وتعود جذور الأزمة الجديدة إلى إطلاق السلطات الحوثية، خلال الأسبوعين الماضيين، ما أطلقت عليه "مشروع تحديث بيانات المستفيدين من الزكاة"، زعمت أن الهدف منه "تأسيس قاعدة بيانات منهجية ودقيقة" تضمن إيصال الزكاة إلى مستحقيها الفعليين.
وقال تجار في مناطق شرق تعز لـ"العربي الجديد"، إن الإجراءات الحوثية الجديدة هدفها الاستيلاء على أموالهم تحت غطاء الزكاة، حيث طُلبت منهم قواعد بياناتهم التجارية وأرباحهم السنوية بهدف تحديد مقدار الزكاة.
وفي حين أكدوا أن حملة التضييق الحوثية ستعمل على مضاعفة أسعار السلع الغذائية، حيث سيضطرون لتعويض خسائرهم من المستهلك، أشاروا إلى أنه من المتوقع أن يتم الإعلان عن إضراب جزئي قريبا وصولا إلى إضراب شامل ما لم يتم العدول عن القرارات الحوثية.
حرمان الفئات الفقيرة
وبموجب الإجراءات الحوثية الجديدة، سيُمنع التجار من التصرف في الزكاة التي دأب القطاع الخاص على صرفها بشكل مباشر للفئات الفقيرة في شهر رمضان من كل عام، وأكدت مصادر أن السلطات الحوثية أجبرتهم هذا العام على التوقف عن ذلك، ودفع الزكاة لسلطاتها المتمثلة بـ"الهيئة العامة للزكاة"، التي تم استحداثها خلال سنوات الحرب.
وشرعت السلطات الحوثية بتطبيق قوانينها بقوة السلاح، حيث قامت بنشر 6 آلاف و200 لجنة مجتمعية في صنعاء وكافة المناطق الخاضعة لنفوذها شمالي اليمن. ووفقا لتجار، فإن تلك اللجان المدعومة بدوريات مسلحة، نفذت مداهمات واسعة على مقراتهم خلال اليومين الماضيين وأغلقتها في صنعاء وإب والحديدة.
وقوبلت الإجراءات الحوثية بتنديد من القطاع الخاص، حيث خرجت الغرفة التجارية والصناعية في صنعاء عن صمتها، ونددت في بيان صحافي، بـ"الإجراءات التعسفية" التي تشنها هيئة الزكاة الحوثية ضد القطاع الخاص، واعتبرتها "مخالفة لأحكام الشريعة والقوانين النافذة".
وكشفت الغرفة التجارية، وهي هيئة مستقلة يرأس مجلس إداراتها عدد من كبار التجار، عن قيام السلطات الحوثية بـ"تسيير دوريات مسلحة وعناصر أمنية ومخابراتية لمطالبة القطاع الخاص بتسليم قواعد البيانات أو إغلاق مستودعاتهم".
وفيما أكدت أن مؤسسات القطاع الخاص قامت بتسديد ما عليها من زكاة وهي ملتزمة بالنظام والقانون، حمّلت الغرفة التجارية هيئة الزكاة الحوثية "المسؤولية الكاملة الناتجة عن التصرفات غير القانونية"، وأشارت إلى أنها ستسبب "ضررا بالغا بالاقتصاد الوطني وسمعة البلاد".
تنكيل وابتزاز
ولم يصدر أي تعليق رسمي من هيئة الزكاة التابعة للحوثيين حول بيان الغرفة التجارية التي مُنعت من عقد مؤتمر صحافي، الإثنين الماضي، في صنعاء، لكن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا نددت بـ"أعمال التنكيل والابتزاز التي تمارسها المليشيا الحوثية بحق ما تبقى من رؤوس الأموال والبيوت التجارية في مناطق نفوذها"، تحت مسمى الزكاة.
واتهمت الحكومة الشرعية، على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، السلطات الحوثية بـ"اختطاف التجار واقتحام وإغلاق عشرات المصانع والمحلات التجارية ومنع الغرفة التجارية من تنظيم مؤتمر صحافي".
وعلى مدار 6 سنوات من الحرب، تعرض الاقتصاد اليمني لأضرار فادحة أدت إلى تقلصه بما يزيد عن النصف، وسط توقعات أممية بأن تشهد البيئة الاقتصادية "مزيدا من التدهور" خلال العام الجاري.
وفقا لتقديرات نشرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي في اليمن، فإن خسائر الناتج المحلي الإجمالي التي تم تحملها في السنوات الخمس الأولى من الصراع يمكن أن تتضاعف إلى 181 مليار دولار في حال استمر الصراع خلال عام 2022، كما أنه من المتوقع أن تستمر قيمة الريال اليمني في الانخفاض، الأمر الذي يؤثر بشدة على القوة الشرائية للسكان.
حملة ممنهجة
دشن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي حملة التضييق الجديدة على القطاع الخاص، وفي كلمة له، أواخر مارس/ آذار الماضي، اتهم الرجل الأول في الجماعة كبار المكلفين من التجار بأنهم "الأكثر سرقة للزكاة وبُخلا بها"، رغم أنها تساهم في تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين، حسب تعبيره.
ورغم أن الزكاة كانت من أبرز المشاريع الحوثية الناجحة لجباية الأموال منذ عدة سنوات، إلا أن السلطات الحوثية ترجمت التوجيهات الأخيرة لزعيم الجماعة بإطلاق ما وصفته بـ"تحديث بيانات المستفيدين من الزكاة"، والذي يهدف في مرحلته الأولى إلى "حصر وتصحيح وضع اللجان المجتمعية وأرقام الفقراء والمساكين"، وفي المرحلة الثانية "إيجاد قاعدة بيانات صحيحة تشمل فقط الحالات التي تنطبق عليها معايير استحقاق الزكاة وفقا للمصارف الشرعية المحددة في القرآن الكريم".
وخلافا للتشريعات التي أدرجتها على القانون اليمني، والذي أجاز لها الحصول على 20 بالمائة من ثروات اليمنيين تحت مسمى زكاة الخُمس، رفعت السلطات الحوثية زكاة الفرد بمقدار 550 بالمائة، وذلك من 100 إلى 550 ريالاً يمنياً (نحو دولار)، فيما رفعت قائمة كبار المكلفين من التجار إلى نحو 25 ألف ريال بعد أن كانت القائمة 1300 ريال فقط، وفقا لمصدر حكومي.
حصد أموال طائلة
ومن خلال هيئة الزكاة التي أسندت قيادتها لأحد الزعماء القبليين الموالين لها، هو شمسان نشطان، أسفرت الإجراءات الحوثية عن حصد أموال طائلة من القطاع الخاص، وتحديدا خلال العامين الماضيين.
ووفقا لتقرير رسمي صادر عن هيئة الزكاة الحوثية، اطلع عليه "العربي الجديد"، فقد بلغت إيرادات العاصمة صنعاء فقط خلال العام الماضي 5 مليارات و214 مليون ريال يمني (نحو 8 ملايين و690 ألف دولار)، وذلك بزيادة 73 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبقه.
وفي المناطق الخاضعة لنفوذ الحوثيين بمحافظة تعز، التي تحتضن أكبر مجمع صناعي خاص على مستوى اليمن، حصد الحوثيون إيرادات زكوية نقدية خلال العام الماضي بلغت 894 مليون ريال يمني (نحو مليون و490 ألف دولار)، و900 قدح حبوب، أي بزيارة 214 بالمائة عن العام 2019، وفقا لتقرير آخر.
ويقول الحوثيون إن الإجراءات الجديدة هدفها إيصال الزكاة إلى مستحقيها من الفقراء، لكن من خلال متابعة الأنشطة التي تنفذها هيئة الزكاة الحوثية، يتضح أن الجبايات الهائلة تذهب بدرجة أساسية لتمويل المجهود الحربي للجماعة ودعم مقاتليها.
ونهاية مارس/ آذار الماضي، أعلنت هيئة الزكاة التابعة للحوثيين أنها قدمت قافلة مساعدات لجرحى الحرب من مقاتليهم بقيمة 330 مليون ريال يمني (نحو 550 ألف دولار)، وأعلنت بشكل صريح أنها ستستمر في رفد جبهات القتال بمشاريع مختلفة.