طرحت سؤالاً عن انتشار شائعات ساذجة حول تعز. تعددت الإجابات وكانت تدور حول نقطة مفادها ان الجميع يخشى تعز أو إجابات مستسلمة ترى أن تعدد الأصوات وهامش الحرية هو السبب.
وهذه إجابات متعسِّفة للواقع وغير موضوعية اما لمبالغتها دون تبرير أهمية وقوة تعز في الظرف الراهن أو عدم وعيها بالوقائع. والحقيقية أنه لولا غياب الثقة بالسلطات المحلية ما انتشرت شائعات كهذه أولاً.
وبناء الثقة هذه هو ما لا يخطر على بال احد حيث تنكفئ الفصائل في منطقها الخاص وتتصور انها منفردةً قادرةً على تسيير أمورها مكتفية بالضئيل الحقير من المصالح ولا تحفل بالرأي العام ولا بأهمية الصورة الذهنية التي تتشكل عنها والتي يصعب إصلاحها لاحقاً إذا ما تلطخت بالفوضى والعبث واللامسؤولية.
ثانياً، أن الناس سئمت طول المعاناة والمواعيد الكذوبة وبدأ يذوي أمل الخلاص من الحوثية بعمل عسكري يعيد للمدينة وللمحافظة اعتبارها.
لذا فالبديل هو تسلية تواجه هذا العبث والفشل الأمني والإداري قياساً بطموح الناس وقدرة تعز على إعادة تفعيل عمل الحكومة.
ما يزال الناس في تعز - عدا نفر قليل مختلف يميل إلى التمييع أحيانا او المجاهرة بأفضلية حكم الحوثي بالنار والحديد وهذا هو موقفه من البداية وله تحيزاته التي لا تستقيم - يعرف جيداً من هو عدوه ومن الذي هاجم واعتدى وحاصر المدينة, ويدرك الناس بأغلبية كبيرة في تعز ان الحوثي هو خصم للنظام والمواطنة المتساوية.
وهذا سبب صبرهم على كل هذه الفوضى والتسيب. لكنه صبر غير مفتوح الأجل.
ثالثاً، تتصرف الردود على وجهين: تتهرب من مواجهة الواقع بشجاعة أو تفرط في اللوم إلى حد ابتكار قصص خيالية. فالذين لا يرون العيب في السلطات الأمنية والعسكرية وقياداتها ذات اللون الحزبي الواحد يمعنون في تعميم الفساد ويدارون عجز من يناصرون عن إدارة محافظة لا يليق بها الا ان تكون مدنية وليس قطاعات تحكمها ميليشيات منفلتة .
والذين لا تحركهم إلا النكايات لديهم استعداد ان يحرقوا قوارب النجاة مقابل الظفر بالانتقام ولو لصالح طرف ثالث هو عدو الجميع وبهذا غيبوا عقلهم واستسلموا لمزاج تحطيم أمال الناس واستلذوا اشاعة الأكاذيب والافتراء وتضخيم العادي والتستر على الحقائق. وقبل هذا طمر تضحيات الناس.
ليست تعز استثناء إلا في انها تخذل تطلعاتها.
أما من الناحية الأمنية والإدارية فهي ككل المحافظات اليمنية من حيث الانفلات والحضور الشكلي لمؤسسات الدولة مع هامش حرية أعلى وصراخ غير واع في احيان كثيرة، ولهذا تتشتت الجهود.
وربما يحسب لتعز ان مشاكلها ذات طابع جنائي صرف والجريمة السياسية في ادنى مستوياتها ولم تستلهم للارهاب، ولو كانت السلطات قد نجحت في توفير قناة اتصال جادة ونشطة وشفافة لتجنبت المحافظة هذه الجلبة، وعند القول بالسلطة فالمقصود هو السلطات الأمنية والعسكرية ومن يمسك بها كيفما كان لونه الحزبي او نوازعه المناطقية كون البلد برمتها تحت حكم قوات أمنية وعسكرية. ومن يهيمن على هذه القوات يصبح هوالمسؤول ولا معنى للتهرب خلف واجهات مدنية بلا حول.
في الوقت الراهن، تميل الكفة في تعز إلى ترجيح ثقل طارق صالح بحكم موقعه السياسي الجديد وقدراته المادية مستفيدا من دعم مباشر ولديه موقعا مفتوحا على البحر.
ومن الحكمة في ظرف كهذا وضع احقاد ثورة فبراير جانباً لأن الخصم الحالي لليمنيين يتجاوز الخصومة السياسية التي سادت قبل 2011 وصار خصماً وجودياً يقتضي اجتماع القوى في مشروع سياسي غايته الحفاظ على الجمهورية وسلامة اراضي البلاد ومنع تمزقها واستمرار الحياة السياسية والتعددية.
هذه صيغة تبدو معقدة. لكن اعقد منها هو الاستسلام لمعادلة انهيار البلاد وظفر الحوثي بحكم تنتصر فيه عنصريته وكهنوته.
والخلاصة. ما تزال تعز أقدر محافظات اليمن على تفعيل عمل الدولة. وقد تساعدتها يقظتها الاعلامية إذا لم تبع نفسها لاهواء الغير.