الطرق البديلة في تعز تقود المسافرين إلى حتفهم بسبب حصار الحوثيين

نيسان/أبريل 16, 2022
الطرق البديلة في تعز تقود المسافرين إلى حتفهم بسبب حصار الحوثيين كاريكاتير - رشاد السامعي

تفرض جماعة الحوثي، التي تسيطر على معظم المنافذ البرية لمدينة تعز، حصارا خانقا على حياة السكان منذ العام 2015، وتغلق معظم الطرق الرئيسية المؤدية منها وإليها، كما تمنع المواطنين من التنقّل عبرها، وإدخال المواد الغذائية والإغاثية والأدوية وغيرها، إذْ تفرض الخوف والرُّعب والموت في تلك الطرق، التي فخختها بالألغام والمتفجّرات، ونشرت حولها القنّاصة.

ولعلّ أبرز تلك الطرق هو استمرار إغلاق المنفذ الشرقي، الذي يربط مركز المدينة بمنطقة الحوبان، وكذلك المنفذ الغربي الذي يربطه بمفرق شرعب، حول المدينة الواقعة في جنوب غرب البلاد، الأمر الذي حوّل المدينة إلى سجن صغير، ومكتظة بالمعانات والأنين، والتردي المادي والمعيشي والإنساني والصحي والتعليمي والاقتصادي، وغيرها من التداعيات المأساوية.

يغلق الحوثيون منفذ الحوبان منذ سبعة سنوات

"تعز تايم"، ضمن ملف المعابر، ناقش قضية مرور المواطنين عبر تلك الطرق البديلة الجبلية والطويلة والضيّقة والوعرة، التي تبرز فيها المخاطر، بعد أن تقطّعت أوصال المدينة، وأصبح من الصعب على المواطنين زيارة أقاربهم، كما فاقم معانات الطلاب، والمرضى، والمسافرين، وفرق الإغاثة، والباحثين عن جوازات السفر وجرعات اللقاح ضد فيروس "كورونا"، فضلاً عن فحوصات تشخيص الإصابة به من عدمها، وهي إجراءات يحتاجها وبشدة المغتربون المتواجدون داخل البلاد، العازمون على السفر.

ويركز "تعز تايم"، في هذا الجزء من سلسلة موضوعات الملف، على تناول وتسيلط الضوء على المعانات اليومية للمسافرين عبر الطرق البديلة وسلسلة المخاطر التي يتعرّضون لها، وغيرها من أوجه المعانات.

مغامرة خطرة

يلفت ناشطون وموطنون وسائقون، في أحاديث منفصلة لتعز تايم، إلى أن رحلات  المسافرين والمتنقلين من وإلى مدينة تعز مغامرة محفوفة بالمخاطر، تستمر من 7 إلى 8 ساعات، يقطعون فيها قرابة 132 كيلو مترا، ويعانون من الخوف، ومشقة وعناء السفر، ومخاطر الطريق، كما يتعرّضون للحوادث المرورية، والموت، والإصابة، والمضايقات، والتفتيش، والابتزاز، والترهيب، والاختطافات، والاعتداءات، والانتهاكات من قِبل النقاط الأمنية التابعة لجماعة الحوثي، المنتشرة أيضاً في الطرق البديلة.

وفيما يتطلب العبور في الطرق الرئيسية المغلقة من قِبل جماعة الحوثي، والتنقل عبرها بين قلب المدينة ومنطقة الحوبان أو مفرق شرعب، من 10 دقائق إلى 15 دقيقة، يتطلب الوصول إلى الوجهة نفسها عبر الطرق البديلة سفراً طويلاً ومجهداً، يستغرق قرابة ثماني ساعات، كما يقول المواطن هيثم الشرعبي لتعز تايم.

ومن أهم المنافذ والطرق البديلة، التي يسلكها المسافرون من وإلى مدينة تعز، طريق الاقروض في مديرية صبر جنوبي تعز، وطريق جبل حبشي في غربها، وطريق آخر يمر عبر مديرية سامع في الناحية الجنوبية منها، يستخدمه المواطنون في حال إغلاق المنفذين السابقين.
 
وخلّف الحصار الحوثي الخانق على  مدينة تعز، وإغلاق المعابر الرئيسية، معانات مزدوجة، إذ تسبب بتداعيات كارثية على قرابة 4 ملايين شخص، هم سكان المدينة، كما أفقد عشرات الآلاف منهم مصادر رزقهم، وزاد من معدلات الفقر والبطالة والغلاء في أوساطهم، وحال دون وصول المساعدات الإغاثية والمواد الغذائية، والأدوية والغاز المنزلي والمشتقات النفطية والمياه، وغيرها من متطلبات العيش.

-عذابات

يقول الناشط نور الدين المنصوري، لتعز تايم، إن الحصار الحوثي على مدينة تعز تسبب لسكانها بالكثير من المعانات، بينها صعوبة التنقل، وارتفاع أجرة المواصلات بشكل جنوني، حيث كان يحتاج الشخص سابقا إلى 100 ريال للذهاب إلى الحوبان، في حين يحتاج حالياً إلى 12 ألف ريال.

كما أدّى إغلاق المعابر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وذلك لبُعد الطرق البديلة وصعوبة نقل البضائع حسب المنصوري، الذي لفت إلى أن الحصار تسبب في ارتفاع أسعار بعض السلع بنسبة 50% تقريباً، وارتفاع أسعار الوقود بنسبة 30%، ما فاقم معانات المواطنين بشكل كبير.

اقرأ أيضا: ما رأي أبناء تعز بالهدنة وتجاهل العالم لحصار الحوثيين المدينة؟

وأصبحت العديد من الأسر، داخل المدينة، غير قادرة على زيارة أقاربها في خارجها، كون ذلك يتطلّب تكلفة كبيرة، في حين يصعب عليها ذلك في ظل تدهور الوضع المعيشي بشكل كبير، وانقطاع الرواتب، وفقدان مصادر الدخل.

وقطع الحصار حبال الوصل بين المدنيين في مدينة تعز والقاطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، كما منع البعض من مشاركة أهاليهم في المديريات الريفية أفراحهم، ومآتمهم، وإلقاء النظرة الأخيرة على موتاهم، وفقاً للشاب الثلاثيني مجد علي، الذي يقول لتعز تايم: "لم أستطع المشاركة في حفل زفاف شقيقتي في إحدى قرى مديرية شرعب السلام، كما لم أستطع حضور مراسم تشييع جدتي، وزيارتها أثناء فترة مرضها".

وفاقم إغلاق جماعة الحوثي الطرق الرئيسية معانات المسافرين عبر الطرق البديلة، التي تقودهم مخاطرها إلى حتفهم، أو تعرّضهم للإصابة، أو الإعاقة الدائمة، تقول مصادر متطابقة لموقع "تعز تايم".

-درب وعر

وتتعدد المناطق التي يمر بها المسافرون عبر الطرق البديلة، التي تبدأ بالمرور بمنطقة الضباب غرب المدينة، ثم منطقة نجد قسيم الكائن في مديرية المسراخ، ثم منطقة الأقروض التابعة لمديرية صبر الموادم، ومروراً بدمنة خدير، ثم الراهدة، ونقيل الإبل، وصولاً إلى الحوبان.

فيما تبدأ خارطة المرور بطريق جبل حبشي البديل بعبور خط الضباب غرب المدينة، ثم مفرق جبل حبشي، ثم السائلة، ثم جبل حبشي، الذي يعيد المرور بطرقه الجبلية الشاهقة، والضيّقة، يقطع السائقون بسيارات الدفع الرباعي سائلة "الصرام"، ومنطقة الأخلود، والعيار، وهجدة، والرمادة، والربيعي، وصولاً إلى مفرق شرعب.



المرور بالطرق البديلة له ثمن باهظ، جراء تضاريسها الوعرة، وضيق مساحتها، إذْ لا تتسع سوى لسيارة واحدة، ما يجعلها معرّضة للانقطاع والازدحام، وتوقّف حركة السير بفعل تعرّض السيارات للأعطال، والحوادث المرورية، وصعوبة مرور سيارتين في آن واحد.

يطيل ذلك أمد الرحلة عبر الطرق البديلة، ويفاقم من معانات المسافرين عبرها، خصوصاً مرضى الفشل الكُلوي والسرطان، الذين يتعرّضون للإنهاك والتعب والمضاعفات الصحية، ويصابون بالإغماء، حسب روايات مرضى لتعز تايم.

اقرأ أيضا:  بسبب الحصار.. سائقون في تعز يواجهون الموت يتحدثون عن عذاباتهم اليومية

وتتزايد أعداد الحوادث المرورية، حيث يلفت سكان محليون لتعز تايم إلى أن الطرق البديلة تشهد حوادث انقلاب سيارات بشكل شبه يومي، وهو ما يتسبب بوفاة وإصابة وإعاقة العشرات من الركاب، وغيرها من الخسائر المادية والبشرية.

وتتزايد أعداد الحوادث المرورية في الطرق البديلة بنسبة 70%، وذلك مقارنة بالطرق الرئيسية المغلقة، كما تتزايد فيها الانهيارات الصخرية، ومخاطر السيول، التي تجرف السيارات بمن فيها، وتتسبب بخسائر مادية وبشرية، كما تعيق حركة المرور، وتؤخّر مرور السيارات والمسافرين لساعات طويلة.

-رحلة موت

وتتحول الدقائق، التي كان يستغرقها المواطنون في عبور الطرق الرئيسية، إلى ساعات من العذاب والخوف في الطرق البديلة، التي يتعرّض فيها المسافرون للتفتيش والعبث بأمتعتهم وتصفّح هواتفهم، من قِبل نقاط جماعة الحوثي، وسلسلة من المضايقات والانتهاكات، والترويع، والاختطافات، والجبايات، والابتزاز، والاحتجاز، والإخفاء القسري، والاعتقال في سجن الصالح، طبقاً لروايات مسافرين وناشطين.

ويعد السفر عبر الطرق البديلة بمثابة رحلة موت حقيقية، بالنسبة لكل من يمر بها، من سائقين وقوافل تجارية وفرق العمل الإنساني، وكذلك المسافرين والطلاب والعمال والمرضى وغيرهم.

وتشهد تلك الطرق اندلاع اشتباكات، بشكل مفاجئ، بين القوات الحكومية التابعة لمحور تعز وجماعة الحوثي المتمركزة في المناطق المحيطة أو القريبة من تلك الطرق، ما يتسبب في تعطل حركة السير، وإثارة الرعب والهلع في أوساط المسافرين، حسب مصادر عسكرية.

اقرأ أيضا: "تعز تايم" يسأل السلطات المحلية: هل سيفتح الحوثيون معابر تعز وما موقفها من اتفاق الهدنة؟

وخلق إغلاق المعابر الرئيسية لثالث أكبر مدن البلاد، الأولى من حيث عدد السكان، وما رافقه من منع دخول المساعدات والبضائع، مأساة إنسانية حقيقية، وتدهورا مرعبا وكارثيا في مختلف أوضاع سكان المدينة المكتظة بمئات الآلاف من الفقراء والمعدَمين.

وتتكرر معانات المسافرين عبر تلك الطرق مع نظرائهم المسافرين نحو عدد من المحافظات الجنوبية، بما فيها العاصمة المؤقتة (عدن)، وكذلك المسافرين باتجاه مديريات ساحل تعز الغربي.

ويمرون بطرق جبلية طويلة ووعرة، ومجاري سيول، ويتكبّدون عناء السفر لعدة ساعات، إلى جانب تكاليف النّقل والمواصلات الباهظة.

-حصار ومعانات متعددة

وتعيش مدينة تعز حصارا متعددا، تفرضه جماعة الحوثي والنقاط الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة لحج  فضلاً عن حصار آخر تفرضه "القوات المشتركة"، المدعومة إماراتياً، بقيادة طارق صالح، التي تغلق طريق تعز - الكدحة - المخا.

وشهدت مختلف الطرق البديلة عشرات الحوادث المرورية، التي راح ضحيّتها عشرات المسافرين، بينهم نساء وأطفال،
حسب الرواية الرسمية.

إلى ذلك، فاقم السفر عبر الطرق البديلة من معانات مرضى الفشل الكُلوي، الذين صعب عليهم الوصول إلى داخل المدينة، لإجراء جلسات الغسيل الكُلوي، التي قد يتأخّرون عنها، ما يسبب لهم مضاعفات صحيّة كبيرة تصل إلى الموت.

وتقول مصادر طبية لتعز تايم إن معظم مرضى الفشل الكُلوي المسجّلين في مركز الكُلى بهيئة مستشفى الثورة العام بتعز من المديريات الريفية، فيما 20% من المرضى من داخل المدينة.

وأثّر إغلاق الطرق الرئيسية على مستوى التحصيل العلمي لطلبة الجامعات، الذين يتغيّبون عن حضور المحاضرات، بنسبة قد تقارب 50%.

وانعكس سلباً على مستوى العلاقات الأسرية، إذ تسبب في غياب الآباء عن أسرهم لفترات طويلة، وأثار العديد من المشاكل والخلافات الأسرية، التي انتهت بالطلاق وتفكك الأسر، وفقاً لمصادر قضائية.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 21 نيسان/أبريل 2022 13:48
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro