سكان تعز يحفرون الأنفاق هروبا من قنّاصة الحوثي.. "تعز تايم" في قلب الأحياء المهددة

آذار/مارس 14, 2022

منذ اندلاع الحرب في اليمن، قبل أكثر من سبع أعوام، كانت تعز واحدة من المحافظات التي شهدت أعنف المعارك ضد جماعة الحوثي، وليست مشاهد المباني المدمّرة وحدها الدليل على مدى بشاعة الحرب، فهناك ما هو أشد وحشية، ولا يزال يشكل خطرا على السكان حتى إذا لم تكن هناك معارك.

القاتل المتوحش، الذي يشكل خطرا كبيرا على السكان وعدد ضحاياه في تزايد مستمر، هو القناص الذي يتمركز بأطراف مناطق التماس على امتداد مدينة تعز المحاصرة، ويترصد المدنيين ليُوقعهم قتلى وجرحى.

"تعز تايم" يرصد في هذا التقرير مظاهر الحياة في المناطق المستهدفة وذلك، ضمن ملف "قنّاصة الحوثي في تعز"، واستهدافهم المدنيين في المدينة.

إلى جانب الإفراط في صناعة الموت والإعاقة، شكلت هجمات قنّاصة جماعة الحوثي الوحشية في تعز مصدر رعب وقلق بالغين بالنسبة للسكان، الذين أطبقت عليهم الجماعة حصارا خانقا، وقيّدت تحرّكاتهم، ومنعتهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، والبحث عن رزقهم، وتأمين لقمة العيش.

اقرأ أيضاً: تعز تايم يرصد 737 عملية استهداف لسكان تعز برصاص قناصة الحوثي

تنهال رصاصات القنّاصة على المدنيين في القرى، والأحياء السكنية، والمنازل، والحقول، والمراعي، وأماكن العمل، والطرقات العامة، والممرات التي تتخلل مساكنهم بشكل متواصل، حتى في ظل توقّف المعارك، إذ يستهدف القنّاصة كل شيء متحرّك بما في ذلك الكلاب والقطط ووسائل النقل.

اقترب "تعز تايم" من مناطق يستهدفها قنّاصة الحوثي باستمرار في منطقة عصيفرة شمالي مدينة تعز، وبعض القرى الواقعة بالقرب من التبة السوداء غرباً، التي يتمركز فيها قنّاصان اثنان على الأقل، بحسب رواية الأهالي.

مناطق كهذه من الصعب العيش فيها، بسبب الخطر المستمر الذي يشكله القنّاصة، إلا أن السكان فضّلوا البقاء فيها، بدلاً عن حياة التشرّد والنزوح، وما فيها من معاناة ومآسٍ، كما يصف أحد السكان منزله بأنه "وطنه الأصغر"، ومغادرة المنزل تعني إتاحة الفرصة للمتسللين الحوثيين لزراعته بالألغام والمتفجّرات.
 
-التواري عن أنظار القنّاص

سكان بعض الأحياء في منطقة عصيفرة اضطروا إلى حفر ممرات أرضية وأنفاق، علّها تقيهم رصاصات القنّاص المتمركز في تبة حميد، والمواقع المجاورة، كما تسهّل ذهاب أطفالهم إلى المدارس والعودة منها، وكذلك جلب احتياجاتهم الأساسية.

اقرأ أيضا: حبوب الشجاعة.. "تعز تايم" يتتبع طرق تدريب قنّاصة الحوثي

وكلّما كانت المناطق أقرب من المرتفعات، التي يتمركز فيها القنّاصة، كانت التدابير أكثر، رغم بساطتها وعدم منعها بشكل كامل عمليات الاستهداف من قبل القنّاصة، حيث بنى بعض السكان سواتر إسمنتية وترابية عند مداخل بعض الأحياء.

وروى السكان لـ"تعز تايم" أنهم اضطروا أيضاً إلى وضع سواتر قماشية أو بلاستيكية للحد من مجال رؤية القنّاص، وتسهيل مرورهم إلى أعمالهم، مشيرين إلى أن عمليات القنص باتجاه هذه السواتر مستمرة بشكل عشوائي.

الخطر ذاته وأكبر تشكله قنّاصة الحوثي على سكان قرية المعفاري بمنطقة الصياحي غرب تعز، فمعظم السكان هناك من الأسر الأشد فقرا عجزوا عن وضع تدابير احترازية من رصاصات القناص  التي لا ترحم أحداً منهم، مكتفين بالتواري خلف الأشجار والجدران المتهالكة.

اقرأ أيضا: "تعز تايم" يكشف مواقع انتشار قنَّاصة الحوثي في مدينة تعز

يقول أحد سكان قرية المعفاري إنهم يحجمون عن المرور في أطراف القرية، في حين يتنقلون بين المنازل بحذر شديد، وأثناء مرورهم يحنون رؤوسهم، ويتجنبون الوقوف، وحمل الحطب، وجذوع الأشجار، كل ذلك خشية أن يلاحظ القناص تحرّكاتهم ويستهدفهم.

-محظـورات

وفي بعض المناطق المستهدفة من قِبل القناصة وضع الأهالي مجسمات ولافتات كتبوا عليها عبارات تحذيرية من هجمات قناصي جماعة الحوثي، إلى جانب تعليمات تحدد الممرات الأقل خطورة.

هذه التحذيرات يتناقلها السكان فيما بينهم، رغم أنها لا تكفي للنجاة من رصاصات القنّاصين، وأصبح الجميع يدركها في قرية المعفاري بمن فيهم الطفل فادي سعيد (13 عاماً).

عند قدوم موفد "تعز تايم" باتجاه القرية، كان الطفل فادي قاعداً مع شقيقه قرب أحد الجدران، التي يحتميان بها من قناصي جماعة الحوثي المتمركزين في التبة السوداء، ويصنعان بطريقة يدوية مكانس تقليدية من سعف النخيل.


شرح الطفل فادي بعض تعليمات السلامة المتعارف عليها لدى السكان، ونصح الفريق بعدم حمل معداتهم على الأكتاف، وكشف رؤوسهم وأجسادهم للمواقع العسكرية التي تتمركز فيها عناصر وقنّاصة جماعة الحوثي.

تبدو القرية -عند زيارتها- أشبه بسجن موحش، ويفتقر سكانها إلى الغذاء والدواء والمياه، ويكتوون بالفقر وتجاهل الحكومة والسلطات المحلية والمنظمات الإغاثية معاناتهم.

اقرأ أيضاً: تعز تايم ينشر أسماء المتورطين في جلب قنّاصة الحوثي إلى تعز

لاحظ الموفد آثار الخراب والدمار، وخوف الأهالي وتحركاتهم الحذرة، ونوافذ منازلهم المغلقة بالأحجار والطوب، لتجنّب رصاصات القنّاصين، ووراء كل واحدة من هذه التدابير قصة مأساوية.

الكثير من الحكايات رواها السكان، توضح مدى وحشية القنّاصين، وكيف يصدرون الموت والخوف بشكل يومي، وهذا الأمر يثير أيضاً الخوف والفزع لدى أي زائر للقرية البعيدة عن أعين عدسات الكاميرا، والقريبة من فوهات قنّاصة الحوثي.

لا مفر لهؤلاء السكان من نيران القنّاصة، التي استهدفت أحدهم وهو يصلي العشاء داخل منزله، وتعد هذه الحادثة واحدة من القصص التي لم يستطع الأهالي نسيانها، أسوة بغيرها من الحوادث الوحشية لقنّاصة جماعة الحوثي.

-الأطفال ولعبة الموت

يبحث سكان قرية المعفاري، كغيرهم من الواقعين في مرمى نيران قنّاصة جماعة الحوثي، عن مساحات آمنة خارج نطاق رؤية القنّاصين، الذين يترصدون المدنيين ويستهدفون كل شيء متحرّك.

تقول المسنة "ورد عبده" (إحدى سكان قرية المعفاري) إنها وأسرتها وجميع من في القرية يعيشون في خطرا دائما، خاصة من يذهبون بحثا عن عمل بالأجر اليومي، ويعودون مجدداً إلى القرية.

وتضيف أن ما يقلقها أيضاً لعب الأطفال، الذين يسترقون أوقات المرح واللعب بصعوبة وخلسة من فوهة بندقية القنّاص التي لا تستثني أحدا في تلك المناطق، وبمجرد حركة بسيطة من أي طفل أثناء اللعب قد تجعله في عداد ضحايا القنّاصين.

يحضر الموت والحزن والمآسي في أحاديث الأطفال وألعابهم، التي تمتزج بذكريات وتفاصيل مؤلمة لرفاقهم الذين سقطوا برصاصات قنّاصة جماعة الحوثي، وقذائفها.

في هذه القرية والمناطق المستهدفة من قِبل القنّاصين الحوثيين لا شيء أكبر من الخوف والرعب والمعاناة الإنسانية، جراء تدهور الأوضاع المادية والمعيشية للسكان، وتزايد المخاطر على حياتهم.

اقرأ أيضا: خبراء وباحثون يتحدثون لتعز تايم حول أسلحة قناصة الحوثي واستعانتهم بخبراء أجانب

آلاف السكان في المناطق الواقعة بمرمى نيران قنّاصة الحوثي يواجهون مصيرهم بمفردهم، في حين تشتد عزلتهم، وتقل فرص نجاتهم، ويعجزون عن النزوح إلى مناطق أخرى، واستئجار منازل آمنة، بسبب الفقر المدقع، وندرة المساعدات، وإهمال السلطات الرسمية.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الإثنين, 14 آذار/مارس 2022 13:51
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro