توفيق الحميدي: ننتظر أن نرى مشروعاً سياسياً جامعاً في تعز يدافع عن حقها في الثروة والسلطة ضمن الأقاليم

آب/أغسطس 14, 2024

نبارك لأبناء محافظة مأرب نجاح انعقاد مؤتمرهم الجامع، ونتمنى أن نرى مشروعًا سياسيًا تعزيًا ينحاز لمشروع الإقليمية، ويُدافع عن حق تعز في الثروة والسلطة

يجب أن يكون سقف الطموح التعزي عاليًا، أعلى من مجرد بناء خزان للماء أو شراء مولد كهرباء. تعز إقليم له كامل الحق في السلطة والثروة، بما يتناسب مع تاريخه وجغرافيته. لم يعد مقبولاً أن نرى التفاعل الدولي في سواحل تعز، بينما نظل مغيبين عن المشهد، ننتظر فتات الفاعلين المتحكمين بجغرافيتنا ومستقبلنا. ولم يعد مقبولاً أن تبقى هذه الجغرافيا حديقة خلفية لحكام صنعاء أو عدن أو صعدة، يمارسون على أرضها نزقهم وابتزازهم وأطماعهم.

المعادلة السياسية المركزية، التي كانت سارية في الشمال والجنوب قبل وبعد الوحدة، فشلت في تحقيق العدالة الاقتصادية والتنموية والسياسية. لم يستفد منها سوى أصحاب النفوذ والمصالح، وأدت إلى صراعات مستمرة، علنية وخفية، وأوصلتنا إلى ما نحن عليه من اقتتال وتمزق. على العقلاء من أبناء تعز التقاط اللحظة التاريخية وتحريك الطموح التاريخي لهذه المدينة، ضمن معادلة جديدة تنظم العلاقة بين الأطراف والمركز، وتحفظ حقوق الأطراف وتمنحها صلاحيات واسعة في الإدارة والتنمية.

توجد رغبة شبابية ملحة للخروج من نفق التجاذبات العليا لأصحاب المصالح في صنعاء وعدن، والمعارك التي تدور على أرضهم وتؤثر على حياتهم واستقرارهم، دون أن يكون لهم فيها ناقة أو جمل. لم يعد هناك وقت للصمت، فاليمن يمر بلحظة تاريخية مهمة، وهي لحظة بحاجة إلى إرادة قوية وشجاعة سياسية وأخلاقية لدفعها نحو الهدف المنشود. هذه القوة لن تأتي إلا من كتلة تغيير حرجة تمتلك مواصفات القوة والشجاعة والقيم الأخلاقية، وتؤمن بلحظتها وترى الصورة الكلية للمستقبل الذي تعمل لأجله. للأسف، الطبقة السياسية التعزية اليوم مرتعشة، ليس لها توجه مستقل، وهي مرتبطة بولاءات متعددة بسبب الانتماء والراتب والحماية. طبقة تتنفس أبخرة القصر، وترى في مغادرة تلك الساحة موتًا لها ولمستقبلها. لذا، لا يُؤمل منها الكثير لأجل تعز المشروع والجغرافيا.

من خلال انخراطي في كثير من النقاشات مع القوى المختلفة، بما فيهم السياسيون وأعضاء مجلس النواب، وجدت أن معظم المعارضين لهذا الحراك ينقسمون إلى فئات: 

  1. الفئة الأولى، التي تصطف إلى جانب طارق صالح، حيث يرون أن هذا الحراك سيضر بطارق بشكل مباشر.
  2. الفئة الثانية، التي تساند الرئيس العليمي، حيث يرون أن الوقت هو وقت الاصطفاف خلف العليمي كونه جاء من محافظة تعز.
  3. الفئة الثالثة، الأحزاب التي غارقة في ماضيها وخلافاتها ومصالحها التي تحركها أيادي خارجية سواء خارج المحافظة أو اليمن، وهؤلاء كانوا من أهم المثبطين لأي فكرة تتحدث عن تعز، تحت لافتة "الوطن" التي لا ينبغي أن تكون جزءًا صغيرًا منها.

الحراك التعزي محل نظر الداخل والخارج. أثناء النقاش الذي أشرت إليه، كان هناك اعتراض خارجي على استمرار الحراك، لكن هذا الاعتراض اختفى بسرعة مع مسودة النقاش. يرى هذا الطرف أن الحراك التعزي يجب أن يكون ملفًا خارجيًا يمكن التحكم فيه، خشية تكرار نموذج الثورة الشبابية التي منحت تعز زخماً أخرجها عن السيطرة. لذا، في لحظة من النقاش، يغيب الجميع في غموض.

التعويل على الشخصيات التعزية الحالية والطبقة السياسية التي انخرطت في استقطابات داخلية وخارجية، هو خسارة. فقد بنت هذه الطبقة مصالحها على الولاء لغير تعز، ولم يعد يربطها بتعز سوى الصوت الانتخابي في مواسم معينة. هذه الطبقة تمارس عقوقًا فجًا بحق تعز، ولا يمكن أن تنحاز لها في ظل الوضع الحالي. الرئيس العليمي، ورئيس الوزراء المقال معين عبدالملك، ورئيس مجلس النواب، هم نماذج سيئة للنخبة السياسية التعزية التي لا ترى في تعز سوى كتلة سكانية تدعمها في تحقيق مصالحها. لذا، حان الأوان للخروج من الاعتماد عليها وبدء حراك تعزي مستقل.

أما الأحزاب السياسية، للأسف، لها حسابات دقيقة تتعلق بموقعها على الخريطة المستقبلية، في ظل تحكم الخارج بالملف اليمني، والخشية من غضب الخارج، مما جعل حركتها بطيئة وتقليدية، وإن كانت مؤثرة عندما تحضر.

الحراك التعزي اليوم بحاجة إلى قيادات مستقلة لديها الرغبة في تشكيل حراك تعزي مدني جامع لكل القوى والتشكيلات السياسية والمدنية، حراك سلمي يطالب بحق المحافظة في الثروة والسلطة، ويعمل على صياغة ميثاق تعزي جامع يحمل رؤية مشتركة، على رأس مطالبها رفع الوصاية المركزية وإخراج جميع المعسكرات التي تسعى إلى تقسيم تعز وحصارها، والانتقال إلى ميدان المعركة الحقيقي مع الحوثي. الصمت سيغيب تعز لمرحلة تهميش طويلة، قد تقود إلى تنفيذ مشروع تقسيم "المخا، مقبنة، الوازعية، موزع، التربة". وبدلاً من المطالبة بالماء، سنطالب بحرية التنقل. العليمي ومعين لا يعنيان تعز؛ هم يمثلون أنفسهم والسلطة المركزية. السياسة الحصيفة تقتضي الذهاب نحو الاستقلال المحلي الكامل وفق معادلة متوازنة مع المركز. فهل سنرى حراكًا سياسيًا تعزيًا ينتصر لمطالب هذه المحافظة، أم سيكتفي الكثير من المؤثرين بدور "بنت الشغالة"؟

صحيح أن هناك نماذج سلبية ظهرت ثم اختفت مثل "تعز الجامع"، ولم تنجح في تحقيق أهدافها لجمع أبناء تعز، وذلك لأسباب تتعلق بالظروف والأجندة المسبقة وانعدام الثقة. اليوم، الوضع مختلف ظرفيًا وهدفًا، خاصة واليمن على أبواب مرحلة جديدة لا ندري أين سيكون موقعنا منها. هل ستتحول تعز إلى سجن بوابة خروجها الشمالية من مطار الحوبان تحت سيطرة الحوثي، أو غربًا من مطار المخا؟

الحديث عن الحراك التعزي قد يراه ضيقو الأفق نوعًا من التعصب، لكن الحقيقة هو نوع من إصلاح المسار لدولة فشلت في تحقيق أهدافها خلال مسيرتها الطويلة بسبب المركزية الشديدة، والفساد، وتهميش الأطراف لصالح قوى تنمي لها. لذا، إصلاح هذه العلاقة ضمن معادلة جديدة هو الأساس. صحيح أن هناك فراغًا دستوريًا وقانونيًا في نقاشنا، لكن الوضع في اليمن يساعد في بناء مقدمات سياسية ودستورية. القانون المطلوب حان الأوان أن تعود تعز إلى نفسها تاريخيًا وجغرافيًا ضمن معادلة يمنية جديدة، جنبًا إلى جنب مع بقية المحافظات والأقاليم.

 

Additional Info

  • المصدر: توفيق الحميدي
Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأربعاء, 14 آب/أغسطس 2024 11:42
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro