هكذا يسرق حصار الحوثيين بهجة رمضان الأعياد من سكان تعز

نيسان/أبريل 22, 2022

بالتزامن مع الإعلان عن فتح مطار صنعاء لا تزال جماعة الحوثي تفرض حصارها الخانق على مدينة تعز منذ العام 2015، وإغلاق الطرقات الرئيسية، وحظر وصول الغذاء والدواء والمياه وغيرها، وفرض قيود على تنقلات المواطنين وتحركاتهم، وقطع سُبل العيش وحبال الوصل والمودة فيما بينهم.

وحتى اليوم لا يزال يضر هذا الحصار بكافة مظاهر حياة أكثر من 4 مليون مواطن في المدينة كما سلبهم مقوّمات الفرح والسعادة، وسرق مظاهر البهجة، التي كانت تخيّم عليهم في شهر رمضان، والأعياد التي اعتادوا فيها على التواصل، وتبادل الزيارات، والجلوس الجماعي، وتفقد أحوال بعضهم، وإحياء بعض العادات القديمة، وحل الخلافات، وجبر القلوب والتسامح، وفتح صفحة جديدة، وتجديد روح التآخي والمحبة والود، وهو ما لم يعد ممكناً خلال السنوات السبع الماضية.

وقد تسبب حصار  الحوثيين على تعز بآثار بليغة انعكست على حياة الناس، وغيّرت ملامحها، وبدّل أحوال سكانها، ودفع بأوضاعهم نحو المزيد من التردّي والبُؤس والتعقيد، والتهاوي المتسارع، الذي أثر على مزاجهم ونفسياتهم وتفكيرهم، وعكر صفو عيشهم، وسلبهم تلك الأجواء والمشاعر والروحانية التي ألفوها في مختلف أيام وليالي شهر رمضان، وعيدي الفطر والأضحى.

موقع "تعز تايم"، يواصل نشر حلقات ملف "معابر تعز.. سبع سنوات من الحصار والانتقام"، يرصد في هذا التقرير الوجه الخفي للحصار، وأوجه المعانات اليومية، وغير المنظورة للآخرين، والشرخ العميق الذي أحدثه في منظومة حياة السكان الرمضانية والعيدية، وكيف سلبها رونقها وبهاءها وحسن مذاقها وعذوبة تفاصيلها.

- كيف سرق الحصار البهجة؟!

يقول مواطنون وناشطون، في أحاديث منفصلة لموقع "تعز تايم"، إن تداعيات الحصار الحوثي على سكان تعز تجاوزت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والصحية والتعليمية إلى أبعد من ذلك بكثير.

وأوضحوا أن الحصار فتت النسيج الاجتماعي، وقطع سبل العيش والوصال بين القاطنين في المدينة، الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ونظرائهم في المديريات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، كما أثّر على أجواء رمضان والأعياد، وسلبها جوهرها، ومظاهر البهجة فيها، وأفقدها رونقها ونكهتها ومذاقها، وأحالها إلى مناسبات عابرة مثخنة بالحزن والأسى والألم والدّموع.  

وفي مناسبات دِينية واجتماعية كهذه، تهفو الكثير من الأسر نحو لمِّ الشمل، وعودة الغائب، ولقاء الأحبة وعناقهم، وإطفاء نار الشوق، وتبادل الأحاديث الودِّية، وحل المشاكل العالقة، والتخلّص من الهموم والمشاكل المتراكمة من بقية أشهر وأيام السنة، كما تتناسى في مثل هذه المحطات المهمّة من حياتها كل ما مرّ بها وأثقل كاهلها، وتستعيد طمأنينتها وراحتها وهدوءها وسكينتها وسعادتها وتوازنها النفسي وابتسامتها، التي كانت ترتسم على وجوه الجميع.

اقرأ أيضا: "تعز تايم" يسأل السلطات المحلية: هل سيفتح الحوثيون معابر تعز وما موقفها من اتفاق الهدنة؟

لم يعد ذلك ممكناً خلال سنوات الحصار، الذي يعد واحداً من بين أسوأ الممارسات الانتقامية لجماعة الحوثي، وأشدّها فتكاً بسكان المدينة، المحبين للحياة والمدنية والسلام والحب والتعايش والتقارب والوئام والألفة والحريّة.

وتبدو مدينة تعز المحاصرة، في رمضان والأعياد، بالنسبة لسكانها أشبه بسجن صغير لا يستطيعون مغادرته، جراء بُعد الطريق، وتواضع إمكانياتهم، وتردّي أوضاعهم المادية، المستمر مع انقطاع الرواتب، وفقدان الأعمال ومصادر الدخل، وتراجع قيمة العملة المحلية، إلى جانب كثرة القيود التي فرضتها نقاط جماعة الحوثي المنتشرة في الطرق البديلة.



ويعزف العشرات من المقيمين في المدينة عن زيارة أهاليهم في القرى والأرياف، الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، وذلك للإفطار والجلوس معها، الأمر الذي يزيد من حُرقة هؤلاء المتباعدين، ويؤقظ في أعماقهم ألماً وحزناً دفيناً، وينغصُ عليهم الحياة، خصوصاً في رمضان والأعياد.

ويُعد السفر عبر الطرق البديلة مغامرة غير مأمونة العواقب، إذ تقوم جماعة الحوثي باختطاف عشرات المسافرين، واحتجازهم أثناء سفرهم عبر تلك الطرق، لقضاء أيام رمضان أو الأعياد بين أهاليهم، وتزج بهم في زنازين "مدينة الصالح"، الأمر الذي يكسر قلوب أهاليهم، ويصيبهم بخيبة أمل، ويعكّر أجواء رمضان والأعياد، ويسرق بهجتها، خصوصاً في مثل هذه المناسبات  التي اعتاد فيها الناس على تبادل الزيارات، وتفقّد أهاليهم وأصدقائهم، والجلوس معهم.

-حزن مقيم

يقول الشاب الثلاثيني، ماجد الطيار، إن الحصار، الذي تفرضه جماعة الحوثي على مدينة تعز، قد قضى على كل مظاهر الاحتفاء، ومصادر الفرحة التى كانت تخيّم قبيل الحرب على الناس في شهر رمضان والأعياد، التي تعوّدوا فيها على إحياء العديد من العادات والتقاليد المتوارثة، بما فيها زيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وجلب الهدايا لهم، ومشاركتهم أجمل اللحظات الرمضانية أو العِيدية.

وتشتد معاناة السكان في ظل استمرار الحصار المزمن، وما نجم عنه من غلاء للمعيشة، وارتفاع مهول في أسعار السلع الرمضانية والهدايا والمتطلبات العيدية، وزيادة جنونية في تكاليف النقل والمواصلات، وأزمات خانقة في المشتقات النفطية والغاز المنزلي، وهي تفاصيل فاقمت من أعباء المواطنين، وزادت من مستوى عجزهم عن شرائها، وانتقصت من فرحتهم في رمضان والأعياد، حسب الطيّار.

اقرأ أيضا: الطرق البديلة في تعز تقود المسافرين إلى حتفهم بسبب حصار الحوثيين

وأدّى استمرار الحصار إلى غياب أبسط الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، ناهيك عن غياب الحدائق وأماكن الترفيه، وقطع الطرق الرابطة بين قلب المدينة وأطرافها، التي اعتاد المواطنون قبيل إغلاقها على التجول في مختلف أنحاء المدينة، والتنفيس عن أنفسهم، والاستمتاع بتلك الجولات، التي اعتادوا عليها خلال أيام رمضان والأعياد.

وترك آثاراً سلبية كبيرة طالت مختلف نواحي الحياة، كما أسهم في توسيع رقعة المعانات، وزاد من منسوب الفقر والبطالة، وخلّف تدهورا مهولا في الوضع الإنساني، كما سرق كل فرص الفرح، وضيّق الخناق على المواطنين، وجعلهم رهن الحزن والفاقة وشدة الاحتياج، والعجز عن القيام بسلسلة من التحضيرات الرمضانية والعيدية اللازمة، لإحياء العديد من التقاليد، وبث روح السعادة في أوساط الكثير من الأُسر.

اقرأ أيضا:  بسبب الحصار.. سائقون في تعز يواجهون الموت يتحدثون عن عذاباتهم اليومية

وتضيق خيارات المواطنين في تعز يوماً بعد آخر، جراء الحصار الذي شتت وجهاتهم وأفكارهم، وأحاطهم بالكثير من الهموم، وجعل تفكيرهم منصباً على توفير القُوت الضروري، خصوصاً في أيام رمضان والأعياد، التي اعتادوا فيها على جلب الكثير من المستلزمات، التي كانت تشكّل عاملاً مهماً من عوامل الفرح.



وينظر الناشط الأربعيني فيصل العسالي إلى الأمور من زاوية مغايرة، ويرى أن بهجة رمضان والأعياد، التي سرقها الحصار الحوثي، تتجسد في منع التقاء المواطن بأهله في مثل هذه المناسبات الدينية والاجتماعية، التي تستمد بهاء أجوائها من قيامهم بممارسة الكثير من العادات والتقاليد، التي اعتادوا عليها قبيل سنوات الحصار، الذي يقول العسالي لتعز تايم إنه أعاق وصال الناس ببعضهم في مثل هذه المناسبات، وكدّرها، وجعلها تمر بعيداً عن الأهل والأصحاب دون طعم أو لون أو مذاق، كما كانت من قبل.

- عذابات

ويضيف العسالي أن استمرار الحصار وقطع الطرق الرئيسية، من قِبل جماعة الحوثي، وما نجم عنه من ارتفاع مهول في أُجور النّقل والمواصلات جعل من التفكير بالسفر عبر طرق بعيدة وخطرة ومتهالكة أمراً  مستحيلا، وقطع سُبل المواطنين خلال رمضان والأعياد، وغيرها من المناسبات، التي أحالها الحصار إلى كتلة من الحزن والوجوم.

وتشتد وطأة تداعيات الحصار وتبعاته المأساوية، كما تبدو أشد قسوة ومرارة على الأستاذ الجامعي ماجد الجعفري، الذي يُقيم في مدينة تعز، في حين تُقيم أُسرته في إحدى المديريات الريفية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي.

ويرى الجعفري أن الحصار الحوثي لتعز قد سرق بهجة الحياة ورونقها  والقيمة الحقيقية لها، وأصبح رمضان والأعياد بالنسبة له عالما لا متناهيا من الشقاء، ومفرغا من أي معنى أو سعادة.

اقرأ أيضا: ما رأي أبناء تعز بالهدنة وتجاهل العالم لحصار الحوثيين المدينة؟

ويذكر -بحسرة- لموقع "تعز تايم": "نحن البسطاء من ندفع ثمن هذا الحصار الجائر، الذي باعد بيني وبين أهلي، وجعل من رحلة السفر مجهدة، وأكثر مشقة وعناءً، خصوصاً في رمضان والأعياد".

ويعرّج على معاناته في ظل الحصار، ويقول: "مات أخي ولم أستطع زيارته، وأصيب أبي بذبحة صدرية -مطلع رمضان الجاري- ولم أستطع، أيضا، زيارته، كما أنني صرت أقضي هذا الشهر وغيره من الأعياد في المدينة وحدي مرغماً، وذلك أُسوة بالكثيرين ممن تقطّعت بهم السُّبل، ولم يستطيعوا زيارة أهلهم وأحبّتهم، لصعوبة الظروف المادية والمعيشية، التي لا تمكِّنهم من السفر، وتحمّل تكاليفه ونفقاته الكبيرة".

وتطال آثار الحصار شريحة واسعة من المواطنين، بمن فيهم الموظفون الحكوميون، الذين يُعدّ الجعفري واحداً منهم، وتتشابه معاناته مع معاناتهم، ويلفت إلى أن الرواتب أصبحت لا تكفي لشراء كيسٍ من القمح، وقليلٍ من الأرز، فكيف بمتطلبات رمضان، وحاجيات الأعياد، التي ضاعف الحصار أسعارها، وأعجز الكثيرين عن شرائها، وجرد هذه المناسبات من أجوائها العامرة بالسعادة والرَّخاء.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 28 نيسان/أبريل 2022 12:49
LogoWhitre.png
جميع الحقوق محفوظة © 2021 لموقع تعز تايم

Design & Developed by Digitmpro