دراسة بحثية تكشف فوضى سوق المياه الخاصة في تعز وتدعو إلى إصلاح إداري عاجل

أيلول/سبتمبر 02, 2025


تعيش مدينة تعز، كبرى مدن اليمن من حيث الكثافة السكانية، أزمة مياه خانقة متفاقمة منذ اندلاع الحرب عام 2015، بعدما خرجت شبكة المياه الحكومية عن الخدمة بشكل شبه كامل، تاركة ملايين السكان تحت رحمة السوق الخاص غير المنظم.


ورقة بحثية صادرة عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي حملت عنوان “تنظيم سوق المياه الخاصة في محافظة تعز: مدخل للإصلاح الإداري”، كشفت الأبعاد العميقة للأزمة، وأكدت أن المشكلة لا تكمن فقط في شح الموارد الطبيعية، بل في غياب الإدارة الفعالة والحوكمة الرشيدة، ما جعل المياه سلعة باهظة الثمن تفوق قدرة الأسر الفقيرة.  

جذور الأزمة: جغرافيا قاسية وحرب مدمرة

تاريخياً، عانت تعز من ضعف مخزونها الجوفي بسبب طبيعتها البركانية الصلبة التي لا تحتفظ بالمياه، فضلاً عن محدودية الأمطار. لكن الحرب منذ 2015 فاقمت الكارثة: فقد دُمرت البنية التحتية للمؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي، وتوقفت عن العمل لسنوات، قبل أن تعود جزئياً بطاقة محدودة جداً.

وبحسب الورقة، كانت المؤسسة قبل الحرب تغطي 58% من سكان المدينة، فيما وفرّت نحو 5.7 مليون متر مكعب سنوياً. اليوم، لا يتجاوز الضخ اليومي 6 آلاف متر مكعب مقابل احتياج يصل إلى 35 ألفاً، ما يترك فجوة هائلة يتحملها السكان عبر الشراء من السوق الخاص بأسعار مضاعفة .


مع غياب الدولة، برزت صهاريج المياه الخاصة كالمصدر الرئيسي للسكان. إلا أن هذه السوق تعمل بعشوائية مطلقة:
    •    غياب الرقابة على الأسعار والجودة.
    •    ارتفاع جنوني للأسعار: الصهريج سعة 6 آلاف لتر تجاوز 120 ألف ريال، بعد أن كان قبل الحرب 25 ألفاً فقط.
    •    تفاوت كبير بين الأحياء: الأسر في الأحياء الفقيرة والمكتظة تدفع مبالغ مضاعفة للحصول على مياه بالكاد تكفي حاجتها.
    •    غياب الترخيص لسائقي الصهاريج وملاك الآبار، ما يفتح الباب أمام التلاعب والتهرب من المساءلة.
    •    ضعف الرقابة الصحية، إذ لا توجد آلية رسمية لفحص المياه بشكل دوري، ما يهدد صحة المستهلكين.  

الأطراف الفاعلة: غياب الدولة وصعود القطاع الخاص

تشير الورقة إلى أن الأزمة تتداخل فيها أطراف متعددة، لكن حضور الدولة ضعيف للغاية:
    •    وزارة المياه والبيئة: غائبة تقريباً عن المشهد، واقتصر دورها على مشاريع متعثرة.
    •    الهيئة العامة للموارد المائية: انحصر نشاطها في إصدار تراخيص الحفر دون رقابة ميدانية.
    •    المؤسسة المحلية للمياه: فقدت معظم قدراتها التشغيلية، وتعمل بموارد شحيحة.
    •    السلطة المحلية: محاولات محدودة لفرض سقوف سعرية، لكنها تفتقر للأدوات الفاعلة.
    •    القطاع الخاص: اللاعب الأكبر حالياً، لكنه يعمل دون ضوابط أو التزام بمعايير الجودة.
    •    المنظمات الإنسانية: تدخلت بتوفير حلول إسعافية (صهاريج مياه السبيل، حفر آبار جديدة، دعم محطات التحلية)، لكنها تدخلات متفرقة تفتقر للتخطيط طويل الأمد.  

الحلول المقترحة: من الطوارئ إلى الاستدامة

الورقة البحثية لا تكتفي بالتشخيص، بل تقدم مصفوفة حلول عملية، مقسمة على ثلاثة مستويات:

1. حلول عاجلة (قصيرة المدى)
    •    إنشاء وحدة رقابة مشتركة لتنظيم السوق وضبط الأسعار.
    •    إصدار تسعيرة مرجعية للمياه تُحدَّث شهرياً.
    •    إطلاق نظام ترخيص مؤقت للصهاريج والآبار.
    •    تفعيل قنوات شكاوى للمواطنين (خط ساخن، تطبيق إلكتروني، لجان أحياء).
    •    حملات توعية لترشيد استهلاك المياه.

2. حلول متوسطة المدى
    •    إعادة تأهيل البنية التحتية للمؤسسة المحلية للمياه.
    •    تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص بشروط واضحة ومعايير صحية.
    •    تنسيق الأدوار مع هيئة مياه الريف.
    •    الاستثمار في محطات معالجة مياه رمادية أو تحلية.

3. حلول استراتيجية (طويلة المدى)
    •    إنشاء شبكة مياه حضرية حديثة تغطي المدينة بالكامل.
    •    الاستثمار في الطاقة الشمسية لتشغيل الآبار وشبكات الضخ.
    •    بناء محطات مركزية لتحلية المياه في المخا وربطها بتعز.
    •    تأسيس إطار حوكمة تشاركي يجمع الدولة، المجتمع المدني، القطاع الخاص، والمانحين لضمان أمن مائي مستدام.  

وتكشف الورقة أن أزمة المياه في تعز ليست فقط أزمة موارد طبيعية أو نتيجة مباشرة للحرب، بل هي انعكاس لفشل إداري وغياب مؤسساتي سمح للسوق الخاص بالتحكم في حياة الناس. وتؤكد أن أي حل حقيقي يجب أن ينطلق من إعادة بناء مؤسسات المياه، ووضع آليات رقابة صارمة، وتبني شراكات مسؤولة مع القطاع الخاص والمانحين، وصولاً إلى تحقيق عدالة مائية تضمن حصول كل أسرة في تعز على مياه آمنة وبسعر معقول.

Rate this item
(0 votes)
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro