ولادة كيانات في لحظة انتظار حاسمة لمصير البلد، مع تقدّم مسار المباحثات السياسية وتوقف العمليات العسكرية، فما الذي يعنيه إعلان مجالس مقاومة في ظل مشهد تبدو فيه التسوية السياسية هي الأقرب للتحقق.
- غير واضحة المعالم
يقول الأكاديمي والباحث عادل دشيلة: "في حقيقة الأمر، المقاومة الوطنية موجودة منذ اليوم الأول، وتشكلَّت في كثير من المحافظات اليمنية لمواجهة جماعة الحوثي، ولا مانع أن يكون هناك إطار قانوني لهذه الكيانات، إذا كانت ستكون رافدا لاستعادة الدولة".
وأضاف: "لكن إذا كانت المقاومة حبرا على ورق فلا فائدة من هذه التكتلات المحلية، نحن ندرك أن المقاومة تتشكَّل بفعل إما أن يكون لمقاومة المحتل، أو لمقاومة سلطة غاشمة، أو جماعات مسلحة استولت على الدولة".
وأوضح: "هذه الكيانات، أي المقاومة الشعبية وغيرها، إما أن تكون عبر الاحتجاج السلمي أو عبر العنف المسلح، لانتزاع الحقوق".
وتابع: "إذا كان الهدف سياسيا لانتزاع أكبر قدر من حقوق الشعب اليمني فهذا يجب أن لا يضفى عليه مجلس المقاومة الوطني أو أي مجلس كان، وإذا كان الهدف الدفاع عن مشروعية الدولة ومشروعية الثوابت الوطنية للدولة اليمنية، وأن يكون على أتم الاستعداد لمواجهة أي طارئ في المستقبل، فهذا بكل تأكيد سيرحِّب به الجميع".
وأشار إلى أن "خطوات تشكيل هذه الكيانات ما تزال غير واضحة المعالم"، قائلا: "لاحظنا مؤخرا تشكيل كيانات وطنية في حضرموت، وفي شبوة، وأيضا جماعات عنف مسلحة مدعومة من الإقليم شمالا وجنوبا، وبالتالي سمعنا عن المقاومة الوطنية والمقاومات الأخرى بأنها تريد الحفاظ على كيان الدولة الوطنية، وعلى الجغرافيا السياسية للجمهورية اليمنية، وهذا أمر إيجابي".
واستدرك: "تشكيل هذه الكيانات في ظل الحديث عن وجود تسوية سياسية هشة، بناءً على رغبة الإقليم، لا أعتقد أنه سيغيّر من مجرى الأحداث كلياً، لكن لا بأس إذا كان هناك إطار تنظيمي لهذه الكيانات، بحيث إنه إذا تهور الإقليم للدفع باليمن نحو الهاوية وتمزيقه يجب أن تكون هذه الكيانات على أتم الاستعداد -على الأقل- لانتزاع الحقوق المشروعة لليمنيين".
وقال: "لا نريد أن نعيش أزمة أخرى؛ أزمة مقاومة، نحن عشنا أزمة انقلابات مسلحة، تمرد مسلح، تشكيل كيانات خارج إطار الدولة الوطنية اليمنية لا تؤمن بالثوابت الوطنية (النظام الجمهوري، والديمقراطية، ودستور الجمهورية اليمنية)".
وأضاف: "يجب أن نركز على ما يجري في الداخل اليمني، وعلى ما يجري في الإقليم"، مبينا أن "الإقليم يريد تسوية سياسية بناء على مصالحه الإستراتيجية، والكيانات المسلحة التي فرضها الإقليم تريد إعادة تشكيل الخارطة السياسية للبلد على أسس مذهبية ومناطقية".
ولفت إلى أن "هناك كيانات أخرى أنشأها التحالف العربي في الظاهر تعلن (أنها وطنية)، ولكنها مدعومة بشكل واضح من التحالف".
- مساران
وتابع: "ما يعنيني هو أن هذه المقاومة يجب أن يكون لها مساران: المسار السياسي، والمسار الثقافي والاجتماعي على الأرض في ظل هذه الهدنة؛ أي أنه يجب أن يكون هناك وعي وهناك ثقافة بخطورة استمرار الانقلاب، وأن يكون لديها خطة أخرى (ب) في حال أن الإقليم أراد أن يوجّه العملية السياسية لغير صالح اليمنيين، فعليها أن تكون جاهزة لاستخدام وسائل أخرى بما في ذلك الخيار المسلح لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
وتساءل دشيلة: "هل لدى هذه الكيانات هذه الإستراتيجية؟"، متابعا: "لا أعرف، ولكن من يشكِّل هذه الكيانات هو الذي يعرف".
ويرى أن "إعلان المجلس الوطني للمقاومة في هذا الظرف لا يعيب"، معتبرا "أن يكون هناك إطار سياسي وتنظيمي لهذه المجالس أمرا إيجابيا، حتى تستطيع أن تنسق عملياتها على الأرض".
وقال: "ما يهمني هو أن تكون هناك مقاومة وطنية حقيقية في الداخل تسعى للحفاظ على مصالح اليمنيين من سقطرى إلى صعدة، وأن توجد لها خططا إستراتيجية لكيفية مواجهة الأخطار الإقليمية أو المؤامرة الإقليمية -إن صح التعبير- والكيانات المسلحة التي تريد العودة بنا إلى ما قبل الدولة على أسس مذهبية ومناطقية".
وأضاف متسائلا: "هل هذه الإستراتيجية موجودة لدى هذه المقاومة؟ إذا كان لديها إستراتيجية بهذا الشكل فهذا أمر إيجابي، لكن إذا كان إعلان مجلس المقاومة فقط سياسيا دون أن يكون لديه أذرع مسلحة حقيقية على الأرض فأنا -في تصوري- أن هذا المجلس سيكون منزوع الإرادة مثله مثل المجلس الرئاسي".
- المسألة مرتبطة بأهداف
من جهته، يقول القيادي في المجلس الأعلى للمقاومة عبدالهادي العزعزي: "لا أعتقد بأن المسألة مرتبطة بالتسوية السياسية بدرجة أساسية بقدر ما المسألة مرتبطة بأهداف تم إعلانها بشكل أساسي، من قِبل قيادة المقاومة".
وأضاف: "قيادة المقاومة ليست لديها إشكالية في مسألة من يقود السلطة الشرعية وإلى أين يقودها، لكن تخوفاتها أن تفرض خيارات أخرى ضمن التسوية تؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف الرئيسية: استعادة الجمهورية، إسقاط الانقلاب، الدولة الاتحادية".
وأوضح: "هذه مسائل أساسية وخطوط حمراء بالنسبة لجماعة المقاومة بشكل أساسي"، مؤكدا أن "هذه المسألة لا يمكن التنازل عنها".
وتابع: "استطاعت المقاومة -بعد حوارات طويلة- أن توجد لها مجلسا موحدا على مستوى الجمهورية، ليس على مستوى إقليم أو على مستوى محافظة"، معتبرا ذلك "حالة متقدمة، وإن كان رافقها بعض الاختلالات البسيطة أثناء هذا التشكيل".
- الأكثر اتساعا
واستدرك: "لكن هذا التشكيل تشكيل ضامن من أن يظل وضع بيضة شعب بكامله داخل سلة واحدة قد تفرض عليه خيارات، خصوصا في ظل التدخلات الدولية والإقليمية، التي قد يفرضوا على اليمنيين -تحت بند التفاوض- خيارات قد تكون أقل بكثير مما يعتبر الحد الأدنى المطلوب، في حالة إذا ما جرت هناك تسوية أو تفاوض؛ لأن أي حرب لا تظل حربا إلى ما لا نهاية".
وأشار إلى أن "نهاية كل حرب طاولة إما مستديرة أو طاولة تجمع الجميع، وفي كل الحالات أكان هناك مهزوم أم منتصر، أكان هناك تعادل في القوى، تنتهي أي مواجهات إلى طاولة تفاوض".
وأوضح: "حضرت المقاومة قبل أن تحضر المؤسسات الرسمية، مثل وزارة الدفاع وغيرها، بأفرادها وقاداتها ورجالها، في كافة المحافظات، وكانت لمحافظتي تعز ومأرب اليد الطولى قبل أن يكون هناك جيش، قبل أن تكون هناك وحدات عسكرية نظامية"، مشيرا إلى أن المقاومة "هي من احتضنت من تمردوا من داخل الجيش، الذي أصبح محكوما بقانون المليشيا، انضم إليها سياسيون، وقامات ثقافية...".
ويرى العزعزي أن "المجلس الوطني، يضم مناطق لازالت تحت سيطرة مليشيا الحوثي، وبذلك هو الأكثر اتساعا من الناحية الوطنية، لأنه يضم أطرافا على مستوى البلد (ككل)".
ويخشى عبدالهادي العزعزي من أن تكون هناك تسوية ترضي الإقليم ولا ترضي اليمنيين، معتقدا أن أذرع المقاومة العسكرية لا زالت -إلى حد ما- في حد مقبول، لكن كان ينقصها الذراع السياسي، ومكاتبها الفنية، والاجتماعية، وكان ينقصها أن تكون مقاومة على المستوى العام.
واستطرد: "لازالت هذه المقاومة لها حاضنة شعبية كبيرة، ولها تأييد جماهيري وهو الأهم، أي أنها يمكن أن تعتمد على الداخل....".
وبيّن أن المقاومة ليست طامحة إلى السلطة من مبدأ الإزاحة؛ أي أنها لا يمكن أن تحل محل السلطة، لكن هذه السلطة تمثلها.
وبصفته قيادي في المجلس الأعلى للمقاومة، كرر العزعزي التزام المجلس بأنه لن يقف ضد رغبة الشعب اليمني في الاستقرار واستعادة دولته، وتحوله إلى مجتمع ديمقراطي.
وأكد أن المجلس لا ينوب عن الشعب، ولن يسمح بانحراف البلد في أي تفاوض قادم أو أن يجري ابتزاز الشعب في قضاياه الوطنية الكبرى، ولا يمكن أن يتراجع عن قضايا وطنية كبرى تتعلق بحرية اليمنيين ومستقبلهم..