الصباح في اليمن... حين يُشرق الدم بدل الشمس

تشرين1/أكتوير 26, 2025

يستيقظ اليمنُ كلَّ صباحٍ على مشهدٍ جديد من الألم، كأن الفجر لم يَعُد نذير حياةٍ، بل موعدًا آخر مع الفقد.

صباحٌ تفوح منه رائحة الدم، وتتعالى فيه صرخات المدن المكلومة، وكأن الأرض أرهقها الحزن حتى صارت لا تُنبت إلا وجعًا.

في كل زاويةٍ من هذا الوطن المنهك، قضيةٌ جديدة، ومقتولٌ جديد، وصرخة أمٍّ تُضاف إلى ذاكرةٍ مثقلةٍ بالوجع.

أين ذهبت الحكمةُ اليمانيةُ التي كانت تُضرب بها الأمثال؟

كيف تحوّلت إلى مجرد حكايةٍ تُروى في زمنٍ غاب فيه الرشدُ وحضرت الفوضى؟

لقد أرخصت الروح في هذا البلد حتى صار القتل لأتفه الأسباب:

من أجل قصبة ماء، أو عاملٍ نظّف شوارع مدينته، أو شابٍ خرج يبحث عن لقمة العيش.

صار الموت في اليمن تفصيلًا عاديًّا في حياةٍ غير عادية، وصار البقاء مغامرةً تحتاج إلى شجاعةٍ تفوق الاحتمال.

لا مأمنَ في هذا البلد، لا على شرفٍ ولا عرض، ولا حتى على براءةٍ تمشي مطمئنةً في طرقاته.

أرضٌ كانت تُعرف بالكرامة، باتت تُعرف بالدم، وسماءٌ كانت تُمطر أملاً، صارت تمطر خبرًا جديدًا عن جريمةٍ أخرى.

أما تعز، مدينة الثقافة التي طالما تباهينا بها،

فماذا تبقّى من ثقافتها إن غاب الضمير، وحلّ مكانه الابتزاز والجهل؟

هل أصبحت الثقافةُ فيها مجرد لافتةٍ تُعلّق فوق وجعٍ يتعمّق؟

هل غدت الكلمةُ سلاحًا للابتزاز بدل أن تكون سلاحًا للتنوير؟

يا أبناءَ تعز، يا من حملتم القلم والفكر والعلم،

أين هي الثقافة التي كانت تُقاوم الجهل؟

أين ذهبت الأصوات التي كانت تصنع الجمال وسط الخراب؟

كيف استبدلنا رائحة البنّ برائحة الدم، وأنغام العصافير بأصوات الرصاص؟

كيف أصبحت المدينة الحالمة تصحو كل يومٍ على كابوسٍ جديد،

ويُغتال في شوارعها الحلم قبل أن يولد؟

يا حالمةً تُغتال كل صباحٍ باسم الصمت والخذلان،

إلى متى ستظلينَ تصرخين ولا أحد يسمع؟

إلى متى سيبقى الدمُ هو اللغة الوحيدة المفهومة فيكِ يا يمن؟

لقد آن الأوان أن نفيق من غفلتنا،

أن نعيد للوطن معناه، وللإنسان قيمته،

أن نستعيد تلك الحكمة اليمانية التي أضعناها بين ضجيج السلاح وصمت الخوف.

فالوطن الذي يُسكِتُ ضميره، يُصبح مقبرةً لأبنائه، مهما اتسعت أرضه.

Additional Info

  • المصدر: تعز تايم - مقال رأي أميرة اليوسفي
Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro