إذ أدى الانهيار التاريخي للعملة المحلية باليمن خلال هذا العام، إلى أوضاع اقتصادية ومعيشية وضعت ملايين اليمنيين أمام تحد صعب لكسب رغيف العيش، وتوفير أساسيات الحياة اليومية.
وبشكل متسارع فقد الريال اليمني منذ مطلع 2021 أكثر من 90 بالمئة من قيمته أمام العملات الأجنبية الرئيسية، وفق منظمات أممية ودولية؛ ما أثار مخاوف من مجاعة واسعة النطاق في مناطق عدة بالبلاد.
ورغم اتخاذ الحكومة سلسلة إجراءات لكبح جماح التدهور الاقتصادي، فإن العملة المحلية استمرت في تراجعها التاريخي، الذي بلغ ذروته مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بتسجيل الدولار الواحد 1700 ريال في مناطق سيطرة الحكومة.
وقبل الحرب (2015) كان يباع الدولار الواحد بـ 215 ريالا؛ لكن تداعيات الصراع ألقت بانعكاساتها السلبية على مختلف القطاعات، بما في ذلك العملة
ويرى مراقبون، أن افتقار البنك المركزي إلى احتياطي نقدي من العملة الأجنبية، واستمرار الحكومة في طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية وضخها في السوق دون غطاء نقدي، قد أضرا بشكل فادح بسعر الريال وتسببا في أكبر انهيار يواجهه منذ أربعة عقود.
70 بالمئة يواجهون خطر الجوع
مطلع أغسطس/ آب الماضي أعلن البنك الدولي أن نحو 70 بالمئة من اليمنيين يواجهون خطر الجوع في وقت انخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بمقدار النصف منذ 2015.
وقال البنك في تقرير "إن الصراع الدائر في اليمن منذ ستة أعوام خلف ما لا يقل عن 24.1 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية".
وأضاف "أن الصراع دمر الاقتصاد الوطني لليمن حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي بمقدار النصف منذ عام 2015، ما دفع أكثر من 80 بالمئة من إجمالي السكان إلى ما دون خط الفقر".
"أكل أوراق الشجر"
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عبر تويتر، "إن دوافع أزمة اليمن المتمثلة بالصراع والانحدار الاقتصادي، لا تظهر أية بوادر لتراجعها ما يؤدي إلى زيادة الجوع".
وأضاف "أن هذا الأمر يدفع العائلات في اليمن، إلى اللجوء لتدابير قاسية مثل أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة".
فيما قال المجلس النرويجي للاجئين (غير حكومي) في 7 ديسمبر الجاري، إن نصف الأسر في جنوب اليمن قلصت عدد وجباتها اليومية جراء ارتفاع التضخم.
احتجاجات واسعة
هذه الأوضاع أدت إلى اندلاع احتجاجات واسعة في معظم المحافظات والمدن الخاضعة لسيطرة الحكومة.
فعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية شهدت محافظات عدن وأبين (جنوب)، وحضرموت (جنوب شرق)، وتعز (جنوب غرب)، مظاهرات شارك فيها آلاف اليمنيين احتجاجا على تدهور صرف العملة، وارتفاع الأسعار.
ورفع محتجون خلال المظاهرات شعارات مناوئة للحكومة والتحالف العربي، وجماعة الحوثي، وطالبوا بوقف التدهور الاقتصادي، ولجم الغلاء، لا سيما في أسعار السلع الأساسية.
فيما حمل محتجون مطلع ديسمبر الجاري كيس القمح على نعش (تابوت الموتى) وجابوا به عددا من شوارع مدينة تعز، تعبيرا عن الاستياء من الارتفاع الجنوني لأسعاره.
هذه الاحتجاجات دفعت قوى ومكونات سياسية باليمن، إلى مطالبة الحكومة والتحالف إلى بإيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية، وتخفيف وطأتها على السكان.
فقد دعا حزب التجمع اليمني للإصلاح في بيان بتاريخ 5 ديسمبر الجاري، الحكومة إلى اتخاذ "معالجات سريعة" لوقف انهيار العملة المحلية محذرا من "حدوث مجاعة حقيقة".
وطالب البيان "الرئاسة والحكومة بأجهزتها ومؤسساتها المالية والاقتصادية بوضع رؤية متكاملة للجانب الاقتصادي وحشد كل الإمكانات والطاقات لتنفيذها مهما كانت التحديات".
فيما دعا المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي في اليوم ذاته "الرئيس عبد ربه منصور هادي والسعودية والبنك الدولي إلى التدخل العاجل لإنقاذ الوضع الذي أوشك على الانهيار والمجاعة".
إجراءات بلا نتائج
ومنتصف يوليو/ تموز الماضي، أقرت الحكومة حزمة واسعة من الإجراءات والتدابير بهدف وقف التدهور الاقتصادي وتراجع سعر العملة.
وتمثلت هذه الإجراءات في تشكيل لجان وزارية لمراجعة الأوعية الإيرادية، وتقديم المقترحات اللازمة لما يمكن اتخاذه من أجل تعديلها وإقرارها.
كما تضمنت وضع ضوابط خاصة باستيراد المشتقات النفطية وتقدير الاحتياج الفعلي لمنع المضاربة على الأسعار، وإعداد قوائم بمنع استيراد السلع غير الضرورية بما يقلل من استنزاف العملة الصعبة.
لكن هذه الإجراءات لم تسهم بشكل فاعل في وقف تراجع سعر العملة، والتصدي لتداعيات هذا التراجع على الوضع المعيشي للمواطنين.
كما لم تسفر مناشدات متكررة من الحكومة للمجتمع الدولي مساعدتها في مواجهة الأزمة عن تلقي أي استجابة أو عود بالمساعدة والدعم.
ووسط أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، يشهد اليمن منذ نحو 7 سنوات حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر 2014.
وتقول الأمم المتحدة، إنه بنهاية عام 2021، ستكون الحرب في اليمن قد أسفرت عن مقتل 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر.