عادة ما تصيب رصاصات القنّاصين القادمة من بعيد مواضع قاتلة كالرأس أو الصدر، وتحديداً موضع القلب، فتودي في الغالب بحياة الشخص، أو تتسبب له بإعاقة دائمة.
"تعز تايم" تحدث -هذه المرّة- مع عسكريين وأطباء ومصادر أخرى، وتتبّع -في هذا الجزء من ملف قناصة الحوثي في تعز طرق احتراف قنّاصة جماعة الحوثي صناعة الموت والإعاقة للعام السابع من عمر الحرب، التي شهدت الكثير من عمليات قتل وإصابة مئات المدنيين.
اقرأ أيضا: "تعز تايم" يكشف مواقع انتشار قنَّاصة الحوثي في مدينة تعز
يكشف موقع "تعز تايم"، في هذا الملف، الكثير من الحقائق حول طريقة جلب جماعة الحوثي هذا القدر من القنّاصين، وكيفية اختيارهم وتدريبهم، وجعلهم أكثر وحشية ودموية وقسوة.
إذا ما بدأنا من تعريف القنّاص الحوثي -وفق ما أصبح سائدا لدى سكان تعز تحديدا- فإنه ذلك المقاتل الذي يستخدم سلاح القنّاصة ضد المدنيين بدقّة عالية، ويمتلك قدرات ومهارات احترافية، وقد تلقّى من التدريب ما مكّنه من ذلك، يُضاف إلى ذلك رغبته الجامحة في القتل العمد، وسفك الدماء، وقد استوحى ذلك من قياداته أثناء التدريب والتوجيه، وتسليمه هذا السلاح الدقيق.
- مخزون صالح
بحثاً عن طرق تدريب قنّاصة الحوثي، تحدث "تعز تايم" مع مصادر عسكرية رفيعة في قيادة وزارة الدفاع اليمنية - طلبت عدم الإفصاح عن هويتها - وأفادات بأن الرئيس السابق علي عبد الله صالح زوّد جماعة الحوثي -أثناء تحالفه معها- بمئات القنّاصين المحترفين، كما شكّلت قوات صالح مصدراً ثرياً للقنّاصين وسلاح القنّاصة بالنسبة لجماعة الحوثي.
وبحسب المصادر، فإنّ الكثيرين من أفراد وحدات القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب، ووحدات الحماية الرئاسية، والقوات ذات المهام الخاصة في قوات الأمن الخاصة، الذين تلقّوا -إبان حكم صالح- تدريبات مكثّفة على القنص، قد شاركوا في القتال مع جماعة الحوثي بشراسة، وتم توزيع أغلبهم في مدينة تعز.
اقرأ أيضاً: قنّاصات أمريكية وروسية وإيرانية وصينية بأيدي الحوثيين لاصطياد أبناء تعز
تؤكد المصادر - في حديثها لتعز تايم- أن القنّاصة التابعين للقوات التي كان يقودها أقارب صالح كانوا على مستوى عالٍ من الكفاءة والحِرفية، وقد خضعوا للدراسة العلمية والتدريب داخل اليمن، وذلك على أيدي معلّمين ومدرّبين محليين وعرب وأجانب، كما ابتعثوا -خلال أوقات متفرّقة- للدراسة والتدريب في عدد من البلدان الأخرى.
ويجيد هؤلاء القنص باستخدام مختلف أنواع القنّاصات إلى جانب المسدسات والكلاشنكوف وغيرها من الأسلحة الرشاشة، كما يمتلكون القدرة الفائقة على التصويب، سواء في حالة ثباتهم أو حركتهم، ويستطيعون اصطياد الأهداف الثابتة والمتحرّكة.
وقد اعتمدت جماعة الحوثي -أثناء تحالفها مع صالح- على مخزونه البشري الكبير من القنّاصين المدرّبين على أعلى المستويات والفنون القتالية، وأوكلت لهم مهمة إرسال الموت للمدنيين بشكل مفرط، ومن على بُعد قد يصل إلى 5 آلاف متر.
ولطالما تباهى صالح بقناصيه، خلال ظهوره التلفزيوني المتكرر، ووجههم بالقتل، وهي أوامر بدت من رئيس لمرؤوس، وتلخّصت في عبارته المشهورة في إحدى خطاباته المتلفزة "دقوهم بالقنّاصات.. هؤلاء إرهاب".
- تدريب كتائب قنّاصين
التهمت المواجهات، الدائرة في تعز وغيرها، الكثير من القنّاصين، ما خيّب آمال الحليفين، ودفعهما إلى الإقدام على صناعة قنّاصين جدد، وتدريبهم على أيدي مدرّبين محليين محسوبين على صالح، ووحدات الجيش اليمني، التي استولت جماعة الحوثي عليها، ونهبت مقدراتها.
وقد أوكلت مهمّة تدريب القنّاصة لطارق محمد عبدالله صالح (نجل شقيق الرئيس السابق صالح)، الذي أشرف -خلال سنوات الحرب الأولى- على إعداد وتدريب كتائب القنّاصين، وذلك في معسكر "حسن الملصي" بمديرية سنحان، الذي كان تحت قيادته.
وقد ظهر طارق، في تقارير تلفزيونية بثتها وسائل إعلام محلية، وطالعها موقع "تعز تايم"، وهو يحتفي بتخريج دفعة قنّاصين من معسكر الملصي، الذي خضعوا فيه، على مدى أسابيع، لتدريبات نوعية ومكثّفة وعالية الحِرفية والكفاءة، وذلك في بيئة وعرة، شبيهة بمسرح العمليات القتالية في الجبهات.
وبحسب ما كشفته المصادر القريبة من طارق صالح، في اتصالات هاتفية مع "تعز تايم"، فإن تدريب دفعات القنّاصين المتخرّجة كانت تُركز على استخدام القنّاصات والقدرة على التمويه ومهارات التمركز، واستخدام الملابس المناسبة، والتماهي مع البيئة المحيطة.
وهو الأمر الذي أكده طارق في أحد لقاءاته المتلفزة (بثّته قناة "اليمن اليوم")، أن هناك كتائب على أتم الجاهزية والاستعداد للتحرّك وأداء المهام الموكلة إليها، ونوّه إلى أنها ليست أول مجموعة تتحرّك، لكن أول كتيبة تنطلق من معسكر "الملصي"، في إقرار ضمني على وجود معسكرات تدريب أخرى.
اقرأ أيضاً: تعز تايم يرصد 737 عملية استهداف لسكان تعز برصاص قناصة الحوثي
بعد قرابة 3 أشهر، ذكرت قناة "اليمن اليوم"، في تقرير آخر، أن معسكر "حسن الملصي" قد تخرج منه أكثر من 400 قنّاص من أصل 850 جرى ويجري تدريبهم في المعسكر ذاته.
-إنشاء وحدة قنّاصة
استمر طارق في تدريب كتائب القنّاصين إلى أن انفضّ التحالف بين عمه صالح وجماعة الحوثي في ديسمبر من العام 2017، ومن ثم لجأت الجماعة إلى إنشاء وحدة قنّاصة، وذلك ضمن هيكل قواتها، وأذاعت ذلك على لسان الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة التابعة لها.
واصلت جماعة الحوثي تدريب القنّاصين في معسكرات اُعدت خصيصاً لذلك، واستعانت بمدرّبين إيرانيين، وآخرين تابعين لحزب الله اللبناني وغيره، حسب روايات متطابقة، بينها اعترافات قنّاصين ممن وقعوا في الأسر، وفق ما أكدته مصادر عسكرية لتعز تايم.
في أواخر مارس من العام 2020، نشرت "القوات المشتركة" مقطع فيديو، ظهر فيه القنّاص الأسير لديها، عمر محمد صالح المراني، وذكر -وهو من أبناء مديرية أرحب التابعة لصنعاء وأحد القنّاصين في كتيبة الموت- أن الجماعة توكِل لمشرفيها في المناطق الخاضعة لسيطرتها اختيار القنّاصين، حيث يقوم كل مشرف بانتقاء شخص مناسب، وإرساله إلى معسكرات التدريب.
-حبوب الشجاعة
تؤكّد مصادر مقرّبة من جماعة الحوثي، في حديثها لتعز تايم، أن القنّاصة المجنّدين يخضعون هناك لدورات تثقيفية، وأخرى بينها دورة قتالية ومشاة جبلي ودورة قنّاصة، وذلك على أيدي مدرّبين أجانب حسب المراني، الذي لفت إلى أن المدرّبين يلجأون إلى تمويه أشكالهم، وتغيير لغاتهم ولهجاتهم ويقلّدون لهجات أخرى.
يتم تلقينهم من قِبل جماعة الحوثي بأفكار عدائية، وتعزيز مشاعر العنف والسلوك العدواني في نفوسهم، وجعلهم أكثر وحشية وقسوة وشغفاً بسفك الدماء، كما تقوم الجماعة بإعطائهم عقاقير تُعرف في أوساطهم ب"حبوب الشجاعة"، وهي أقراص مخدرّة، تساعد القنّاص على نزع الخوف، وترك التفكير بالمخاطر، وتجعله أكثر دموية، وثباتاً، ووحشية.
تراعي الجماعة -عند اختيار القنّاص- معايير معيّنة، بينها الطول، والخِبرة، وسلامة الحواس الخمس، والقدرة على التمويه، والثبات لوقت طويل في الموقع، الذي لا يتحرّك فيه، يبدو وكأنه جماد، كما أن حركته تكون بحذر ولا يشعر بها أحد، يقول الخبير العسكري علي الذهب لتعز تايم.
اقرأ أيضا: خبراء وباحثون يتحدثون لتعز تايم حول أسلحة قناصة الحوثي واستعانتهم بخبراء أجانب
وبات الحوثيون يستعينون بخِبرات عراقية وإيرانية ولبنانية، كما يتم تغيير القنّاصين في المواقع بين حين وآخر، ويتم إحلال قنّاص بديل مكان القنّاص السابق، وذلك بعد مرور أكثر من شهرين أو ثلاثة أشهر، ما يشي بامتلاك الجماعة عددا كبيرا من القنّاصين، وآليات القنص، بحسب الخبير العسكري اليمني علي الذهب.