثي بقصف مستشفى مديرية العبدية الوحيد، ومركز الأطفال داخله أثناء تلقي عدد من الأطفال والجرحى المدنيين العلاج ما ألحق أضرارا في أقسامه ودفع إداراته لإخلائه".
وأضاف أن "قصف المستشفى جاء في حين تمنع مليشيا الحوثي وصول الأدوية والمستلزمات والطواقم الطبية إلى المديرية منذ فرضها الحصار عليها في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، متسببة في تهديد حياة 37 ألف نسمة".
ضربات جوية مكثفة
التحالف العربي الداعم للقوات الحكومية بدوره كثف غاراته الجوية على مواقع الحوثيين في محيط العبدية محاولا إعاقة توغلهم نحو مركز ومناطق المديرية.
فقد شن التحالف، وفق بيانات شبه يومية، عشرات الضربات الجوية، أسفرت عن مقتل المئات من مسلحي جماعة الحوثي.
لكن الدعم الجوي للقوات الحكومية المرابطة داخل المديرية، لم يكن كافيا لوقف زحف الحوثيين في ظل انقطاع تام لأي مساندة برية، ونفاذ السلاح والذخيرة عنها.
دعوة أمريكية لوقف الهجوم ورفض حوثي
عقب ساعات من إعلان الحوثيين سيطرتهم على العبدية، دعت الولايات المتحدة الأمريكية الجماعة إلى وقف هجومها العسكري نحو مأرب وفتح ممرات آمنة للمساعدات بشكل فوري.
واتهمت الخارجية الأمريكية في بيان، الأحد، الحوثيين "بإعاقة حركة الأشخاص والمساعدات الإنسانية ومنع الخدمات الأساسية من الوصول إلى 35 ألف من سكان مديرية العبدية".
فيما رفض المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام، في تغريدة عبر تويتر، الاتهامات الأمريكية.
واعتبر عبد السلام "مطالبة أمريكا بفتح ممرات آمنة للمقاتلين إدانة لها بأنها على ارتباط وثيق بعناصر القاعدة وداعش الذين تم دحرهم من مديرية العبدية".
وأضاف: "صراخ الأمريكان يتعالى مع الاقتراب من آخر أوكار القاعدة وداعش في مأرب، زاعمين حرصا على السلام وهم أعداءه في اليمن وكل العالم"، وفق تعبيره.
ومنذ بداية فبراير/ شباط الماضي، كثف الحوثيون هجماتهم على مأرب للسيطرة على أهم معاقل الحكومة، المقر الرئيس لوزارة الدفاع، وتضم ثروات من النفط والغاز، ومحطة لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز الطبيعي كانت قبل الحرب تغذي معظم المحافظات بالتيار الكهربائي.